القدس في كتابات الأسيرات والأسرى 6

تحظى القدس بشكل عام وسجن المسكوبية الكائن في الجزء الغربي من القدس بشكل خاص بذكر وافر في كتابات الأسيرات والأسرى. فقد أمضت مي الغصين ما يقارب ست سنوات في سجون المحتلين الإسرائيليين، وكما ورد في روايتها “حجر الفسيفساء” فقد جاءت إلى شارع صلاح الدين المقدسي في سيارة نقل الأسرى لكي تمثل في المحكمة الواقعة بمحاذاة الشارع، ومن الفتحات الصغيرة في جسم السيارة تنظر بلهفة إلى الشارع الذي حرمت جراء الاعتقال من المشي فيه، ثم تصف سجن المسكوبية، وهو سجن سيء السمعة بسبب وحشية التعذيب التي يتعرض لها الأسرى والأسيرات في مكاتب التحقيق التابعة له، تصف زنزانة العزل التي وضعت فيها في المسكوبية ومطالبتها المستمرة في الانتقال من هذا السجن، وبعد طول مطالبات واحتجاجات تُنقل إلى مركز التوقيف في عسقلان.


مرة أخرى تجيء إلى المحكمة وتكتب في كتابها عن القدس:
“من جديد في المسكوبية 10 / 02/ 1992 ، لأقضي ليلة قبل المحكمة،
والتي كما أخبرني المحامي ستكون الجلسة الأخيرة للنطق بالحكم، لم
يكن ذلك الحكم ما يشغل بالي، وإنما تلك المدينة المقدّسة. أتساءل وأنا
في طريقي للمحكمة: تُرى متى ستعود قدمي لتطأ أرضها من جديد؟!
سيارة البوسطة تجوب الطرقات، وتلك الغيمات المقدسية هناك في
السماء، لها ألف يدٍ ويد، كرحم أمّ تحتضنني، تمنّيت لو أنني جنينٌ
يسكن جوفها فتلدني كرذاذٍ صباحي يعانق القباب”ص71.
ولدى مغادرة المحكمة في سيارة البوسطة تكتب مي ما يلي:
“شقّت سيارة البوسطة طريقها في شوارع القدس، تلك المدينة التي لها
سحرها الخاص، والتي لا تعود فيها دقّات القلب منتظمة، لها حضور
لا يُقاوم، سحرٌ غير محرّم، حبٌّ لا يزول، غزلٌ لا خجل فيه، مدينة
المتناقضات، حرّة رغم الأسر، فرح رغم الحزن، على كلّ شرفة من
شرفاتها تركت نبضة، وتحت كلّ قبة دعوة، وفي كلّ درب زرعت خطوة،
وعلى كلّ نافذة علّقت أملاً، وفي سمائها نثرت روحي كفراشة تحترق
بأنوارها، أقدامي مكبّلة، غير قادرة على أن تطأ ثراها، لكنّ روحي ما
زالت تشتمّ عبقها.
كم تمنّيت لو أنني حجر في جدرانها، أو جذر شجرة يمتد في باحاتها،
(…) عهداً لك يا مدينة الحكايات أن يبقى هذا القلب مُرابطاً بحبّك،
ويدعو الله كلّ ليلةٍ بأن أقضي شيخوختي فوق أدراجك القديمة.”ص72/73


هو السجن ذاته الذي ورد ذكره في بعض شهادات الأسيرات المحررات في كتابهن: “ترانيم اليمامة” الذي صدر حديثًا عن دار طباق للنشر والتوزيع في رام الله، وهن عشر أسيرات: مي الغصين، تغريد سعدي، شريفة أبو نجم، عطاف عليان، أريج عروق، لينا جربوني، جيهان دحادحة، نهاد صالحية، منى قعدان، عهود شوبكي.
وهو السجن ذاته الذي وصفه الكاتب المقدسي طلال أبو عفيفة في كتابه “ذكريات الماضي.. سيرة ومسيرة” حين اعتقلته أجهزة الأمن الإسرائيلية على جسر اللنبي أول مرة مدة ثلاثة أسابيع عام 1979، ثم حين اعتقلته للمرة الثانية ثلاثة أشهر عام 1980 بتهمة الانتماء لحركة فتح.
يتبع…

الكاتب والروائي محمود شقير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *