التفاعل الجمالي في قصائد سعاد الصباح

تعد الشعرية في أرقى مساراتها الإبداعية حراكاُ أسلوبياً جمالياً في رسم الكلمات والجمل،رسماً فنياً يدل على مهارة تشكيلية خلاقة في تشكيل الجمل وربط مؤشراتها الجمالية؛ ولهذا ، فإن لكل قصيدة حراكها الجمالي وقيمها الجمالية التي تملكها مقارنة بسواها، لدرجة يمكن القول:” أضحت كل قصيدة نموذج نفسها في اختيار نظامها الخاص، ورحلة تشكلها الجمالي”(1). فالشعرية –إذاً- تختلف حسب فاعلية الرؤية الشعرية التي تميز كل شاعر في تشكيل قصيدته، ورسم مساراتها الإبداعية وقيمها الجمالية المتغيرة؛ وعلى هذا الأساس،” لاتعد أنماط البناء في الشعر العربي الحديث وليدة المصادفة أو اتباع العرف، وإنما هي دليل على مدى مقدرة الشاعر على تنظيم نصه الشعري وفقاً لقوته الفكرية والإبداعية التي يمكنها إنتاج نصوص منظمة موزعة بطريقة معينة على الفضاء الورقي”.(2).

والشاعر المبدع هو الذي يختار البناء التشكيلي لقصيدته، تبعاً لمنعرجات الرؤية الشعرية وفاعلية المثير الجمالي الأسلوبي الذي جعله يختار أسلوباً تشكيلياً معيناً يحرك الشعرية، ويثير مكنونها الجمالي؛ وهذا يعني أن الشعرية وتحولاتها الجمالية تتبع فاعلية التشكيل الجمالي الإبداعي للقصيدة، وبمقدار حنكة الشاعر الأسلوبية وقدرته على المراوغة أو الانزلاق بالتشكيل الجمالي للقصيدة تحقق القصيدة الشعرية حراكها الأسلوبي الجمالي ومتغيرها الفني البليغ؛أي إن الشعرية طاقة تخييلية تتبع مهارة الشاعر التشكيلية وقدرته على ارتياد فضاءات تشكيلية جديدة تجعل المخزون الجمالي للنص في تفاعل دائم وحراك مثير على المستويات كلها؛ وهذا يضمن للنص شعريته المتجددة وغناه بالمثيرات والقيم الجمالية على الدوام.

ومن يطلع على البنية التشكيلية العلائقية لقصائد سعاد الصباح يلحظ تنوع شعريتها باختلاف المؤشرات الجمالية التي تثيرها على المستوى الفني أو الجمالي؛ فهي تهتم باللفظ أو التركيب المثير والمعنى الاستثاري المراوغ الذي يدل على فاعلية المنظورات الوجودية والحس الجمالي في التشكيل؛ فالغنى الأسلوبي الجمالي- في قصائدها – دليل حرفنة نادرة في اقتناص التشكيلات اللغوية الصادمة التي تحرك الشعرية من جذورها وبذورها الإبداعية الأولى.

والسؤال الذي نطرحه على خارطة التداول النقدي: ماهي المرتكزات الفنية أو الجمالية التي ترتكز عليها قصائد سعاد الصباح في خلق مؤشرها الجمالي الفني البليغ؟.

وماهي المؤولات الجمالية التي ترتكز عليها في خلق هذا المنحى الفني الجمالي في ربط المثيرات الجمالية وخلق مؤشرها النصي البليغ.

1- فاعلية الحس الجمالي في تشكيل الجملة وإثارة مفاعلاتها الأسلوبية:

لاشك في أن الجملة الشعرية وليدة تألفات نسقية تفاعلية تبرز من خلال تفاعل الكلمات وتضافرها مع بعضها بعضاً لتحقق لذتها الشعرية؛ وهذه اللذة ناجمة عن تآلف الكلمات، وانسجامها بحركة ائتلافية مثيرة تبرز إيقاعها التآلفي المثير؛ولهذا يمكن القول :” ثمة لذة شعرية رائعة في الحركة النفسية الإيقاعية للكلمات، ومقاطعها لكن هذه اللذة مشروطة بكون هذه الحركة آتية في مد من تفجرات الأعماق؛ وإلا تحولت إلى رنين بارد صنعي أجوف”(3).

والشاعر المبدع هو الذي يحقق اللذة الجمالية في تشكيل قصائده، تبعاً لمثيرات الرؤية الشعرية وحراكها الجمالي،لآن الشاعر الحقيقي هو الذي يثير الرؤية الجمالية في تشكيل الجملة لتحقق إيقاعها الجمالي؛ وحركها الفني؛” فالشاعر وحده يقوم بإعادة تركيب عناصر اللغة بعد أن يتم انتقاء عناصر يحددها الشاعر الذي يمتلك قوة روحية تندغم مع انتظام لغوي ملهم؛ وهذا يعني أن اللغة انعكاس لروح الشاعر التي تعد أساساً من أسس الإبداع الشعري”(4).وبمقدار حنكة الشاعر الأسلوبية تحقق اللغة ألقها الشعري وفاعليتها في استثارة المتلقي إلى فاعليتها النصية واستثارتها الجمالية.

والسؤال المهم الذي نطرحه على خارطة التلقي الجمالي:

ماهي محفزات الجملة الشعرية في قصائد سعاد الصباح؟ وما هو المتغير الجمالي الأسلوبي الذي ارتكزت عليه في تحقيق فاعلية قصائدها على المستوى الإبداعي؟.

إن من يطلع على فاعلية الجملة الشعرية ومتحولاتها الجمالية في قصائد سعاد الصباح يدرك أن لعبتها التشكيلية الجمالية ائتلافية من حيث التشكيل والتلاعب الفني النسقي بالتشكيلات النسقية لتحقق تناغمها الفني التجاذبي بين الأنساق؛ لدرجة أن الجملة الشعرية لديها تقود الجملة الأخرى، لتحقق ألقها الجمالي وحراكها ألاسلوبي الاستثاري البليغ؛ ولهذا نجد جملها الشعرية تفيض بالعذوبة والحراك الأسلوبي الاستثاري المميز بالانتقال بين الجمل من جملة إلى أخرى؛ لتؤكد شعريتها وطزاجتها الإبداعية وفاعلية القيم الجمالية التي تثيرها على المستوى الجمالي، كما في قولها:

ماذا أفعلُ في مقاهي العالم وحدي؟أمْضَغُ جريدتي؟أمْضَغُ فجيعتي؟أمْضَعُ خيطانَ ذاكرتي؟ماذا أفعل بالفناجينِ التي تأتي… وتَروُحْ؟وبالحُزْنِ الذي يأتي… ولا يروُحْ؟وبالضَجَرِ الذي يطلعُ كلّ رُبْعِ ساعهْ حيناً من ميناءِ ساعتيوحيناً من دفترِ عناوينيوحيناً من حقيبةِ يدي”(4).

إن القارئ هنا -يلحظ الحنكة الجمالية الأسلوبية في تشكيل الجملة، بالانتقال من أسلوب جمالي إلى آخر؛ وهنا جاءت تساؤلات الشاعرة مغمسة بالاغتراب، وكأن الجملة الشعرية تقود الأخرى لتشكل معها لحمة متكاملة من النفثات الاغترابية المحمومة؛ التي تجعل الأنساق الشعرية ملتهبة برؤاها ودلالاتها الاغترابية المفتوحة عبر التساؤلات المتتابعة التي تفضي إلى حرقة بالغة واغتراب شعوري مؤثر، كما في مصفوفة الأسئلة الاغترابية المتتابعة التالية:[ ماذا أفعل في مقاهي العالم وحدي؟/ أمضغُ جريدتي؟/أمضغُ فجيعتي؟/أمضغُ خيطان ّذاكرتي؟]؛ فهذه التساؤلات الاغترابية المفتوحة تشي بإيقاعها الاغترابي المحموم ودلالاتها المفتوحة على أشدها.وكأن الشاعرة تحس بحالة الخواء والفراغ الوجودي والملل والرتابة من الواقع السكوني الجاف الذي يشي بالجفاف والعقم والتصحر في ظل واقع يفيض بالضجر واليأس والعقم الوجودي.

و المثير في قصائد سعاد الصباح أنها تقتنص التشكيلات اللغوية الشاعرية التي تعمق حس الاغتراب والقلق الوجودي؛ وكأن جملها الشعرية صدى ذاتها المغتربة إحساساً وجوديا وقلقلة شعورية يائسة في واقعها الوجودي الذي يدل على الروتين والضجر والتصحر الوجودي، كما في قولها:

الوطنُ يَتفتَّتُ تحت أقداميكزجاجٍ مكسُورْوالتاريخُ عَرَبةٌ مات سائقُهاوذاكرتي ملأى بعشرات الثُقُوبْ…فلا الشوارعُ لها ذاتُ الأسماءْ ولا صناديقُ البريد احتفظتْ بلونها الأحمرْ ولا الحمائمُ تَستوطن ذات العناوينْ”(5).

لابد من الإشارة بداية إلى أن – فاعلية الحس الجمالي في تشكيل الجملة وإثارة مفاعلاتها الأسلوبية في قصائد سعاد الصباح – تعتمد على فاعلية الروابط البليغة التي تربط الجملة بالجملة، لتشكل معها إيقاعها الجمالي؛لدرجة أن كل جملة تشكل طاقة شعرية تفاعلية استثارية في نسقها الشعري؛ كما في الجمل الشعرية التي تشكل صوراُ بليغة في نسقها الشعري الاستثاري البليغ:[الوطنُ يتفتتُ تحت أقدامي كزجاج مكسور/ والتاريخ عربة مات سائقها/ وذاكرتي ملأى بعشرات الثقوب]؛ فهذه الجمل الشعرية لاتشكل إيقاعها الأسلوبي الجمالي فحسب؛ وإنما تشكل لعبتها الجمالية الآسرة التي تبرز رؤاها الصادمة جمالياً بالصور الاغترابية الصادمة التي تبين القوة الذهنية العالية باستثارة الصور البليغة التي تبرز شعرية الرؤى وقواها البليغة في دلالاتها ورؤاها الاغترابية الصادمة؛ وهذا يدلنا على أن الشعرية في قصائد سعاد الصباح شعرية استثارية تشكيلية في التقاط الصور البليغة واستثارة حركتها الجمالية.

وما ينبغي ملاحظته في فاعلية الجمل الشعرية وتحولاتها النسقية في قصائد سعاد الصباح – أن الجمل الشعرية تتطلب بعضها بعضاُ وفق معطيات ومؤشرات فنية تبرز من خلال القوى البؤرية الدالة ومعانيها المثيرة التي تنتج عن تفاعل الجمل واستثارة إيقاعاتها التجاذبية الحساسة من خلال توليف الكلمات مع بعضها البعض لتشكل قيمها النصية الاستثارية البليغة، كما في قولها:

أحاول أن أرسُمَ بحراً… قزحيَّ الألوانْ”فأفْشَلْ…وأحاولُ أن أكتشفَ جزيرةًلا تُشْنَقُ أشجارُها بتُهْمةِ العَمالهْولا تُعتقلُ فراشَاتُها بتُهمَة كتابة الشِعْر…فأفْشَلْ…وأحاول أن أرسُمَ خيولاًتركضُ في براري الحريّهْ…فأفْشَلْ…وأحاولُ أن أرسمَ مَرْكَباً يأخُذُني معك إلى آخر الدنيا…فأفْشَلْ…وأحاول أن أخترعَ وطناً لا يجلدُني خمسين جَلْدةً… لأنني أحبُّك فأفْشَلْ”(6).

هنا، تضعنا الشاعرة أمام جمل عاطفية تريد من خلالها أن تمارس حق أنوثتها والتعبير عنها جمالياً من خلال سلطة التشكيل الإبداعي الجمالي المثير لتجد نفسها في حالة اغتراب وقلق وجودي: [ أحاول أن أخترع وطناً لايجلدني خمسين جلدة لأني أحبك فأفشل]؛ ؛ وهذا يعني أن الشعرية – عند سعاد الصباح – بلاغة رؤية وحس جمالي تشكيلي في ربط الكلمات مع بعضها البعض واستثارة إيقاعاتها الجمالية؛ ولعل أبرز ما يحرك الشعرية من نواتج رؤيوية دالة هو اقتناص التشكيلات اللغوية الصادمة التي تثير الشعرية وتحرك إيقاعاتها النصية كلما انتقلنا من جملة إلى جملة، ومن رؤية شعرية إلى أخرى؛ مما يدل على فواعل الرؤية الشعرية التي تثيرها قصائد سعاد الصباح في تحولاتها النصية المثيرة وحراكها الأسلوبي البليغ.

وصفوة القول:إن فاعلية الحس الجمالي في تشكيل الجملة وإثارة مفاعلاتها الأسلوبية في قصائد سعاد الصباح تكشف عن مهارة الشاعرة أسلوبياً في تنوع أساليبها الشعرية من خلال اقتناص التشكيلات اللغوية الصادمة التي تبرز الحراك الأسلوبي وغنى الرؤى والدلالات الشعرية التي تشي بها عبر القرائن اللغوية الدالة التي تدل على فاعلية التشكيلات اللغوية وحراكها الاسلوبي الجمالي الذي يثير الشعرية من العمق. وقد لانبالغ في قولنا: إن الشعرية – عند سعاد الصباح – شعرية تشكيلات لغوية استثارية صادمة تبرز عمق الرؤيا الشعرية وفاعلية الحس الجمالي في التوليف بين الكلمات وخلق إيقاعها الجمالي.

2-فاعلية الحس الجمالي في خلق الانزياحات الفنية المثيرة:

لاشك في أن الحس الجمالي في تشكيل اللغة يعد من أبرز الفواعل الجمالية في تحفيز لغة الشعر؛ وخلق مثيرها الفني الجمالي؛ لاسيما عندما ينجح الشاعر في اقتناص الانزياحات الإسنادية الصادمة على مستوى القرائن أو البنى المتجاورة:( الصفة/ الموصوف)،و( المضاف / والمضاف إليه)؛ وبما أن الشعرية هي تفاعل جمالي في البنى اللغوية الشعرية يفرضها الإيقاع الداخلي / والخارجي فإن ما يثير اللغة الشعرية حسن الجوار والقوى الفاعلة التي تحرك الشعرية؛ لتستقي منها جل مثيراتها ومكوناتها الجمالية؛ وبهذا المعنى، ” فإن اللغة ليست وعاءً للفكر أو كساءً له؛ إنها الوسيلة التي تكتشف بها الفكرة الشعرية ذاتها وتعدل بها من طبيعتها . إنها أداة الشاعر ووسيلته في الاكتشاف والتحديد والتعريف، ولا يرجع نجاح الشاعر في سيطرته على تجربته وتمكنه منها إلا إلى قدرته على تكوين علاقات جديدة تتكشف من خلالها التجربة، ويتحدد بها الفكر ذاته”(7)،وهذا يعني أن الحس الجمالي الإبداعي في تشكيل اللغة الشعرية هو ما يجعل لغة بعض القصائد ترتقي جمالياً على لغة بعضها الآخر، تبعاً لفاعلية الرؤى الشعرية ومهارة الشاعر الإبداعية في تشكيل لغة انزياحية تفيض باللذة والشاعرية والحس الترسيمي الخلاق المبدع. لدرجة ” أن الشاعر يحتضن الكلمات ويتأملها ويعيد تشكيلها؛ بل إنه قد يغير من صياغتها ، ويحطم من أنسقتها ونظامها العرفي الثابت، ويخلق لنفسه نظاماً فريداً خاصاً به، وما يحدث نتيجة لذلك ليس من قبيل الضرورة الشكلية المرتبطة بالوزن، وإنما هو الضرورة الملحة النابعة من الرغبة في الكتشاف معنى التجربة وطبيعتها . وبهذا القيم فإنه لايمكن إدراك لغة الشاعر وفاعليتها تبعاً لتصورات لغوية عامة لاتضع في اعتبارها فاعلية التجربة الشعرية وخصوصيتها وفرديتهأ”(8).

وبهذا المعنى فإن لغة الشعر تحقق ارتقاءها الإبداعي من خلال فاعلية الرؤى والقوى التشكيلية البلاغية الخلاقة بمتغيراتها الاسلوبية النشطة التي تبرز في كتلة التفاعلات الاستثارية الجمالية التي تبدو في هذا الحراك الرؤيوي – التشكيلي الجمالي الذي يعتمده الشاعر في تحولاته الاسلوبية وحراك البنى الدالة؛ ومن هنا؛ فإن الارتقاء الجمالي الإبداعي يبدو في فاعلية التشكيلات اللغوية الآسرة وحراك البنى الشعرية الخلاقة على المستوى الإبداعي.

والسؤال المهم الذي نطرحه على خارطة التداول النقدي فيما يخص تجربة الشاعرة الكويتية : سعاد الصباح:

ماهي طبيعة الانزياحات الفنية التي تعتمدها سعاد الصباح؛ هل هي وليدة خبرة إبداعية جمالية في تشكيل اللغة الشعرية على هذه الشاكلة الإبداعية في الاستثارة واللذة الجمالية أم هي وليدة تفاعل رؤى ومؤثرات فنية أشتغلت عليها الشاعرة طويلاً حتى حققت فرادتها الإبداعية ولغتها الفنية المثيرة في حراكها الأسلوبي والجمالي؟

في الواقع إن اللغة الشعرية – في قصائد سعاد الصباح – هي وليدة انزياحات فنية تجاذبية تعتمد جمالية المراوغة والمباغتة في اقتناص التشكيلات الأسلوبية المفاجئة التي تحقق قيمتها الفنية وحراكها الفني الجمالي الآسر؛ لدرجة تخلق المتعة الجمالية في تشكيلاتها الفنية لتبدو اكثر جاذبية واشد استثارة وتكثيفاً إبداعياً مثيراً من خلال تنوع الأساليب والطاقة الإبداعية التي تثير الإحساس الجمالي واللذة التشكيلية في التشكيل الإبداعي الخلاق الموحي، كما في قولها:

أَيُّها السَّيِّدُ… إنّي امرأةٌ نفْطيّةٌتَطْلُعُ كالخِنْجَرِ مِنْ تحْتِ الرِّمالِ..تَتحدَّى كُتُبَ التَّنْجيمِ،والسِّحْرِ..وإِرْهابَ الممالِيكِ..وَأَشْباهَ الرِّجالِ…إِنَّني فاطمةٌ..أصرُخُ كالذّئبةِ في اللّيلِ،وسيّاراتُ أهْلِ الجهل جاءَتْ لاعْتِقاليأيّها السيِّدُ..إنّي امْرأةٌ مَجْنونةٌ جِدّاً..ولا وَصْفَ لِحالي.إنَّ عِشْقي لكَ مِن بابِ الخُرافاتِ،فلا تَكْسرْ خَيالي…”(9).

لابد من الإشارة بداية إلى أن فاعلية الحس الجمالي في خلق الانزياحات الفنية في قصائد سعاد الصباح تعتمد على بلاغة الانزياحات الفنية وحسن التوليفات الشاعرية الآسرة؛ وهنا ركزت الشاعرة على القفلة النصية المقطعية:[ فلا تكسر خيالي] في الاتقاء بالسوية النصية للأنساق الشعرية الأخرى لتر تقي جمالياً في النص الشعري:[ أيها السيدُ.. إني امرأةٌ نفطيّة/ تطلعُ كالخنجرِ من تحتِ الرمال]؛ فهذه الدفقة الشعرية الاستهلالية تفاعلت جمالياً مع القفلة المقطعية لتشكل لحمة تكاملية استثارية في الارتقاء بسوية الأنساق الشعرية الأخرى، لتاتي بالقفلة التي حركت النسق الشعري جمالياً:[ فلا تكسر خيالي]؛ فمن المألوف للقارئ أن تقول:[ فلاتكسر خاطري / أو إحساسي]؛ لكن بهذا الإحساس الجمالي الانزياحي الصادم [فلا تكسر خيالي] جعلت الفاعلية النصية للقوافي الشعرية الأخرى:[الرمال- الرجال-اعتقالي- خيالي] قمة في التلاحم والتناغم والانسجام والقوة في تحريك النص الشعري واستثارة قيمه الجمالية العليا التي خلقت المتعة واللذة في التلقي الجمالي الفني المثير.

