“وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ “للكاتبة فرح غنيمات

من بين يديَّ ليلٍ حالكٍ ممزوج برائحةِ الظلمِ والكذب ، وقعت الجريمةُ العمياء، وتسللَ عدو الشكِ بين احياء القريةِ، وانطلقت ألسنَتُهُم تبوءُ بِالإِتهامات الكاذبة والادعاءاتِ العمياء إنهُ من فعلها
_ أبي أبي أتسمعُني اجبني يا قُرَّة عيني من قام بذلك ؟ من قتلك ؟ سأشربُ من دمه
تجمعَ سكانُ الحي حول المقتول وسط ذهولٍ كبيرٍ واسئلةٍ تجولُ كالعمياءِ في عقولِهم :من القاتل..؟
سُلِّطت أصابع الإتهام على ذلكَ الرجل الفقير عامل النظافة (صادق) والتفت َحبالُ الباطلِ حول عنقهِ ووقفَ الجميعُ ضده فَحُوِّلَ مباشرةً إلى المحكمة
_ هل قتلته ؟ ما بك تكلم لماذا قتلته !
= بكل هدوء لا لم اقتله !
لقد كان في تلك الليلة كعادته يجمع فضلات القرية والناس نيام بجوار صديقه ، الذي رافقه منذ نعومة اظفارهما (جواد ) كانوا يتبادلون اطراف الحوار ويتسامرون فيما بينهم
كان من عدل القاضي أن يسمعَ للشاهدِينَ على صحةِ كلام المحكوم
_ هل لديك شهود تكلم ؟
فأشارَ صادقٌ إلى صديقهِ جواد هو من يعرف الحقيقة وسينجيني من هذه الجريمة العمياء
_ الديك ما تقوله
وسط صراعٍ داخلي عميق قال جواد: ماذا سأقول أَأعترفُ بالحقيقةِ وأُنقِذَ صديقي أم اصمت وأكون كالشيطان الأخرس حتى أنقذُ حياتي من أهالي القريةِ الأشرار الذين يتسلطون علينا بسبب ضعفنا
بعد صمتٍ وجيز ..
أجابِ جواد بصوتٍ خافتٍ مرتجف : أجل هو من فعلها
أُصيبَ صادق بالذهول من غدر صديقهِ المقرب
لكنه التزمَ الصمت وتوجهَ نحو سجنه يجر خلفه اذيال الهزيمة ليحُكم عليه بالشنق ظلماً وزوراً هذا هو شأن الضعفاء في كل زمان ومكان يكونون دائماً ذريئة من يريد أن يتعلمَ الرماية وورقةً رابحةً بِأيدِ المستغلين للفرص
كان ضمير جواد يلتهب كنارٍ مشتعلة تزداد اشتعالاً كلما كُبَّّ عليها زيت كذبه وافتراءه على صديقه الذي لم يرَ منه شراً قط!
لقد خسرت كلمة الحق وعلت كلمة الباطل ،وصادق في السجن مقيد بقيود الظلم والكذب ترى هل سيظل جواد ساكت عن الحق ؟هل سيكتم الشهادة ؟واذا فعل ونجا من فعلته هذه في الدنيا أينجو من عذاب الله يوم لا ينفع الندم ،يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
في ذات ليلةٍ وبعد تفكير طويل غلب النعاس على جواد من طول السهر والتعب والقى جسده المنهك على سريره لينام دون أن يدري عن نفسه جاءه صادق في المنام وعيونه قد ابيضَّت من الحزن، حدثه بنبرةٍ مؤلمةٍ :لقد صفعتني ودفعتني للهاوية قلت لك أني أخافُ السقوط لماذا أهديتني هذا الألم ؟! انسيتَ السنين التي قضيناها معاً و المعارك التي خضناها دون أن نملَّ أو نيأس! إن كنت قد نسيت فإني لم ولن انسى ، افق افق …
هبَّ من فراشه فزعاً يسبح في عرقه يشعر بالإختناق وكأن صخرةً كبيرةً مُلقاةً على صدره ، ناداه ابنه من وراء الباب هيا يا أبي لقد تأخرنا عن موعد صلاة الفجر ، فقام مهرولاً ليلحق بصلاة الفجر في المسجد
أدرك الامام وهو في الركعة الأخيرة فقرأ قوله تعالى “وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ” فصدحت في أُذنيه وهزَّت أركانه هزاً وشعر بقشعريرةٍ لم يشعر بمثلها من قبل
فتوجَّه مباشرةً إلى المحكمة بكل ثقة ودون أي ترددٍ ليُدلي شهادته أمام الله اولاً ثم أمام صديقه

الكاتبة فرح غنيمات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *