انقضَّ على عنقِ سيّدِهِ في غفلةٍ منه، وقفَ بعدها أمام الخزينةِ الممتدّةِ أمتارًا داخلَ الجدارِ الخرسانيّ، والتي كدّس فيها صاحبُ القصرِ الكنوز عبر دهورٍ، أخرجها جميعًا وألقى بها على أرضيّةِ الغرفةِ، ثم جرجر الجثّةَ المتثاقلةَ، ورفَعها إلى داخل الخزينةِ، جلَس بعدها قبالة الجسدِ، ليلتقط أنفاسَهُ اللاهثةَ، تساءلَ بينه وبين نفسهِ عن سرِّ النظرِةِ التي رآها في عين سيّدِهِ قبل أن يلفظ آخر شهيقٍ.
رفع نظره صوبَ الحائط الخلفيّ للغرفةِ السرِّيّةِ “ما هذا؟! خزينة أخرى داخل الخزينةِ الكبرى؟
هبّ من مكانِهِ، سار نحوها كالمسحورِ”لا بدّ أنّ قيمةَ ما بداخلها من كنوز تفوقُ كلّ ما تحتويه الخزينة الكبرى، لقد ترك المفتاحَ في موضعه.. لماذا؟”
أدار وجهه إلى الجسدِ المُسَجّى، انطلقتْ من جوفِه ضحكةٌ معربدةٌ ”لم يدرِ بخلدك أن يصلَ إلى سرِها أحدٌ سواك”
مدّ يده، أدار المفتاحَ في بطءٍ، فوجئ ببابِ الخزينةِ الكبيرةِ يُغلَقُ تلقائيًا، قفز من مكانِهِ محاولًا أن ينجو بنفسهِ، تعثّر في جثمانِ السيدِ، واصل الزحف على أربعٍ حتى بلغ باب الخزينةِ الموصدِ، دقّ على البابِ الفولاذيّ بكلتا يديه، جأر بعلوّ صوتِه دون مجيبٍ، حانتْ منه التفاتةٌ إلى السيّدِ، ألقى عليه نظرةً مبهمةً وكلماتُ الرجلِ تتداعى من أعماقِ ذاكرتِهِ :
- ألم أكرّرْها عليك كلّما رأيت التساؤلَ يقفز من عينيك؟
- لا أخفيك سرًّا، كنت معجبًا بك دونًا عن غيرك من الخدم؛ لأنك تحظى بفطنةٍ وذهنٍ متوقّد.
- ماذا تظنُّ أن يحدثَ لو ثار الخادمُ يومًا على سيدِهِ؟
زحَف نحو الجسدِ الهامدِ، هزه برفقِ، ومن ثم أطبق على خناقِهِ، و رجّه في عنفٍ، لم يجد منه إستجابةً فانهالَ عليه مكيلًا له الصفعاتِ المغلولَةَ حتى تمكن منه الإعياء، خرّ منهارًا فوق الجثمانِ، تدفقتِ الضحكاتُ المتأوهةُ من شدقيهِ، والدموعُ تحتلُ أروقةَ عينيهِ، لإدراكهِ الإجابةَ المريرةَ التي غابتْ عنه طوال مدّة خدمتِهِ عند السيّدِ القابِعِ خلف أبوابِ خزائنهِ الموصدةِ.
الكاتب عمرو زين