“الكبار يموتون والصغار ينسون”، هذا ما قالته رئيسة وزراء اسرائيل السابقة غولدا مئير، معربة عن أملها بشطب حق العودة الذي يتناقله الفلسطينيون من جيل لآخر .. فعلا مات الكثير من الكبار إلا أن الصغار لم ينسو، فإذا سألت طفلا في أي مخيم للاجئين في الوطن او في الشتات “من أين أنت؟”، فسيجيبك أنه من المدينة او البلدة اوالقرية التي هُجرمنها أجداده من فلسطين عام الـ 1948..
ووفق التعريف العملياتي للأونروا، فإن اللاجئين الفلسطينيين هم أولئك الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم الطبيعي، خلال الفترة الواقعة بين يونيو/حزيران 1946 ومايو/أيار 1948، وفقدوا منازلهم وأراضيهم وموارد رزقهم، نتيجة لتهجيرهم عنوة من قراهم ومدنهم في فلسطين في حرب 1948. إن علاقة اللاجئ الفلسطيني بالأونروا اكثرمن علاقة مستفيد بممول، إنها علاقة اللاجئ بجسم دولي يمثله منذ الجيل الأول للاجئين الفلسطينيين، الذين عانوا الاقتلاع والتهجير، ورفضت إسرائيل ولا تزال ترفض عودتهم الى قراهم ومدنهم في فلسطين التاريخية.
الباحثة في جمعية “فوروم كوهيلت” اليمينية الإسرائيلية (نوغا آربيل) قالت محرضة على الأونروا “لتحقيق الانتصار في الحرب في غزة، يجب إبادة (كلمة تتردد كثيرا على لسان الإسرائيليين) أونروا، لأن الأونروا هي من تولد المزيد من “الإرهابيين” بطرق مختلفة. يجب القضاء على أونروا الآن وفورا، وإلاّ فإن إسرائيل ستفوِت هذه الفرصة”. إن ما قصدته أربيل بتصريحها هذا هومحو السردية الفلسطيينة للجوء وحق العودة..
إسرائيل بعد دخول الشهر الخامس من توحشها في قطاع غزة، بإرتكابها المجازر والتدمير والإبادة، وحرمان سكانه من كافة الخدمات المنقذة للحياة، وفي الوقت الذي تلوح فيه بالأفق المجاعة في القطاع، أضافت إلى قائمة أهدافها تدمير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(الأونروا)، بذريعة مشاركة موظفين فيها في هجوم 7 أكتوبر.
إدعاء إسرائيل هذا سرعان ما تلقفته الولايات المتحدة والدول الأوروبية الحليفة لها دون تحقيق من ذلك الإدعاء، وعلقت مساهماتها المالية التي تقدمها للوكالة الدولية، على الرغم من أن الأونروا سارعت بفصل عدد من الموظفين موضع الإدعاء بمشاركتهم في الهجوم دون تحقيق بمزاعم إسرائيل ضدهم، كما عممت على كافة موظفيها البالغ عددهم 30 الفا من بينهم 13 الفا في غزة عدم المشاركة بأي أعمال عنف.
إن الحرب على الأونروا قديمة، وما قضية مشاركة موظفين منها في هجوم 7 أكتوبرالا ذريعة إضافية لإستئناف محاولات تفكيكها، التي بدأها الرئيس الأمريكي السايق دونالد ترامب بإيقافه تمويل الأونروا في العام 2018 في إطار خطته “صفقة القرن”، التي كانت تهدف في مجملها العام لتصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين كانت واحدة من اهم بنود هذه الخطة.
وفي المسعى الأمريكي لتقويض الأونروا، تقدم 14 عضوا في الكونغرس في فبراير/شباط 2023، بمشروع قانون لوقف المساهمات الأمريكية المالية للأونروا. مشروع القانون هذا في جوهره يهدف لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وشطب حق العودة، من خلال إعادة تعريف من هو اللاجئ الفلسطيني؟، وحصر أعداد اللاجئين ببضعة آلاف من جيل النكبة الأول ممن لا يزالون على قيد الحياة، ونزع صفة اللاجئ عن كل من حصل على وثيقة إقامة دائمة، أو جنسية في بلدان اللجوء.
وبتجفيف الموارد المالية للأونروا فإن واشنطن تهدف لتصفيتها أو تقليص تمويل عملياتها، وفقا لتعريف مشروع قانون الكونغرس بأن اللجوء لا يُورث، وبناء على هذا التعريف فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين سيقدر بنحو 40 ألفا من كبارالسن، الذين ولدوا قبل 15 مايو/ ايار 1948، وبهذا فإن كل من ولد بعد هذا التاريخ تُنزع عنه صفة لاجئ .
وبمقتضى البند (11) من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) الصادر في كانون أول / ديسمبر 1948 ، ” فإنه يجب السماح لمن يرغب من اللاجئين الفلسطينيين بالعودة لديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذي يقررون عدم العود إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، وفقاً لمبادئ القانون الدولي”، ورغم تصويت عددا من الدول العربية ضد القرارعلى خلفية عدم إعترافها بإسرائيل،الا أن الولايات المتحدة أيدته.
إن موضوع عودة لاجئي 1948 لم يطرح على طاولة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في أوسلو، أثناء البحث في تفصيلات تطبيق إتفاق “غزة – أريحا أولا”، حيث لم تطلب إسرائيل من الجانب الفلسطيني تصفية قضية اللاجئين لا سيما في قطاع غزة، بإلغاء المكانة القانونية الخاصة باللاجئ، وخروج الأونروا من مخيمات اللاجئين في القطاع ووقف دعمها لهم، والعمل على تفكيك المخيمات من خلال إقامة مواقع سكنية دائمة لسكانها.
ووفقا للقناة 12 العبرية، فإن تقريرا لوزارة الخارجية الإسرائيلية بشأن إخراج الوكالة من قطاع غزة، أفاد بأن يتم ذلك على عدة مراحل، تتضمن أولا الكشف عن تعاون مزعوم بين الوكالة الدولية وحركة حماس في القطاع لتقليص عملها فيه، ثم البحث عن منظمات أخرى لتقديم خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية للاجئين في غزة ، وصولا الى نقل كافة مهام الأونروا الى الهيئة التي ستسعى إسرائيل الى إقامتها لحكم غزة بعد الحرب.
وبحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والشتات في 2023 ، إلى نحو سبعة ملايين و 100 ألف من أصل حوالي 14 مليوناً و 300 ألف فلسطيني وفلسطينية داخل فلسطين التاريخية وخارجها. بيد أن محاولات إسرائيل لإنهاء قضية اللاجئين يتطلب تفكيك الأونروا ليس لأنها تقدم للفلسطينيين مستوى تعليمياً متقدماً وخدمات صحية وإجتماعية فحسب، بل لأنها أيضاً لأنها في نظر إسرائيل تسمح لأحفاد لاجئي الجيل الأول بالحفاظ على وضعهم كلاجئين في البلدان التي تستضيفهم وينقلون حق العودة من جيل لآخر .
الصحفي نبهان خريشة