ومن الملحوظات الدقيقة في فاعلية الحس الجمالي في خلق الانزياحات الفنية المثيرة- في قصائد سعاد الصباح –أنها تعتمد الحنكة الجمالية التوليفية في ربط الأنساق الشعرية بحساسية جمالية نادرة؛ وقدرة فائقة على الانتقال من جملة إلى أخرى اكثر شعرية ومقدرة على خلق الممانعة الجمالية والإدهاش الفني الجمالي ، كما في قولها:

أيُّها السيِّدُ:”أهْلاً بِكَ في هَذي المدِينةْ.أنا خبَّأْتُ بشَعْري لِحَبيبي يَاسمينَةْأيُّها المالِكُني..مِن غيرِ أوراقٍ… ومِنْ غيرِ شُهُودْأيُّها المحتلُّني..مِنْ غيرِ إنذارٍ.. وخَيلٍ.. وجُنُودْأيُّها السَّاقطُ فَوقي كالرُّعودْكانَ لي قبْلَكَ أرْضٌ.. وحُدودْوأضعْتُ الأرْضَ في الحُبِّ..وضيَّعْتُ الحُدودْ..”(10).

هنا، يلحظ القارئ فاعلية التوليفات الجمالية في نسج الجمل الشعرية بائتلاف فني جمالي استثاري بليغ:[ أيُّها السَّاقطُ فَوقي كالرُّعودْ/ كان لي قبلُكَ أرضٌ.. وحدودْ/ وأضعتُ الأرضَ في الحب../ وضيعتُ الحدودُ]؛ إن هذا التوليف الجمالي الاستثاري دليل على براعة الشاعرة في خلق المنمنمات التشكيلية البليغة التي تخلق المتعة الجمالية كلما انتقلنا من جملة إلى أخرى بانسياب فني استثاري يدلل على شعريتها في بث لواعج الذات العاشقة بكل توقها وحراكها الشعوري الغزلي الرهيف، وهكذا تمتلك الشاعرة سعاد الصباح الإمكانية التجاذبية الخلاقة في رسم مثيرات الشعرية بكل حراك جمالي وحساسية جمالية نادرة لاسيما بالقفلات النصية المقطعية الملتفة التي تدل على حراك جمالي استثاري تجاذبي في ربط الكلمات بحس جمالي رفيع وإحساس شاعري يفوح بالدهشة والمتعة الجمالية.

وصفوة القول: إن فاعلية الحس الجمالي في خلق الانزياحات الفنية المثيرة – في قصائد سعاد الصباح- تعتمد على حنكة الشاعر التوليفية في رسم الصور الفنية التي تخلق متعتها وممانعتها الجمالية الخلاقة التي تثير الشعرية وإنتاج الجماليات الخلاقة.

3- فاعلية الحس الجمالي في الالتفاف بالقارئ بالفواصل المقطعية:

الشعرية – بالأساس- تلاعب فني بالأنساق الشعرية، لتحقق إيقاعها الجمالي؛ ولا يتم ذلك التلاعب الفني بقوته وطاقته الجمالية إلا من خلال الالتفاف الجمالي بالقارئ في كل فاصلة مقطعية من مقاطع القصيدة على اختلاف مقاطعها ورؤاها الشعرية؛ لتبدو المقاطع الشعرية قمة في المناورة الاسلوبية و الممانعة الجمالية التي تحرك الشعرية، وتجعل النسق الشعري ذا قوة تحفيزية مميزة في تحريك الرؤى الشعرية وتفعيل الأنساق الشعرية جمالياً. ولانبالغ في قولنا: إن فاعلية الحس الجمالي في توليف الأنساق الشعرية تخلق متغيرها الجمالي من خلال بلاغة الإسناد وتنويع الرؤى الشعرية لتحقق إيقاعها الجمالي المثير؛ عبر الالتفاف بالقارئ في الفواصل المقطعية، بالانتقال من فاصلة جمالية استثارية إلى فاصلة أخرى؛ وكأن القصيدة تلاعب فني بالفواصل المقطعية لتبدو القصيدة مهندسة شكلاً فنياً وإيقاعاً شعرياً خلاقاً.

وبتصورنا: إن فاعلية الحس الجمالي في الالتفاف بالقارئ بالفواصل المقطعية- في قصائد سعاد الصباح يجعل قصائدها مهندسة ذات بناء لغوي منظم ومحكم من خلال البنى التفاعلية والالتفاف بالقارئ من فاصلة مقطعية إلى أخرى؛ مما يجعلها ذات قيمة إيحائية بليغة في حراكها الأسلوبي الجمالي؛ على شاكلة قوله:

سيّدي، يا سيّديأيُّها الحَاكِمُني مِنْ غيرِ قانونٍ..ومِنْ غيرِ شَرائعْ.أيُّها الحابِسُني كالماءِ ما بينَ الأصابِعْأيُّها الطِّفلُ الذي لمْ أستطِعْ تهذيبَهُوالذي أهديتُهُ الصَّيفَ..وأهْداني الزَّوابعْ..أيُّها الطِّفلُ الذي أخرجتُهُ مِن جَسَديكمْ أنتَ رائعْ!!”(11).

لابد من الإشارة إلى أن فاعلية التلاعب الجمالي بالفواصل المقطعية – في قصائد سعاد الصباح – تتأثر بفنية التشكيلات النصية المفاجئة في قفلة الختام؛ فهي تستقي تلكم المؤثرات الفنية من براعتها في القفلة النصية المقطعية التي تشد الأنساق الشعرية الأخرى؛ وهذا يعني أن الدهشة الجمالية الصادمة تتأتى من محركات اللذة الجمالية في التشكيلات النصية لا سيما بالقفلة النصية المقطعية:[أيها الطفلُ الذي أخرجته من جسدي/ كم أنت رائع]؛ فلو تأمل القارئ هذه الانتقالات العاطفية الشعورية بين الجمل، والفواصل التقفوية المنسجمة كلما انتقلنا من قافية إلى أخرى،لأدرك القارئ أنه أمام جمل شاعرية تفيض بالحس والعاطفة والشعور الجمالي الخلاق؛ عبر التفاعلات التقفوية المنسجمة بتناغم عذب وحس شاعري مرهف:[ شرائع= الزوابع-= رائع]؛ وهذا يدلنا على حنكة جمالية توليفية في خلق الأنساق الجمالية التي تحرك الشعرية من العمق.

والواقع أن فاعلية الحس الجمالي في الالتفاف بالقارئ بالفواصل المقطعية- في قصائد سعاد الصباح – يختلف مع قصيدة إلى أخرى؛ بحسب المهارة الإبداعية والحركة الجمالية التي تثيرها تلكم القصائد كلما انتقلنا من قيمة تشكيلية إلى قيمة، وفق معطيات ومثيرات تشكيلية غاية في المراوغة والإدهاش والمناورة الأسلوبية البليغة؛ فالشاعرة سعاد الصباح لاتلون الأنساق التقفوية لغاية إيقاعية غنائية كما قد يبدو للقارئ وإنما تمارس نشاطها الجمالي وحياكتها النصية المؤثرة لتخلق إيقاعها الترسيمي المثير، لتأني القفلة المقطعية لتشد البنى التشكيلية كلها في المقطع لتشد أواصر المقطع من أول كلمة إلى آخر كلمة؛ وهذا مؤشر جمالي على ترسيمها الفني وحنكتها التشكيلية البالغة، كما في قولها:

أيُّها السيِّدُ:أهْلاً بِكَ في هَذي المدِينةْ.أنا خبَّأْتُ بشَعْري لِحَبيبي يَاسمينَةْأيُّها المالِكُني..مِن غيرِ أوراقٍ… ومِنْ غيرِ شُهُودْأيُّها المحتلُّني..مِنْ غيرِ إنذارٍ.. وخَيلٍ.. وجُنُودْأيُّها السَّاقطُ فَوقي كالرُّعودْكانَ لي قبْلَكَ أرْضٌ.. وحُدودْوأضعْتُ الأرْضَ في الحُبِّ..وضيَّعْتُ الحُدودْ…”(12).

هنا ابتدأت الشاعرة بالفاعلية الجمالية منذ الفاتحة الاستهلالية التي غلفتها بنفحة تشكيلية عالية الحس والروحانية والهدهدة الجمالية:[أنا خبَّأت بشعري لحبيبي ياسمينة]؛ ثم تتابعت هذه الانزياحات التشكيلية الإبداعية الصادمة فنياً أو جمالياً:[ أيها الساقطُ فوقي كالرعود]؛ ثم ختمتها بالإدهاش الذي فتح الدارة الجمالية على أشدها:[وأضعت الأرض في الحب / وضيعت الحدود]؛وكأن هذه الصور العاطفية المنسابة وجدت متنفسها الجمالي في الختام؛ لتأتي القفلة منسجمة مع تشكيلاتها النصية وتألق حركاتها النصية البراقة؛ وهذا يدلنا على أن الشعرية تفاعل مؤثرات لغوية تشكيلة بليغة في نسقها الشعري الذي ينساب بحراك جمالي مثير على المستوى الفني أو الجمالي؛ وهذا جاء بالقوة الفاعلية للالتفاف بالقارئ في الفاصلة التقفوية المقطعية المثيرة التي تحرك اللذة الجمالية في المقطع الشعري ليبدو شاعرياً إيقاعاً توليفياً جمالياً على المستوى الجمالي.

وصفوة القول: إن فاعلية الحس الجمالي في الالتفاف بالقارئ بالفواصل المقطعية في قصائد سعاد الصباح تتبدى في الحنكة الجمالية في التوليف الفني الجمالي؛ من حيث الحنكة الجمالية في توليف الأنساق الشعرية التي تثيرالمشاهد الشعرية؛ وتخلق متغيرها الجمالي. فقارئسعاد الصباح لايخفى عليه دهشة الإسنادات التشكيلية المراوغة التي تثير اللذة والحساسية الجمالية فيتلقي قصائدها بانسيابية فنية وإحساس جمالي رفيع المستوى.

3- فاعلية الحس الجمالي في تشكيل القفلات النصية المثيرة:

لاشك في أن فاعلية الحس الجمالي في خلق القفلات الشعرية المثيرة من الشعرية؛ والشعرية هي تفاعل جمالي خلاق بين المثيرات اللغوية التي تحقق التفاعل الجمالي الخلاق الذي يرقى بالشعرية من قيمة جمالية إلى أخرى؛ ومن هنا، فإن ارتقاء الشعرية في نص من النصوص يرجع إلى فاعلية الرؤى الشعرية والقفلات النصية المثيرة؛ وهذا يعني أن القصيدة بنية إيقاعية متكاملة ترتبط بحالة شعورية معينة لشاعر بذاته؛ فتعكس هذه الحالة لافي صورتها المهوشة التي كانت عليها من قبل في نفس الشاعر، بل في صورة جديدة منسقة تنسيقاً خاصا بها؛ من شأنه أن يساعد الآخرين على الالتقاء بها؛ وتنسيق مشاعرهم المهوشة وفقاً لنسقها”(13).

والشاعر المبدع هو الذي يختار الفقلات النصية المثيرة التي تترك إيقاعها في نفس المتلقي أكبر فترة ممكنة من الزمن. والحق يقال : إن القفلة النصية المثيرة هي التي تحلق في القصيدة مما يجعلها قمة في الاستثارة والفاعلية الجمالية؛ لأن القفلة النصية الموفقة فنياً هي التي تجعل التلقي الجمالي للقصيدة فاعلاً في خلق الممانعة الجمالية؛ أو خلق اللذة الجمالية في التلقي النصي الاستثاري الفاعل؛

والسؤال المهم الذي نطرحه على خارطة التداول النقدي:

ما مدى تفوق الشاعرة سعاد الصباح في خلق القفلات النصية الموفقة فنياُ؟ وهل حققت المعادلة الجمالية في تشكيل القفلات النصية المؤثرة في تحفيز الشعرية واستثارة إيقاعاتها الجمالية؟ وهل القفلات النصية هي التي تشد الرؤى والدلالات لتحقق إيقاعها الفني الجمالي المتحرك؟

الواقع إن أقصى درجات الفن والاستثارة في قصائد سعاد الصباح تتمحور في القفلة النصية الملتفة فنياً بالقارئ لتجعل القارئ يتفاعل مع مؤثراتها وبناها النصية؛ فهي ترسم القوافي والقفلات النصية بإيقاع جمالي يثير الشعرية ؛ ويحرك إيقاعاتها الفنية؛ ولهذا يلحظ المدقق لقصائد سعيد الصباح أنها تنزع نزوعاً استثارياً مؤثراً في قفلاتها النصية؛ لتشد عصب القصيدة إلى الأمام؛ ومن هذا المنطلق تعد القصيدة لديها منظمة تنظيماً فنياً من خلال الدفقة الشعرية الاستهلالية المثيرة والتفاعل النصي الخلاق على المستوى البؤري المركز الذي تتمفصل عليه نقطة تفاعل الدلالات والرؤى الشعرية لتأتي القفلة النصية الموفقة التي تحرك الشعرية؛ وتنتقل بالقارئ من بؤرة جمالية خلاقة إلى بؤرة أشد استثارة ولذة جمالية في التلقي الاستثاري البليغ؛ كما في قوله:

يا هولاكُو هذا العصرْ..ارفْع عنّي سيفَ القَهْرْإنّكَ رَجُلٌ سوداويٌّ..مأساويٌّ..عدوانيٌّ..لستَ تُفرّقُ بين دمايَوبين نِقاط الحِبْرْ..يا هولاكُو..ليس هنالكَ ما يجْمعُنالا أشياءُ القلبِ،ولا أشياءُ الفكرْ.أنتَ تحبُّ ثباتَ البرِّوإني أشْرَسُ من أسماكِ البحرْأنتَ تمارسُ فنَّ القتْلِ،وإنّي أُتقِنُ فنَّ الصبرْ..يا هولاكُو الأَّولُ..يا هولاكُو الثاني..يا هولاكُو التاسعُ والتسعونْلن تُدْخِلَني بيتَ الطاعةِ،فأنا امرأةٌ..تنفُرُ من أفعالِ النَّهْيِ..وتنفُرُ من أفعالِ الأمرْ.لا تتحدَّثْ عن إحساسكَ نحويإنّكَ آخِرُ مخلوقٍ يتعاطى الشِعرْ..ليس هنالك ما يُبْقينيإنّ شفاهَكَ مثلُ الشَوْكِ..وإنّ سريرَكَ مثلُ القبرْ..يا هولاكُو..لا تتضايقْ من كَلِماتيإن أفشيتُ أمامكَ هذا السِّرّإنيّ في حال الغلّيانِ،وإنّكَ رجُلٌ تحتَ الصِفرْ..”(14).

لابد من الإشارة بداية إلى أن فاعلية الحس الجمالي في تشكيل القفلات النصية المثيرة من مغريات الشعرية – في قصائد سعاد الصباح- لدرجة أن القفلة النصية المثيرة تشد وتر القصيدة، لتحقق إيقاعها الجمالي المتلاحم؛ من أول كلمة في القصيدة إلى فاصلتها النصية؛ أي إن المثير الجمالي يأتي من التوليف الفني المثير من الفاتحة الاستهلالية :[ يا هولاكُو هذا العصرْ../ارفْع عنّي سيفَ القَهْرْ/إنّكَ رَجُلٌ سوداويٌّ..مأساويٌّ.. عدوانيٌّ..لستَ تُفرّقُ بين دمايَ وبين نِقاط الحِبْرْ..]؛ إن هذا التلاؤم الفني ينجم من الحركة الجمالية التي تثيرها الأنساق الشعرية لتحقق إيقاعها الجمالي المتحرك؛ من الدفقة الاستهلالية الأولى وصولاً إلى قفلتها النصية الشاعرية المثيرة:[ يا هولاكُو../ لا تتضايقْ من كَلِماتي/إن أفشيتُ أمامكَ هذا السِّرّ/إنيّ في حال الغلّيانِ،/وإنّكَ رجُلٌ تحتَ الصِفرْ..]؛وهذا يعني أن القفلة النصية المثيرة تحقق الارتقاء الجمالي في النسق الشعري؛ وكلما ارتقى الشاعر جمالياً في تشكيلاته الفنية يرقى حيزاً فنيا في قفلته النصية التي تمثل قمة الممانعة والاستثارة الجمالية.

والملاحظ أن الشاعرة سعاد الصباح تبرز دائماً القوة الجمالية التحفيزية في فاصلة الختام؛ وكأن القصيدة لديها لعبة جمالية مركزها الحساس اختيار الفاتحة أو التقليعة النصية المثيرة و اختيار الفاصلة الختامية التيتشكل قرارالقصيدة الأخير في نقطة تحولها الجمالي،كما في قولها

سَيّدي، يا سَيّديأيُّها اللابِسُني ثَوباً منَ النَّارِ عليكْهلْ مِنَ المُمكنِ..أنْ ترفعَ عنْ صَدري وأنْفاسِي يدَيكْ؟أحسَنَ اللهُ إلَيكْ..هلْ منَ المُمكنِ أنْ تُعتِقَنيفأنا لا أُبْصِرُ الألْوانَ دُونَكْوأنا لا أسْمَعُ الأصْواتَ..دونَكْ…وأنا لا أعْرِفُ الشَّمْسَ، ولا البَحْرَ،ولا الليلَ، ولا الأَفْلاكَ دونَكْأيُّها السّيدُ:إنّي كُنْتُ في بحْرِ بِلادِي لُؤْلُؤةْ..ثمَّ أَلْقاني الهَوى بينَ يدَيكْ..فأنا الآنَ فَتافِيتُ امْرأةْ.أيُّها السّيدُ:لوْ حاولْتَ أنْ تُمْسِكَني..لنْ تَرى إلَّا فَتافيتَ امْرأةْ..لنْ تَرى إلَّا فَتافيتَ امْرأةْ..لنْ تَرى إلَّا فَتافيتَ امْرأةْ..”(15).

لابد من الإشارة -بداية -إلى ان اللعبة الجمالية – في قصائد سعاد الصباح- تتأسس على مغريات التشكيلات الفنية في الفاتحة النصية؛ وعلى دهشة القفلات النصية التي تحقق غايتها الفنية الجمالية المثيرة؛ وهنا، تحول الشاعرة الأنساق الشعرية إلى قيم تفاعلية استثارية مثيرة ترتقي بالمشهد الشعري؛ وتحقق غايتها الفنية المثيرة؛ فثمة ارتقاء جمالي إبداعي خلاق في بنية القصيدة عند سعاد الصباح يبدأ من الفاتحة الاستهلالية المتحركة :[ سَيّدي، يا سَيّدي/أيُّها اللابِسُني ثَوباً منَ النَّارِ عليكْ/هلْ مِنَ المُمكنِ../أنْ ترفعَ عنْ صَدري وأنْفاسِي يدَيكْ؟]؛ وصولاً إلى القفلة النصية التي تثير الحركة الجمالية في القصيدة، [أيُّها السّيدُ:/ لوْ حاولْتَ أنْ تُمْسِكَني../لنْ تَرى إلَّا فَتافيتَ امْرأةْ../لنْ تَرى إلَّا فَتافيتَ امْرأةْ../لنْ تَرى إلَّا فَتافيتَ امْرأةْ..]؛وهكذا تشتغل قصائد سعاد الصباح على دهشة ترسيمها الفني الجمالي انطلاقاً من التقليعة النصية الأولى في القصيدة وانتهاء بالقفلة النصية المثيرة التي تحرك الشعرية وترتقي بأسهمها الجمالية؛ مما يجعل الشعرية قيمة استثارية بليغة ترقى أعلى المستويات في الفاعلية والتأثير.

وصفوة القول: إن تحولات الشعرية في الفاصلة الختامية –في قصائد سعاد الصباح – تنبني على فاعلية التشكيلات النصية التي تحقق قفزتها النصية كلما انتقلنا من نسق شعري إلى آخر؛ وهذا دليل أن الشعرية كتلة فواعل نصية تشكيلية آسرة ترتقي بالأنساق الشعرية؛من قيمة جمالية تحفيزية إلى أخرى؛ وهذه لعبة الجمالية التي تحققها هذه القصائد في حراكها الأسلوبي الجمالي على المستوى الفني.

د. عصام شرتح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *