قصة بعنوان: معاناة للكاتب مصطفى مسلم

في يوم من أيام الصيف الملتهبة ليلا ونهارا ينهض باكرا قبل طلوع شمس النهار، يأخذمعه قطع خبز يابسة يضعها في مزود وقربة من الماء ويعتمر قبعته المصنوعة من القش، يلتقط منجله ويتجه صوب أرضه ليحصد بعض السنابل التي أبت مفارقة الأرض وبقيت قصيرة قريبة من الأرض وآلة الحصاد لا تستطيع الوصول إليها فاضطر إلى حصدها بالمنجل وهذا كله بسبب الجفاف الذي حل بالبلاد فقد مرت عليها سنوات عجاف.


ولم يكن له استطاعة ليقوم بسقيها بوسائل الري الحديثة فترك تلك السنابل تقاوم لوحدها ذلك الجفاف وعملت تلك السنابل جهدها لتخرج من تحت الأرض وتتجه نحو السماء في شموخ وحلمت أن يداعبها لنسيم في دلال ولكن لم يكن لذلك سبيل لتحقق حلم تلك السنابل، فقد كان مجرد إنسان بسيط يمتلك قطعة الأرض تلك فيقوم بزراعتها كل عام وينتظر هطول الأمطار الموسمية
فيصل إلى تلك الأرض التي عندما تراها للوهلة الأولى تظن بأنها تركت بورا إلا من بعض السنابل المتفرقة فرادى وجماعات هنا وهناك كشعيرات نبتن لفتى مراهق في لحيته ففرح بها ورأى أنها دليل على رجولته.


فيضع ذلك المزود وقربة الماء جانبا ويلتقط منجله ويشرع في تتبع تلك السنابل المتفرقة، ويبدأ في الإسراع قبل أن تصل الشمس إلى منتصف السماء، ومن كثرة تتبع تلك السنابل المتفرقة يصيبه الإجهاد والإعياء، فيتوقف ويذهب ليستظل تحت شجرة ضرو ويدس رأسه بين أغصانها لعلها تشعره ببعض البرودة هربا من وهج الشمس، فيشرب بعض الماء من تلك القربة فيبدأ يتصبب عرقا جراء شربه الماء فيبدأ في مسح ذلك العرق بكمه ويبدأ في التقاط أنفاسه ثم يأكل بضع لقيمات من تلك الكسرة ويعاود النهوض إلى تتبع تلك السنابل المتفرقة في مساحة تلك الأرض، ويقف برهة من الزمان في وسط تلك الأرض ويطيل النظر فيها بكل حسرة حتى أنه يعبر عن ندمه الشديد لزرعها ثم يتنهد ويقول ماذا أفعل إنها مشيئة الله، ويبقى في تتبع السنابل إلى أن تميل الشمس إلى الغروب فيجمع كل ما حصد في كومة واحدة ويتركها في وسط الأرض ليسهل العملية على آلة الحصاد.


ثم يجمع أشياءه التي جلبها معه ويتجه صوب داره من جديد في خطوات متثاقلة تعبر عن تعب وخيبة في آن واحد، فيصل إلى داره وما إن يدخل حتى يذهب ويستلقي على الفراش من شدة التعب ويبدأ في الإستماع إلى أنين يديه فقد أصابتها التقرحات من شدة القبض على يد ذلك المنجل فتأتي إليه زوجته فتجده مازال ينظر إلى يديه فتمسكهما وتبدأ في تحسسهما فيشعر بالألم، فتقول له علي أن أضع لك فوقهما بعض الحناء حتى تخفف عنك الألم، فيهز رأسه بالقبول فتصنع منها خليطا وتضعه فوقهما ثم تلفهما ببعض القطع القماشية
ويقول لها اتركوني آخذ قسطا من الراحة ويغط في نوم عميق كأنه لم ينم منذ مدة من الزمان

الكاتب مصطفى مسلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *