تختلف الأماكن لكن المعتدي نفسه، لو عدنا بالذّاكرة إلى الوراء قليلاً بالتحديد عام ٢٠٠٣ الغزو الأمريكي للعراق لوجدنا تشابهاً كثير في مجريات الحرب. إبتداءًا من الإدعاءات والانتهاء بمعركة مطار بغداد.
هذه المعركة التي خاضتها المقاومة الشعبية والجيش العراقي بشراسة دفاعًا عن العراق الذي كان يسمى بوابة الشرق والنقطة المفصلية التي بنت عليها أمريكا فيما بعد نظرية تساقط الدول كأحجار الدمينو وهذا ما نجده اليوم يتجدد بنفس الوتيرة والمعطيات في قطاع غزة المحاصر منذ ٢٠٠٥.
إن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها جيشوا كل الإمكانيات المادية والماكينة الإعلامية الغربية التي واكبت الأحداث لاحتلال العراق والكل سمع وشاهد ماجرى من مجازر ارتكبت ودماء أريقت وأرواح أُزهقت بحجة أسلحة الدمار الشامل وإسقاط النظام العراقي.
فكانت معركة المطار هي مكسر العصا وهي الوسيلة لإنهيار مؤسسات الدولة والجيش لما له من أثر إعلامي ونفسي على الشارع العراقي.
فوظفت كل الجهود لهذه الغاية وغيرت السردية المضادة.
لا تختلف حكومة نتنياهو المتغطرس في سياستها العدوانية عن الحليف الأمريكي فالسياسة نفسها رسمتها الدوائر المغلقة في كلتا البلدين.
فكلاهما أسسا بمبدأ القوة والردع في أي مواجهة مع الدول وخاصة منطقتنا العربية.
فهذه السياسة رُسمَتْ لتحقيق الأمن والاستقرار حسب إعتقادهما.
نرى أن أبشع المجازر ترتكب بحق الفلسطينيين التي تهدف لإقتلاعهم من أرضهم وبيوتهم هي بمشاركة الخبراء الامريكان وبفضل التسليح والتأييد والدعم اللامحدود.
وبالتالي لن تختلف أمريكا عن ربيبتها إسرائيل فهما وجهان لعملة واحدة.
الإدارة الأمريكية هيأت كل الظروف والدعم اللوجستي لإعادة وترميم الصورة الأمنية وخاصة بعد عملية طوفان الأقصى البطولية.
بعد أن كانت أكبر قوة في المنطقة واليد الطويلة التي تضرب بها أمريكا كل من يقترب من مصالحها الإستراتيجية لذلك فحكومة العدو أُعطيت تفويضًامن خلال الزيارات المتكررة لوزراء الخارجية الأمريكية القيام بما يلزم لحفظ أمن (إسرائيل).
كل مايجري ماهو إلا غيض من فيض وماخفي أعظم كشفت عن ستاره أحداث السابع من أكتوبر.
فالسياسة نفسها تقوم على مبدأ تحويل النكسات والأزمات إلى ذرائع ووسائل للحفاظ على وجودها.
وهذا مايبرر حجم الدمار والقصف العنيف بآلاف الأطنان بالقنابل وإستهداف العلماء والعقول وكل من شأنه أن يدعم صمود الشعب حيث تم إستهداف الحاضنة الشعبية للمقاومة بشتى الأسلحة تدمير ممنهج.
متجاهلين كل قرار صدر من مجلس الأمن بخصوص وقف العدوان وضربت بعرض الحائط قرار محكمة العدل الدولية حول الجرائم المرتكبة في القطاع وهول المجازر كل هذا وأكثر أمام شاشات التلفزة ووسائل الأعلام المسموع والمقروء فضلاً عن منع الطواقم الطبية من إسعاف المصابين ومنع الفرق الإغاثية والصليب الأحمر والمرسلين مراكز الصحفيين والاعلاميين محاولة منه تضليل الرأي العام وخاصة في تحويل مجرى الصراع من الشمال إلى الجنوب.
فها هي تعود مجددًا إلى مشفى الشفاء بعد أن دخلته أول مرة ولفقت الأكاذيب وزيفت الحقائق وصورت الرواية الكاذبة بخصوص وجود أنفاق للمقاومة والمشفى هو مركز للعمليات العسكرية وهذا مايبن حجم الدمار والقتل والرغبة الملحة في إحتلال هذا المشفى كنقطة إرتكاز تتمكن من خلالها السيطرة على مدينة غزة لما له من رمزية عند الشعب الفلسطيني وهو يشكل أحد أهم المراكز الصحية والحيوية في القطاع ويعتبر مدينة طبية كاملة تقدم الرعاية وتوفر الخدمات الطبية والصحية لأهل القطاع.
إن هذه الحملة الإعلامية والهالة التي وضعتها لمشفى الشفاء ماهي إلا جزء من الحرب النفسية على شعبنا وخاصة بعد تكبيد العدو في الشمال وخان يونس وبيت حنون أعظم الخسائر والهزيمة فأرادت القيادة العسكرية أن تظهر بمظهر المنتصر على جثث وأشلاء المرضى بعد أن نكلت واعتقلت وقتلت ودمرت كل البنية التحتية للمشفى كل شيء قابل للحياة هي من صناعة المطبخ الإستعماري.
والصمت العربي خير ما يحضرني بيت من الشعر يلخص حالة التردي والضعف.
ماكانت الحسناء ترفع سترها لو أن في هذي الجموع رجال.
فاليوم تأتي أمريكا وتعلن أنها جاءت لمساعدة الفلسطينيين فهي شرعت ببناء ميناء بحجة مساعدة الغزيين لإيصال المساعدات الإنسانية لهم بعد أن عجزت كل محاولاتها في إسقاط المساعدات جوًا وخشيتها من تدهور صورتها وخوفها المستمر على قواعدها التي تتعرض لهجمات والتهديد لمصالحها بالمنطقة حاولت أن تقنع حكومة العدو أن الحل العسكري في القطاع غير مجدٍ كعادتها تحيك المؤامرات والألاعيب لإنقاذ حليفتها بشتى الوسائل.
فهذا الميناء كما سبق لي أن تحدثت عنه في مقال لي نشرته في بداية العدوان عن نيتها لإقامة منطقة عسكرية وقاعدة سياسية لها على المتوسط لمواجهة أي خطر مستقبلي لإسرائيل بالتوازي مع قاعدة حميم في طرطوس. لا شك أن الأيام القادمة ستظهر لنا كل المخططات التي تهدف لتهجير الفلسطينيين وإقتلاعهم من أراضيهم عبر هذا الميناء وإغرائهم بالوعود المالية مقدمة لإنهاء المقاومة عبر تفريغ القطاع وتخفيف التكلفة الإنسانية على (إسرائيل).
وعدم قدرة العدو على حسم المعركة ولا على عودة الأسرى وإزدياد الضغط وتصاعد العمليات الفدائية ضد المحتل في الضفة التي بدأت تقلق نتنياهو حالة الإنقسام والتشرذم في البيت الصهيوني والشارع الإسرائيلي والأصوات المطالبة بوقف الحرب أصبحت تؤرق المحتل. بالتالي لا شك أن ليس للمقاومة إلا المزيد من الصمود والتحدي وأن تفشل كل المخطط الأمريكي والصهيوني بضربة توازي العملية التي قامت بها في السابع من أكتوبر تؤلم وتحطم رأس الأفعى في الصراع. غير ذلك لا يمكن أن يعود قطاع غزة كما هو عليه إلا بالمقاومة والمحافظة على الوجود الفلسطيني.
الكاتب والباحث محمود النادي