ودعّت ريتا أماني ومضت نحو الرّصيف المقابل، شاهد المنتظرون الثّابتون أمام الأبواب ريتا وقد ضلّت طريقها، سارت في مسرب لم تقرأ فيه لافتات المنع وعدم الاقتراب، لم يكن أمامها إلا الفراغ، وطريق ساكن، ودمع يشوّش رؤيتها، صرخت أماني من بعيد: ريتا حبيبتي توقّفي… لا تقتربي أكثر… لا تتجاوزي الخطّ المرسوم لا أحبّ رحيلك دون وداع.. أرجوك عودي.. ستأخذك طيور النّسيان وتمضي بلا ذاكرة، ستهاجر في آخر مواسم بقائها ولن تحملك في ربيعها، أتوسّل إليك.. لا… لا تقتربي… لا تنقلي قدمك الأخرى في تيه المسافات.. لا تغادري الحاجز إلا منتصرة.. الثّعالب تراوغ يا ريتا… لا تقتربي منهم رجاء… لا تتركي دمك الطّاهر ينتظر على الأرصفة… فلا ديّة لك في عُرف الجُبناء… لا قصاص ولا عدالة لدى الغُرباء… نحن متعبون متألّمون حتّى النّخاع.
ريتا الماضية في حزنها، غريبة المكان والزّمان صارت، من بعيد رصد الجنود تحرّكاتها، تصيّدوا جهلها بالمسارات قمعوا خطواتها الهادئة فاستقرّت بالمكان، هوى الرّصاص على جسدها المنهك في لحظات. غضبت العيون من رؤية الذّبيحة، فتحت الأبواب لحظات لعبور القطيع، وبدأت مراسم الرّقص حول الغنيمة، شربوا نخب دمها المراق، وزفّوها لمقابر الأرقام.
الشّمس توشك على الغروب، تمضي خلف البحر الهائج في الذّاكرة، تودّع المدن المقهورة وترحل، والأبواب المؤصدة ترسم ظلال الأعمدة على غبار الأقدام العالقة من جديد، دوّامات من الذّل تزيد من غثيان المنتظرين ومن حطام أنفسهم، تنثره كالرّماد على حواجز الموت، فتبدو نسيجا من قصص لواقع يشبه الخيال.
الكاتبة نزهة الرملاوي