ورقة نقدية للكاتبة سيدة بن جازية في رواية وجه في كرة للأديب علي الحديثي


رواية ساحرة مخاتلة تتركك تبحث عن ذاتك بين الذوات،بين الأصوات المرتفعة لتعالج قضيتك قضية المرأة بصوت ابن المرأة،قضية المجتمع بقلم خبر المجتمع وزلاته و انتكاساته، قضايا الإنسانية جمعاء وماشابها من غدر الأقدار والأشرار،قضايا المعتقدات في صراعها مع العرف والمعرفة والدين… بأسلوب رومنطيقي ظريف سلس منساب شدنا إلى كل حرف وجرجرنا إلى حيث اشتهى كنهاية صادمة تفتح ألف باب حتى بدت فصلا جديدا يحتاج الكتابة كي يرفع عنا الصدمة و الحيرة. تعاطفنا مع سما وأشفقنا على فهد، فأي تأويل يشفي غليل هذا الاختيار.

قراءة في العنوان : وجه في كرة ، ” وجه ” مفردة نكرة صيغة المفرد و “كرة ” كذلك في صيغة المفرد لكن تراءى من خلفها جمع الجمع. الوجه ما يظهر أكثر من الجسم ويحسب له ألف حساب، الوجه ناطق رغم كل شيء.
ويعبر الوجه على القيمة كمعيار و وسيلة للتواصل ،شكله يصنف الشخصيات الجميلة والقبيحة، إذا هو الجزء الظاهري المعبر رغم قدرة الإخفاء والمراوغة،و الكرة الشيء الدائري المدور الذي لا يستقر ، لا زوايا له ، قابل للنط والحركة المنسابة في كل الاتجاهات دون حواجز ، فالكرة رمز الشخصية المتكورة المنغلقة المتحركة النطاطة المتكررة في كل جيل ووطن ومنها الكرة الأرضية والوجه الكروي وكرة الحظ .


بدت الكرة في هذا النص الروائي الممتد المنفتح الحبل الناظم لكل الرواية من بدايتها إلى نهايتها ، ظهرت كبطل خفي منطقي يؤثر في كل الأحداث حتى أننا رأينا هذه الكرة الوطن الذي تتقاذفه الأطماع والمعتقدات والخرافات و الأديان والسياسات… الوجه يحتمل عده قراءات الخطأ الصواب ، الوجه دائما يخفي القفا يحاول الكل إخفاء القفا فينافق، يتظاهر، يراوغ…لكن القارئ الذكي للوجوه وحده يستطيع قراءة ما يخفى بين السطور فيفضحه،يكشفه.إذا العنوان يدفعنا إلى البحث عن فكرة النص الأساسي ولأول مرة أجد عنوانا يخفي كل التفاصيل حتى النهاية، لنسأل وجه رجل قفاه صوت امرأة، أم المرأة هي الكرة يركلها الرجل فتفضح وجهه، وبالتالي يصبح المعنى وجه رجل في جسد امرأة متكورة منغلقةو المرأة تحسن القبض هذه المرة على الكرة تتحكم فيها …. ربما إعادة قراءة الأثر ترفع اللبس.

الفكرة : في الظاهر قصة عاطفية تكشف بقلم الرجل أسرار البنات و الآباء والرجال ومظالم مورست بغطرسة الرجل/ المجتمع كرجل وامراة معا / لكن بدا الرجل كذلك مظلوما إذا المجتمع بني بتركيبة خاطئة فتوارثت كل الأجيال الخطأ، العرب، القبائل، المعتقدات ، الدين ، الاخلاق،
مصدر النور في النص لم يكن القرآن والدين رغم محاولات الكاتب تصديره واعتماده كمرجع بل ظهر العلم هو المنقذ و الثقافةو الغرب بالأساس،الاختلاط بين كل هذا. الخروج من الدائرة المغلقة،
إذا القصة أو الرواية تكتب معركة التحرير ؛ تحرير الجسد والفكر والأرض من عدة مكبلات منها الاعتقادات الخاطئة الموروثات/ قوانين القبائل / إلى غير ذلك
إذا الرواية هي مطالبة باعادة قراءة التاريخ والماضي والأخلاق. دعوة للنظر في وجه الحقيقة في هذه الكرة،التي حاول طمسها مجتمع الظالم المسكون بالخوف والهواجس دعوة للوحدة، للتعليم والتعلم وتصحيح المسار، دعوة للمصالحة لاسترجاع المجد. مجد بغداد مجد العراق مجد العرب…

محاور الصراع :

في الرواية صراعات بين الأفكار والأجساد والأرواح ؛
_ صراع الجنسين المرأة والرجل
_ صراع الزمان؛ الماضي الحاضر المستقبل
_ صراع المكان؛ المدينة والريف،الكلية والبيت والنادي
الداخل والخارج،المنغلق والمنفتح،الباب والنافذة..
_ صراع الأديان والأخلاق والعادات و الممارسات
_ صراع الأجيال؛ جيل الآباء والأجداد والأحفاد
_ صراع الهويات؛ العربية/ الغربية…
_ صراع الأرض؛ من يمتلكها ومن يحميها ؟ العربي ام الحامي الأمريكي الغازي …
إذا هو صراع القوى المتناطحة الطامعة
الأوجه في النص والوجاهة والوجهة محددة أحيانا
لا يوجد وجه واحد للرواية ؛ هي أوجه مختلفة كروية الشكل متضاربة أحيانا،
الرواية ظاهريا تذكرنا بجيل روايات عبير الرومانسية ثم بروايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وتيمور
يمتزج أسلوب الكل في طبق شهي خفيف بسيط عنوانه وجه في كره ليعجن ويمزج كل الوجوه بقلم مختلف حداثي حديثي نجد له صدى في أدب المقاومة.

  • وجه العاطفة صورته في قصة العشق الممنوع أو الحب بين باسل وسما وفهد
  • وجه السياسة في صراع حزب البعث والنضال والأمريكان + وجه التاريخ في حالات التذكر والاسترجاع واستعادة مجد بغداد و شارع المتنبي والرشيد وخرير دجلة والفرات.

  • وجه الأدب في استعراض العضلات اللغوية البديعية الرنانة بموسيقاها العذبة وأنين الحرف المذبوح على عتبات أمكنة الرواية المغلقة والصنعة البليغة…..
  • وجه فكري يصارع الثقافة السائدة بالدين والعادات والقوانين و الحداثة….
    +وجه بسيكولوجي يرسي فيه قواعد التربية السليمة للناشئة محاولا مصالحة الثالوث ( جسد- روح – فكر)وكذلك للكبار و المهمشين و…..
  • وجه نضالي زرع بذرة النخوةو الوطنية في صفوف كل المواطنين بالتخلى عن الأنانية والأهداف الضيقة الخاصة، ليدافع الكل عن وطنه قد صور ذلك باسل وفهد وجميع الشباب العراقي حماة الوطن.
    إنها فلسفة الوجود ، البحث عن الذات وسط المختلف محاولة التغيير و كسر الشرنقة الخانقة.

الشخصيات في النص :


_ شخصية “سما ” جذر (سين ميم واو )السمو الرفعة السموق لكن مهما ارتفعت تسقط في الأخير تحت وطأة نظام القبيلة لا تخرج من إطار العشائرية فذلك قدر مرسوم موروث..
ربما الوحيدة التي ورد وصف ملامحها بشعرها الأسود المنساب ووجه رسمته الملائكة كي يبعد كليا صوته وصورته المتخفية بحروفه.
_ “باسل” استبسل في الصمود ، نجح في تغيير شخصية فهد وهذا يحسب له كيف غير هذه الشخصية المسكونة بالعادات والتقاليد ، هذا خلق المتعة و التشويق، راود حلم الكاتب فصوره بعجالة واقتضاب وربما هذا هو عنصر المفاجأة الناجح المميز والهدف والرؤية في النص ، أن يرى الوطن ينهض بالعلم والمعرفة ومواجهة العدو الداخلي والخارجي.
_ “فهد ” رمز القوة والسرعة ؛ قوة الشخصية والعزيمة وسرعة في التغيير في سنة ونصف كسر الوهم بداخله تغيرت عقليته وأعاد ترتيب أموره من جديد على النحو السليم.
_ “رعد ” بريق كاذب، صوت مزعج ، كاد يحمل الخير للجميع لكن….لم يفهم الحياة كما فهمها فهد رغم أنه طالب جامعي. _ “سرمد “يحيل إلى الأزلي، الاستمراري ، الثبات الذي لا ينتهي وهو إضاءة للنص الروائي .
_ “سمر ” الأخت المثقفة المؤنسة المشجعة الدافعة المنقذة، فالمرأة لا ترتقي إلا بنصرة المرأة.
_ الأب :
نجح “الأب ” في بناء عائلة مثقفة مستنيرة فبدا رمز العراقي الجديد المتفاعل مع التطورات تدريجيا،تجاوز نقطة ضعفه عندما تخلى على شهادته ومارس تجارته رغم إيمانه بدور العلم في تطوير الشعوب
نزح من الريف إلى المدينة ليكمل حلمه وقد اكتمل في رسم مستقبل أبنائه كامتداد لمستقبله وغاياته وحلمه .
_ “شيماء “رمز للفتاة الحالمة التي لا تقاوم لكنها تحاول تغيير بعض العقليات ، وكسر حاجز العشائري. تتخذ موقفها بجسارة.

بناء الرواية:


الرواية وردت على شكل فصول وقع ترقيمها ولم يقع عنونتها لكن القارئ ينتبه إلى إمكانية العنونة فنجد مثلا فصلا يهتم باسترجاع أيام الإعدادية ثم المراهقة فالحبيب و الجسد فصل آخر متأخر بعض نضج الأحداث يهتم بمرحلة الكلية بقضايا السياسة والنضال وتطوير شخصية فهد والزواج يختم القصة بصدمة باسلة.
هناك تسلسل خارجي وداخلي للأحداث نسقه تصاعدي مشوق

الحبكة القصصية:


اعتمد الكاتب تقنية الشخصية البطلة المنفردة في بناء تصاعدي فاضح لخفاياها وأحلامها وهواجسها وغرائزها و ثوابتها لكن النسق تدريجي بطيء ثم فجأة يتسارع نحو التغيير ليبهر القارئ يذكرنا بنهاية القصص القصيرة .
يحاول إشراك القارئ الصدمة ملغيا مقاطع التمطيط و الوصف المجاني والحوارات المسهبة، فبث السؤال الجماعي هل ستعود سما إلى باسل ؟ هل سترفض فهد ام تثور وتبقى عانسا ؟ أم كأي امرأة تقليدية شرقية تقبل بالمصير ؟
هكذا هي الروايات كما قال الكاتب على لسان البطلة أحلام متسلسلة بطلها القلب في صراع مع العقل، القلم هو الداء و الدواء محاولة استرضاء بين الجسد والروح ، تهدئة الأعاصير محاولة فتح الباب المغلق للهرب لكن إلى أين ؟
دعوة لبناء فضاء يستكين فيه الهارب .


هندسة الرواية :


الروايةالحاضنة ككل الأدب التقليدي العاطفي الرومانسي قالبها متكرر شخصي أزلي صراع الجنسين،شحيحة هي الصفحات التي تخوض المعارك الحاسمة/ الموازية رواية النضال الوطني تحرير الأرض/الأم، كان يمكن فتح أبواب التيمة السياسية على مصراع لتكون الرواية دسمة محركة أكثر للصراعات والأحداث، بتجاوز تقنية البطل المنفرد الى بطولة ثنائية أو مفتوحة خاصة عند فتح باب السياسة والنضال و المعتقدات و العشائرية، فقد مر الحدث العظيم مرور الكرام وكأن تحرير سما أهم بكثير من تحرير، الوطن أو ليجعلنا نعتقد أن سما هي الوطن و بتحرير امرأة يتحرر المجتمع ككل كما في المنهج البورقيبي التونسي السباق لهذا النهج التحريري..

نجح الكاتب في إيجاد حلول وتصحيح االمفاهيم؛
_ الزواج العشائري القبلي لا ينجح إلا بموافقة الطرفين والقناعات وفي ذلك محاولة تقريب لكل القبائل ونفي للعصبية ومن ورائه نشتمّ رائحة دعوة للوحدة العربية المنحلة .

_ المعتقل صوره مصدرا للشهامة ، ينير الشخصية والعقل والرجولة، يرغب الشباب في المعرفة وإثبات الذات، يحفز على النضال فالمغنم عاجل وآجل، ويصبح النضال نضال المعرفة والعقل و تلاقح الأفكار.
_ تعليم المرأة ؛ ضرورة لتطوير الأسرة والمجتمع والقبيلة والحياة والوطن. دعوة لتنوير العقول و الأسر فالمجتمع.
_ صراع المدينة والريف ؛ محاولة لمعالجة الجهل والفقر بالسفر والتنقل والتحرر من المكبلات.
_ العودة للموروث الثقافي كرمز للقوة والعزة ف” سما”البطلة أراها بغداد تختال في ثوبها المطرز بالنجوم المضيئة رمت بظلالها على العائلة العربية والقبيلة الشرقية والوطن المصارع واللغة العربية الأم.
_ الحب في النص سلاح ذو حدين قد ينشئ عائلة سعيدة متنامية ممتدة و قد يقتل قلبا وأهلا وعقلا ومستقبلا .

“اللغة ” انتعشت بهذا القلم الماتع، خاض الكاتب كل المواضيع بنفس الروح الحية الزاهية المفعمة بالحياة حتى السياسة نقل وطيسها بذات الهدوء والموسيقى مدغدغا ما يكمن بالداخل إذ لم تعد لغة جافة قاحلة ملغزة محفوفة بالمخاطر، بل واصلت الانسيابية والتدفق العاطفي الرائق.

الخرائط الذهنية في الرواية في ثنائيات متقابلة :


الحب والكرامة / الجهل و العلم / الظلام و النور / الثورة و الاحتلال / الوحدة و العشائرية / السلام و الانتقام.
كلها قضايا أثارها بحنكة ودراية جمعها تحت صوت المرأة ووجهها وروحها حتى غابت في الفصول الأخيرة روح الأديب الذكورية ونجح في إقناعنا أن” سما ” هي التي تكتب بقلمها، دوامة أرهقتنا لكننا استمتعنا في النهاية.
بورك القلم المبدع والخيال الشاسع والقدرة الفائقة.
بورك اختيارك أستاذ محمد البنا فبعد تقمص المبدعة كنانة عيسى صوت الرجل في قصة في الطريق إلى غرناطة تعيد كفة الميزان بصوت المرأة الصادح تحت قميص المبدع علي الحديثي، لنقتنع أن الكتابة فن، فن التمثيل والكاتب قادر على لعب كل الأدوار بمهارة، فلماذا اختار الكاتب تقمص شخصية المرأة لمعالجة كل القضايا، أيرى أن ذلك يخدم أكثر الفكرة أم سر في الأمر؟؟؟

الكاتبة سيدة بن جازية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *