الخنفشاري للروائي نافذ الرفاعي وجدلية الوضع الراهن للكاتبة سعاد شواهنة


:” في كل يوم أنظر إلى وجهي في المرآة وأتساءل إن كان وجهي لا زال ذاك الوجه الذي أحببته وغازلته منذ سنوات،:” شعري يزداد طولا كل يوم، لم أعد أقصره فقد كنت تحبه طويلا أسود اللون، وكنت أحبك إذ تترك كل ما يشغلك، وتهتم بصناعة ضفيرة، تعانقني كلما ابتعدت.”

الخنفشاري هو العمل الروائي الثالث للكاتب نافذ الرفاعي وهو كاتب وروائي فلسطيني صدر له رواية بعنوان قيثارة الرمل، وامرأة عائدة من الموت، وله عدد من الأوراق البحثية في مواضيع مختلفة، ويقدم الكاتب عمله الروائي الأخير بعنوان الخنفشاري وهي رواية صادرة عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس عام 2015، حيث تقع في 198صفحة من القطع المتوسط، وجاءت صفحة الغلاف للفنانة لينا قادري .
يعرض الكاتب في روايته العديد من التقلبات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الفلسطيني، على مسافة سبع سنوات من توقيع اتفاقية السلام،ويربطها بشكل واع وحيوي بالتقلبات السياسية، وما تؤول إليه القضية الفلسطينية، ومدى انعكاس ذلك في بنية الوعي الفلسطيني والتكوين الشخصي للذاتوية الفلسطينية، ويحدد الكاتب العام 2000 مساحة لزمانه الروائي، ويترك لشخوصه تلك الحرية للتحرك في زمانها الذاتي عبر الذاكرة وتقليب أيامها ،بما يخدم جوهر العمل في صقل رسالة واضحة المعالم من خلال الرواية.

العنوان وجدلية الواقع :


يختار الكاتب اسما لبطل روايته المحوري ويدعوه الخنفشاري وهي كلمة قديمة تعني في معاجم اللغة صفة لأي شي لا معنى له ، وليس لها معنى أساسي موثوق ، وهي تطلق على الشخص الذي يدعي معرفة كل شيء. ويتداول نقاد الأدب فيما بينهم كلمة خنفشار ( ويطلقونها على من يدعي الفهم والعلم وهو لا يملك منهما شيئا، وبما وقع الكاتب لغويا في نوع من الخطأ، حين أهمل الجزئية المتعلقة بأن صاحب هذا الاسم يدعي المعرفة رغم أنه لا يعرف شيئا في الواقع،ونجد أن الكاتب أورد تصوره وتعريفه الخاص للكلمة حين قال أن الخنفشاري تعني البحث في المعنى والدلالة، وأن لكل منا تعريف خاص به حيال هذه الكلمة،لقد قدم الكاتب هذه الشخصية دون ملامح حسية واضحة، إذ لم يرسم شكلها الخارجي ،بل اعتنى برسم الجانب الذاتي والروحي والفكري للشخصية، وذكر المظهر الخارجي في سياق الحديث عن الجانب الفكري، فهو يشبه المتصوفين أحيانا، وفي مواقع أخرى نجده من اليساريين، وأحيانا من الأشخاص العبثيين، ورغم انخراطه بالنضال، وتعرضه للأسر،إلا أنه ينتمي للبلاد أكثر مما ينتمي لحزب أو فئة، وهو بذلك خنفشاري يشبه ما كان يأتي به الشعراء الصعاليك من الخروج عن نظام القبيلة والبحث عن الذات في فيافي الأرض،رغم ما لديهم من مقومات، ومال، ومركز سيادي في قبيلتهم، إذ نجد الخنفشاري المتقدم في الكيمياء، مسافرا إلى الأردن بعد خروجه من السجن، ليعمل في مخبز بسيط،رافضا أن يبقى ليحصد ثمار سنواته في السجن، ضمن المنظومة الجديدة، وقد تكون هذه إشارة واضحة من الكاتب إلى غياب المشروع الوطني حال مأسسة النضال وتقنينه في الأطر الإدارية.


البلاد وواقع مختلف :


قدم الرفاعي في نصوصه شخصية البروفيسور الذي استجاب لقلب زوجته وقلقها حيال اندلاع الانتفاضة الشعبية المجيدة عام 1987، حيث سافر معها إلى لندن، إن هذه الشخصية تمثل شريحة كبيرة من المجتمع الذي تقلبه التغيرات،ولا يقف موقفا واضحا حادا من أي منها، فهو لا يجيد قول لا غالبا،إذ يبقى منصاعا تتقاذفه الخطوب، سافر هربا رغم عدم جديته في متابعة الدراسات العليا،هو ليس رجلا مشغوفا بزوجته،وليس مولعا بغيرها،تسافر إلى الكويت، فيتجاهل الأمر ويسافر إلى أمريكا،ولا نجده حادا ولا معترضا تجاه الاحتلال وسيطرته على أرضه،أملاكه، والفندق الذي أنفق عمره في بنائه، والطريق التي رصفها الاحتلال بالحواجز، وتجده يهرب من الضد للضد، فيتزوج سيدة بسيطة،من قرية نائية، تصغره بأعوام عديدة،ولا يكاد يعرف ملامحها.
إن شخصية البروفيسور كانت شخصية نامية متحركة، أحدثت في ذاتها تغيرات عديدة، وتقلبت بين عدد من الأماكن، وضمن أزمنة مختلفة_ الانتفاضة عام 1987 وصولا إلى الانتفاضة الثانية 2000- واعتقد أنها من الممكن أن تكون واحدة من الشخصيات المحورية والمهمة في الرواية، وليست مجرد شخصية يروي عنها الراوي في بضع فصول بشكل سريع، كما في حديث الكاتب عن عبير والبيروتي.


السرد وصوت الذات:


تعتبر رواية الخنفشاري الرواية الثالثة للكاتب، ورغم تقدم تقنيات السرد واتساع المدى الزماني والمكاني للمساحات التي يطرقها الكاتب، إضافة إلى الإجادة في رسم العديد من الشخصيات، وعدم الاكتفاء بشخصيات محدودة،إلا أن الرفاعي أبقى على شخصية الكاتب، وهي شخصية ظهرت في رواية الكاتب السابقة (امرأة عائدة من الموت) غير أنه بقي محافظا إلى حد ما على نوع من التوازن، فلم نجد هذه الشخصية تتورط بالحب مع أحلام، رغم أنه ألمح إلى ذلك في العديد من الأحيان، فأسماها الفتاة الغامرة،

وهو لقب لا يطلقه كاتب جاء يبحث عن متون شخصية يروي حكاية عنها،فهو يصفها بشكل دقيق،وقد جاء الوصف بصوت الكاتب وليس بصوت الراوي كلي المعرفة المتحدث بضمير الغائب، الذي ابتدع ليطوف موازنا بين الشخوص ومتحدثا عنها .


الرواية وفوضى الألقاب:


ربما أن الكاتب يجد متعة بالغة في إطلاق الألقاب على الأشخاص، وهذا كان واضحا في الشخصية التي ابتكرها وأطلق عليها لقب الكاتب، والتي تظهر في كثير من الأحوال متحدثة بصوت الأنا الخاصة به،ونجده يطلق الألقاب على كل شخص من شخوص روايته،وأحيانا يجعل من اللقب اسما للشخصية كما في البروفيسور، البروفيسور المتشرد، البيروتي، الفتاة الغامرة، وهي ذاتها التي يناديها في مواقع أخرى بالارستقراطية، بنت الأكابر- رغم أن الزمان الروائي الحالي 2000 والزمان المستحضر ليس مناسبا لهذا اللقب.
نبيل … الوضوح وعدم الاكتمال :

تشكل شخصية نبيل الشخصية التي جاءت واضحة المعالم، حية الجذور، ترتبط بواقع حقيقي وجذور جغرافية واضحة فهو ينتمي إلى عائلة من شمال الضفة الغربية، تمتهن الزراعة، كذلك فللشخصية مساحة نماء وتغير واضحة، فهو الذي واجه التغير من جغرافية إلى أخرى، ومن بيئة إلى أخرى، وهو الذي اختبر الحب والهزيمة فيه، والهزيمة في الدراسة أيضا آنذاك في جامعة بيت لحم، كما أن له اتجاه فكري وسياسي محدد،نبيل يجد سبيلا للنجاح والتقدم في الدرجات العلمية بعد سفره إلى الأردن، حيث يحوز على لقب البروفيسور، وهو واحد من الشخصيات النامية في الرواية، ويساعد بناؤها بشكل أكبر على الإطلال على واقع القضية الفلسطينية وتتبعها في الأردن.

الكاتبة سعاد شواهنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *