تنافس الأقطاب؛ خرائط تنافس وصراعات القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين


مقدمة:


يشهد العالم الآن تحولا غير مسبوق نحو نظام عالمى جديد يغير قواعد اللعبة الدولية ومنطقها والفاعلين بها، بعد أن شهد عقودا من نظام أحادى القطبية بذلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية جهودا لتظل منفردة، ولكى تكون القطب الأوحد فى قيادة العالم، ولكن لم يعد للعالم الآن مكان لهذا النظام المتمركز حول الولايات المتحدة فقط، متجاهلة العالم ومن عليه باتباعها سياسات تخدم مصالحها وأطماعها، غير مبالية باحتياجات المجتمعات والدول واستقرارها وأمنها وسلامتها، وتبنت نهج أمريكا أولا على حساب الأمم وتآكل الشعوب، وبذلت فى سبيل ذلك الغالى والنفيس لتخلق بؤرا ومناطق للصراعات والحروب والتدخل السافر فى شئون الدول لتصبح المهيمن الوحيد على هذا العالم، الأمر الذى ترتب عليه صحوة عالمية بلفظ الدول والشعوب لهذا النظام، لتتجه الدول الآن نحو نظام عالمى جديد بتكتلاته وتحالفاته وفاعلين جدد، ليصبح الملاذ الآمن للدول والشعوب. وبناء عليه، يتناول هذا التحليل التشكيل العالمى الجديد وأسسه ومحدداته واتجاهاته والفاعلين الجدد فيه، والتغيرات التى تلوح فى الأفق.
بداية، لا بد من الإشارة إلى وضع أمريكا الحالى، فقد فقدت أمريكا صفة القطب الأوحد على جميع الأصعدة اقتصاديا وسياسيا بصورة غير مسبوقة، ولم تعد لها السلطة والنفوذ فى الشئون الخارجية كما عهدها بل لم يعد بمقدورها القيام بالحرب المباشرة، وأصبحت سياستها الخوض فى الحروب بالوكالة، وترك الدول تواجه مصيرا مجهولا. وخروجها المخزى من أفغانستان بعد عشرين عاما؛ حيث لم تفعل شيئا لها ولشعبها بل تركتها تواجه مصيرا مجهولا، يتابعه العالم بكل أسى من دمار وعنف وإرهاب، ومن قبل كان العراق.


ساحات التنافس


أعد باحثو معهد راند للأبحاث بمشاركة من القوات الجوية الأمريكية، دراسةً مهمة من 800 صفحة نشر منها 77 صفحة استشرفوا فيها الدول والساحات التي ستشهد تنافساً أو صراعاً خلال المرحلة المقبلة، ما بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، بعيداً عن الساحات التي اعتبروها أولية كأوروبا وشرق آسيا والمحيط الهادئ. وقد جاءت النتائج لافتة جداً، خصوصاً في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، بحيث تشتد المنافسة والصراع في الدول التي تدور في الفلك الأمريكي لاسيما بعد تعدد الاقطاب
أهم ماورد :
خلال إدارات باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن، جعلت الولايات المتحدة الأمريكية مواجهة صعود الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وبدرجة أقل، التحقق من الانتقام الروسي في أوروبا من الأولويات الأساسية لاستراتيجيتها للأمن القومي. تاريخيا، ومع ذلك، فقد وقعت المنافسة بين القوى العظمى والصراع خارج مسارح الاهتمام الأساسي للقوى المتنافسة. هذا التقرير – ملخص لسلسلة من 4 مجلدات – يستكشف أين وكيف تتنافس الولايات المتحدة والصين وروسيا على النفوذ في هذه المسارح الثانوية (إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية) أين ولماذا قد تتحول المنافسة إلى صراع؛ ما الشكل الذي قد يتخذه هذا الصراع؛ وما الآثار المترتبة على النتائج بالنسبة للحكومة الأمريكية ككل، والقوة المشتركة، وللقوات الجوية ولقوى اخرى تتمركز في القواعد الامريكية المنتشره طولا وعرضا شمالا وجنوبا.


مراكز القوة التاريخية.


يتزايد نفوذ الصين، وبدرجة أقل، نفوذ روسيا في المسارح الثانوية، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال الفاعل العسكري المهيمن في الوقت الحالي.وقد تكون المنافسة شرطًا ضروريًا ولكن غير كافٍ للنزاع. وقد يكون انخراط القوى العظمى في الصراعات في المسارح الثانوية في عصر المنافسة الجديد، مدفوعًا بمنطق المحصل الصفري بدرجة أقل مما كان عليه خلال الحرب الباردة. و تنطوي صراعات المسرح الثانوي في المستقبل على تحديات متميزة في عدم التضارب والمنافسة السياسية وراء الكواليس.


سيناريوهات امريكية للصراعات


تقدم أمريكا العديد من السيناريوهات المعقولة للصراعات التي يمكن أن تنخرط فيها الولايات المتحدة في جانب منم يعارض روسيا والصين وايران وغيرها


بعض النقاط اللافتة في هذه الدراسة:

بالنسبة لأفريقيا:


بالرغم من أن هذه الدراسة قد جرى إعدادها في العام 2021، إلا أنها استشرفت بأن أفريقيا ستكون ساحة كبرى للتنافس بين الدول العظمى، لأن لجميعها مصالح وأهداف مختلفة نوعا ما في إفريقيا، لكنهم جميعا يرون فرصا اقتصادية في الموارد الطبيعية الوفيرة للقارة وتزايد عدد السكان. أما أبرز الدول التي قد تشكل ساحة للتنافس أو الصراع:


1) السودان
2) الجزائر
3) نيجيريا
4) كينيا
5) جنوب أفريقيا

بالنسبة للشرق الأوسط:

استشرف معدو الدراسة بأن هذه المنطقة ستكون مسرحاً للتنافس والصراع الشديد بين القوى العظمى، لكن اللافت بأن الدول التي في مقدمة المرجح اشتعال الصراع فيها هي تلك التي تدور في الفلك الأمريكي، بعكس دول وساحات المقاومة ما عدا العراق، بحيث يأتي في المقدمة:
1) مصر
2) الإمارات
3) باكستان
4) السعودية.

بالنسبة لأمريكا اللاتينية:


أيضاً في هذه المنطقة، تتراجع الساحات المعادية للولايات المتحدة تاريخياً في قائمة الدول المتوقع اشتداد المنافسة والصراع فيها كفنزويلا وكوبا، مقابل غيرها من الدول التي على علاقة ودية مع أمريكا:
1) البرازيل
2) تشيلي
3) البيرو
4) كولومبيا
5) الأرجنتين


السيناريوهات الأمريكية للتعامل مع النظام العالمى الجديد وخريطته السياسية:


لن تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدى تجاه تشكيل النظام العالمى الجديد ومولد أقطاب متعددة بتكتلاتها ما يجعلها تتصرف كأنها فى جرح الموت تنافس وتصارع لتبقى وجودها، وتتمثل السيناريوهات الأمريكية فى الآتى:

– مهاجمة التجمعات والتكتلات الوليدة والناشئة من جهة، والاتجاه إلى تحالفات هى القائد لها للحفاظ على نظامها الحالى كقطب أوحد من جهة أخرى.

– تبنى أمريكا سياسة الحرب الباردة الجديدة مع الدول الصاعدة حتى لا تصبح قوى اقتصادية وتكنولوجية.

– تعمل أمريكا على درء النفوذ الآسيوى فى القارة الإفريقية، خاصة فى دول غرب إفريقيا ما جعلها تتحالف مع جميع الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا.

– تأجيج انقلابات الشعوب على أنظمتها الوطنية، خاصة على الجيوش الوطنية، والحال فى السودان خير دليل.

– جر الصين وروسيا لاستنزافهما عسكريا (إمداد أوكرانيا بكل أنواع الأسلحة والذخائر العنقودية التى تأخذ معها الأخضر واليابس- تايوان والصين).

– حروب الطاقة والغذاء وهى حروب جديدة على العالم بأكمله نشهدها الآن.

– قيام الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى مع أمريكا ببذل الجهد حتى لا يختل النظام العالمى لمصلحة الدول الصاعدة.

– نقل مناطق الإرهاب إلى آسيا بخروجها المتعجل من أفغانستان لصرف نظر الدول الآسيوية عن طموحها.

الخصائص التى سيكون عليها النظام الدولى الجديد :

– نظام اقتصادى يسمح بتدخل الدولة لضبط الإيقاع مثل الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل (مجموعة بيركس) يخدم مصالح الشعوب والدول جميعا.

– نظم سياسية تتبناها الاتحادات الجديدة لضبط التوازنات وإدارة الخلافات، ووضع ميثاق عالمى جديد ما يؤسس لسياسة خارجية وعلاقات دولية جديدة.

– نظام اجتماعى لمواجهة المخاطر المشتركة التى تهدد الشعوب وسلامتها، والعبث بالأوطان ومقدراتها، والارتقاء بالشعوب وإشباع الاحتياجات.

– نظام ثقافى جديد وهو ما نشاهده من الصين وروسيا وتغلغلهما ثقافيا فى كل دول العالم.

– نظام قانونى يحترم الاتفاقات والمواثيق والقوانين بين الدول.

– نظام يعمل على التوازنات بين القوى المتعددة من تكتلات ومراكز قوى.

اخيرا: يتبقى السؤال: هل تستعين أمريكا بحلفاء جدد لإبقائها قطبا واحدا؟ وهل تعمل أمريكا جاهدة لإبقاء النظام الدولى كما هو عليه؟ أو تسير بالتوازى مع القوى الصاعدة؟ أم تعمل جاهدة فى حال تغير النظام الدولى الحالى لكى تكون فاعلا ولاعبا مع الفاعلين واللاعبين الجدد على المسرح العالمى حتى تكون حاضرة فى إعادة توزيع مراكز القوى العالمية الجديدة؟ هل تتبنى أمريكا سياسيات جديدة وتطور استراتيجيات مستقبلية لمصلحة العالم والدول؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام.


الكاتب و الباحث كرم فواز الجباعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *