الشعب الفلسطيني بين التوسع الاستيطاني وخيانة التطبيع السياسي..
لم تشهد قضية شعب مظلوم, مثل هذا الكم الهائل من الخيانة والتواطىء كما شهدت قضية الشعب الفلسطيني العادلة وعلى أيدي أخوة وعرب الذين أداروا ظهورهم لآلام أبناء عروبتنا الفلسطينيين وعلى القيمين على العربان المسلميين في قطر والايمارات.
فالزيارات المشبوهة التي تقوم بها حكومة العدو الصهيوني إلى الايمارات واللقاء مع عهد محمد بن زايد وقطر كان لها هدف وهو الاحتفال بقيام دولة الإحتلال الصهيوني فوق أرض فلسطين وعلى دماء وجثث أطفال ومشايخ ونساء وشباب الشعب العربي الفلسطيني, والذي فضل المحتل الغاصب على حساب القضية الفلسطينية المقدسة, ضاربين بعرض الحائط المشروع الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة, ويتساءل الكثير من الفلسطينيين الشرفاء كيف يطبع بعض العرب مع عدو قاتل مجرم غاشم اغتصب الأرض وقتل البشر وقتلع الشجر وتعلا وتكبر ودنس المقدسات الإسلامية والمسيحية التي تتعرض يومياً للتهديد الصهيوني بذريعة الاحتلال وأغلاق المناطق بحجج أنها مناطق عسكرية وأمنية, ومن الواضح أن الشعب الاماراتي والشعب العربي الحاضن الرئيسي لنضال الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني, ويعرف بأن محمد بن زايد خائناً للقضية الفلسطينية ومقاومته ضد الاحتلال الصهوني, وهذا بن زايد أقدم على التنازل الجديد من خلال التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني, وهذه الاهداف تلبي مطلب العدو الصهيوني بالموافقة الرسمية أن كان من خلال الجامعة العربية وغيرها على مبدأ ضم الكتل الاستيطانية (المستعمرات الكبرى) التي تضم غالبية المستوطنين في الضفة الغربية تحت عنوان” تبادل الأراضي بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين” أي التنازل عن تلك الأراضي الفلسطينية التي يستولي عليها الكيان الصهيوني في الضفة الغربية بما فيها أراضي تعود لمدينة القدس واستبدالها بأراضي فلسطينية أخرى كان المحتلون الصهاينة قد ضموها لكيانهم عقب عدوان حزران عام 1967, والمقارنة أن هذه الخطوة التي طالبت بها قادة الكيان الغاصب منذ خمسة عشرة السنين الماضية والتي لقت الاحتجاجات وأعتراضات صارمة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية, و من الفصائل الفلسطينية, بل الأضافة إلى الاقطراح القطري باعترافه الصريح بيهودية الكيان الصهيوني التي يصر عليها نتنياهو كأسس لأي حل بين الصهاينة والفلسطينيين, فقد رفض الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية الوطنية الصادقة التي رفضت هذا المقترح الذي سمي بحق (وعد بلفور القطري), وتراجع عن المبادرة العربية التي قدمت في بيروت عام 2002 والتي تتضمن أفكاراً غير واضحة اساساً حول مسأ اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة..
أن هذه المبادرة الخليجية سمحت ليس فقط للاعتراف المتبادل مع الاحتلال الصهيوني وإقامة علاقات دبلوماسية معه, بل وفتح باب التطبيع والنهب للثروات العربية والإسلامية, وأنها إيغال في دبلوماسية التسول والتسوال لهم, وهذا تنازل لمن لا يملك من قبل الدول العربية والقطرية المتصهية فإن الأمل بأسعطاف أمريكا والكيان الصهيوني من خلال تقديم مثل هذه التنازلات الخطيرة لم يكن نتيجتها سوى المزيد من الضغط على الجانب الفلسطيني لعدم ملاحقة هذا الكيان الغاشم في المحافل الدولية وتعهد وفد الجامعة العربية أمام الإدارة الأميركية بمنع السلطة الوطنية الفلسطينية من الانضمام لوكالات الأمم المتحدة بعد حصولها على صفة دولة عضو بالأمم المتحدة وكذلك تجميد الدعاوي التي كانت تعتزم السلطة الفلسطينية رفعها أمام المحكمة الجنائية الدولية..
ولا أحد يمكن أن يفهم كيف يتقيم منطق المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الصهيوني الغاصب للوطن الفلسطيني الذي يسعى في مخططاته الاستيطانية الهادفة للسيطرة الكاملة وتهويد مدينة القدس على حدود عام 1967 والتي تشكل فعلياً 22% من أرض فلسطين التاريخية, ولذلك عمل على تحقيق ذلك من خلال توسيع ما يسمى بحدود القدس شرقاً وشمالاً, وذلك بضم وإنشاء ونقل المزيد من البؤر الاستيطانية لتكون خاضعة لسيطرته بشكل تام, ومن جهته أخرى فأن الحديث من قبل الكيان الصهيوني عن إيقاف العمل على بناء المستوطنات الجديدة ونقل بعضها الأخر وأثارة هذا الموضوع بين الحين والأخر بهذا الشكل ما هو إلا للاستهلاك الإعلامي وذر للرماد في العيون..
والمتتبع لسياسة الكيان الصهيوني بخصوص الاستيطان يجد أن عدد المستوطنين تضاعف على حساب نسبة الكان العرب الفلسطينيين الذين يشكلون ثلث سكان القدس أي حوالي 260 ألف نسمة بما فيها الجزء المضموم 385 ألف نسمة, مع العلم أن عدد المستو طنين في مستوطنات القدس الشرقية يساوي عدد المستوطنين في الضفة الغربية حوالي (225 ألف مستوطن),وقد بلغ عدد المستوطنات في القدس حسب الإحصائيات 30 مستوطنة, 15 منها في الجزء المضموم من القدس أي مايسمى حدود بلدية القدس الشرقية, هذا عدا عن حوالي 200 مستعمرة موزعة على اراضي الضفة الغربية الفلسطينية بدون البؤر الاستيطانية العشوائية, وتستوعب أكثر من نصف مليون مستوطن..
أن المستوطنات تبتلع الاراضي السكنية العربية حيث تنتشر في لواء القدس على شكل تجمعات استيطانية مكثفة تتخذ الشكل الدائري حول مدينة القدس وضواحيها ممثلة بمراكز استيطانية كبيرة المساحة يدعمها الجدار الفصل العنصري, حيث يبدأ الجدار الاستيطاني الذي يلتف حول القدس من جيلو جنوباً إلى معاليه أدوميم شرقاً و”بزغات زئييف والنبي يعقوب” شمالاً إلى “رموت” غرباً, بحيث يشكل هذا الجدار إغلاقاً للقدس ويمنع التواصل العربي مع ما يسمى حدود البلدية, وتشكل هذه المستوطنات ضواحي يهودية تحيط بالقدس وتهدف إلى عزلها عن الضفة الغربية, وأقيمت هذه المستوطنات على الأراضي العربية التي سلبت من أصحابها تحت شعار استملاك للمصلحة العامة بمعنى اخر هو ” تهويد للقدس”, وتواصل حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة في توسيع البؤر الاستيطانية وعزل القدس عن الضفة الغربية وبناء جيوب استيطانية داخل الأحياء العربية..
أن المضايقات التي يتعرض لها أبناء القدس أو الجزء الشرقي منها والتي تهدف إلى طرد كل عربي فلسطيني من مدينة القدس ليسهل التغلغل الصهيوني داخل الأحياء العربية, وتتمثل المضايقات بفرض ضرائب عالية على المحلات التجارية والأبنية والمساكن وارتفاع أجرة العقارات داخل حدود البلدية, الأمر الذي قلل البناء لارتفاع تكاليف البناء في القدس وتزايد أعداد السكان مع منح إعفاءات ضريبية للمستوطنين ومنح مقدمة من حكومة الاحتلال الصهيوني, حيث اضطر معه العرب الفلسطينيون للهجرة من داخل حدود بلدية القدس إلى القرى المجاورة التي تكون عادة خارج حدود البلدية..
ومن الملاحظ أن السبب الرئيسي لطرد الفلسطينيين خارج القدس هو الاستيلاء على الأراضي لبناء مستوطنات داخل حدود البلدية, الأمر الذي تسبب في نفص البقعة المخصصة للفلسطينيين, وذلك تمثل بعدة أوامر عسكرية منها اعتبارها أراض للمنفعة العامة ومناطق خضراء غير مسموح البناء فيها وإغلاق عسكري ومنع البناء, إضافة إلى قرار الاستملاك الذي يعتبر من أخطر القرارات ويتم بموجبه اسملاك الأرض لصالح الكيان الغاصب ودولته المزعومة, وخير دليل على ذلك أن ما يحدث في القدس هو عملية مصغرة لما يحدث في الضفة الغربية وهي سياسة معاكسة لعملية السلام لأن حكومة العدو الصهيوني ما زالت تصادر أراضي الفلسطينيين وتنفذ سياسة التوسع الاستيطاني وبناء وحدات سكنية استيطانية جديدة في القدس, كان أخرها قرار بناء سياحي في سلوان..
ويعتبر المضي في بناء المستوطنات كارثة حقيقية متعمدة من قبل الكيان الصهيوني لقطع أوصال المواطنين الفلسطينيين وتهيرهم خارج حدود القدس, وهذا ما يحدث على أرض الواقع فقرية بيت صفافا لم يزد عدد سكانها ولا عدد البيوت فيها منذ عام 1967م, وذلك بسبب كونها أرض ممنوع البناء عليها مما يجبر الأهالي إلى الهجرة عنها بسبب كثرة افراد العائلة التي لم يعد لهم متسع في هذه الأراضي..
في هذا الصدد يجب التأكيد على أن حقوق السيادة على القدس ثابتة للفلسطينيين بموجب القانون والتاريخ وقاعدة التوراث الدولي وبموجب شواهد تاريخية تمتد إلى ما قبل الانتداب البريطاني والحكم العثماني للمدينة, والثابت في القانون الدولي المعاصر الذي ينص على ان السيادة على الأقليم تكتسب في احدى حالاتها بناء على خضوع الأقليم المعنى للسيطرة المتواصلة من قبل الدولة صاحبة الادعاء دون منازعة من قبل الغير..
وأخيراً يمكن القول أن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين والقدس والحدود مرهون بحل الصراع العربي الصهيوني ذاته والذي يجب ان يرعى فيه عدة متغيرات منها احتمالات التغيرات الأقليمية وطبيعة المصالح الأميركية في المنطقة وردود الافعال الشعبية والفلسطينية تجاه ما يحدث في فلسطين, وبن سياسة حكومة الكيان الصهيوني الحالية التي تتخذ من الاستيطان الهستيري والتسريع به لفرض أمر واقع هو استكمال لخطة حكومته الجديدة الاستيطانية القديمة الجديدة بأشكال وطرق مختلفة مهما تغيرت الاسماء والتي اتت نهاية الصراعات الداخلية بين هذه الحكومة أو تلك, يضاف إلى كل ذلك ما تطوع به الإدارة الأمريكية بتقديمها الدعم الكبير للكيان الصهيوني, ومشروعه الاستيطاني, ورفض العودة إلى حدود 1967 وما يعني ذلك من انكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين ليزيد هذا الوعد على وعد بالفور المشئوم.
الكاتب والباحث الإعلامي د. فضيل حلمي عبدالله