قراءة في رواية “منارة الموت” للكاتبة الفلسطينية المغتربة هناء عبيد

قراءة في رواية “منارة الموت” للكاتبة الفلسطينية المغتربة هناء عبيد. الصادرة عن دار فضاءات للنشر في العام 2022, تقع الرواية في 237 صفحة من الحجم المتوسط.

منارة الموت، عنوان لافت رغم تناقض الكلمات، المنارة ايحاء للوصول والنجاة والرؤية الواضحة، والموت كما فهمناه هو ذلك الحق المباغت المجهول، فهل أشارت كلمة المنارة لأولئك الثكالى والمحرومين من نعيم الحياة، المضطهدين من الأسياد واصحاب المصالح وسلطت الأضواء عليهم؟
ام هي منارة المتسلطين المتجبرين بأرزاق البشر، العابثين بأحاسيسهم وخصوصياتهم؟
هل أشارت الرواية إلى المجتمع المقموع من عهد آدم عليه السلام واختارت اسم النبيّ لبطل الرواية ليذكرنا أن صفات الشرّ والقهر والاستعباد والعنف عناصر موجودة في قلوب البشر منذ نشأت الخليقة ولا زالت، مسيرة لأعمال المتسلطين، معجونة من عرق المكلومين البائسين، في المقابل هل كانت منارة الخير والمثابرة والأمل والتحدي، تسطع بأضوائها أمام المتجبرين، لتحدّ من تهميش الخيّرين ومواصلة حياتهم بكرامة، والعمل على إحياء السعادة في قلوب البشر.
آدم قصة كآلاف القصص الواقعية في المجتمعات التي تتسم بالعنصرية والطائفية، سواء كانت مجتمعات عربية او مجتمعات غربية، وقد تبين من خلال الرواية أن مكان حدوثها كان في امريكا، ذلك المجتمع الذي امتهن كرام السود بسبب لونهم، بالاضافة إلى ذكر عائلة (كاربنتر) بعض الاسماء التي اشارت لحصولها في مجتمع غربي.
عائلة (كاربنتر)، تلك العائلة التي حلم آدم بالعمل في مصنعها، وقد تحقق حلمه ذلك عن طريق ذهابه للعمل هناك بعيدا عن أسرته وأخته الصغيرة ذلك المصنع الذي كان يمنحهم الصدقات ولكن تنحرف عن ايديهم وتختبئ في جيوب المسؤولين السارقين بالحيّ.

من الملاحظ أن شخصية البطل آدم شخصية متطورة، نامية، لم يمنعه العرج من تحقيق أحلامه، مع انه كان يتوارى بعيدا حتى لا يراه الأولاد ويحولون نهاره إلى جحيم بسبب تنمرهم واستهزائهم به، ومن الملاحظ انه لم يخضع نفسه إلى جلدها، بل كان طموحا متحديا واعيا رغم الحزن المتفاقم في قلبه، شخصية البطل متحركة تعمل على تحريك الأحداث ونموها نحو الأفضل، وفق ما يتطلب الحدث، وربما كانت التساؤلات وجلد الفقر وقلة الحيلة، هي عناصر الصراع الداخلي التي اشغلت فكر المتلقي.
عمل البطل آدم على محاولة نسيان ذكرياته الطفولية، التي اتسمت بالمرار والقسوة، والتي حملت القهر والذل نتيجة الفقر والضعف في المواجهة.. لأنها كانت سببا في تأزمه النفسي الذي رافقه حتى النهاية.

تطرقت الكاتبة إلى عدة قضايا في روايتها كقضية الأجناس العرقية في المجتمع الأميركي، المتسمة بالعنصرية تجاه المواطنين السود، ونظرات الازدراء والدّونية للآخرين، والمعاناة النفسية والجسدية التي يسببها التمييز الطبقي في المجتمع، والمتسم بالتخلف ولا يمت بصلة للحضارة أو الإنسانية، وقد تجلت هذه القضية بوصف دقيق في قصة آدم والناس من ذوات البشرة الملونة في المجتمع الأمريكي.

وتطرقت كذلك إلى قضية الاتجار بالأعضاء وفساد الأدوية المسببة للتأزم والتخبط والقتل للشخص الذي كشف حقيقة الأمر من قبل المفسدين.
إضافة إلى إثارة قضية العنف والتنمر في المدارس، تجاه الأطفال من ذوي الإعاقات الجسدية.

طغت على الرواية عدة عواطف ومشاعر مختلفة، كعاطفة الحزن والحب، ومشاعر الإحباط والقوة، والتعالي، والأمل والخوف والاكتئاب والفرح.

تميزت الرواية بصدق المشاعر في الحب الذي نشأ بين آدم وحبيبته هانا منذ الطفولة، وصدق المشاعر والأحاسيس بين أفراد العائلة واستمر حتى النهاية.

تطورت أحداث الرواية بتطور شخصية البطل، وتماهت اللغة ما بين القوة والبساطة والوصف الجميل والأسلوب السلس.

اتسم الحوار الخارجي بين الشخصيات بالسلاسة، أما الحوار الداخلي فاتسم بمشاعر حزن متدفقة، ترافقها ومضات امل تلمع ما بين دفتي الرواية.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل تأثرت الكاتبة بما شاهدته من أفلام أمريكية أو ما قرأته من روايات ألقت الأضواء على استعباد السود من قبل المواطنين البيض في الزمن الماضي؟ ام كتبت ما رأته بأم عينها، ورأت أن تعري ذلك المجتمع الموسوم بالعنصرية، بما أنها مقيمة في بلد ادّعت الديمقراطية وألغت تجارة الرقيق وحررت العبيد؟
بمعنى آخر هل انتهت مواسم الحقد والكراهية تجاه البسطاء من قبل الأسياد؟

والسؤال الثاني: هل كان الهدف من ايقاع الرمزية على الأماكن حتى لا يتخيل المتلقي المكان بحد ذاته؟ ام حتى يلقي القارئ تفاصيل الأماكن على أماكن يعرفها؟

الكاتبة نزهة الرملاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *