الهوية الوطنية والليبرالية المتوحشة للكاتب والباحث نبيل نوفل


أولاً: مفهوم الهوية الوطنية

الهوية الوطنية في كل أمّة هي الخصائص والصفات والمكونات التي تتميز بها، وتترجم روح الانتماء لدى أبناؤها ولها أهميتها في رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، ومن دونها تفقد الأمم كل معاني وجودها واستقرارها، بل يستوي وجودها من عدمه، وهي بهذا المفهوم جناح يستكين تحته مجموعة من الناس،تجمعهم خصائص معينة،وأهداف مشتركة،ويحكمهم ناموس واحد، يدركون فيه القاسم المشترك بينهم،فهم يعملون على الحفاظ عليه، ويقفون في وجه من يحاول النيل منه. وهناك عناصر للهوية الوطنيّة لا بد من توافرها، وقد يختلف بعضها من أمّة لأخرى،وفي مقدمة هذه العناصر:


1-اللغة، وفي وطننا العربي تعتبر اللغة العربية العمود الفقري للهوية الوطنية والقومية ، حيث أن الهوية تقوم ملامحها في كثير من الأحايين بفعل اللغة،وإذا ما ذهبنا إلى أبعد من ذلك،”فإن اللغة باعتبارها أداة للتواصل وأحدى آليات التفكير ولها موقع جد مهم في خارطة الهوية إن لم تكن واسطة العقد في هذه الخريطة، فاللغة هي الأساس في شعور الجماعة بانتماء بعضهم إلى بعض،واشتراك في الذكريات نفسها سواء آكانت تاريخية أو ثقافية ،ومن ثم فإن الاهتمام باللغة العربية يقع في باب الأمن اللغوي العربي، وكل من يتكلم باللغة العربية أياً كان نسبه وأصله فهو عربي، فليست العربية بأب ولا أم، وإنما هي اللسان،فمن تحدث العربية فهو عربي،من هنا يبدو أي تقصير في الاهتمام باللغة العربية بمثابة فرط لعقد هويتنا العربية التي تلعب اللغة دوراً رئيساً في بنائها.


2-ثقافة الأمة، وهي مجموع الخبرات والعادات والتقاليد والآداب والعقائد والفنون والتاريخ والأعراف التي تشكل شخصية الأمة وتنبع من خصائصها البيئية والعقدية والاجتماعية والحضارية، وأن لكل أمة ولكل مدينة خصوصية ما ،هي التي تمثل جزءاً من ثقافتها، التي ترسم ملامحها العامة وتحدد هويتها.


3- التاريخ،وهو التاريخ المشترك الذي يربط من يشتركون في الهوية الوطنية الواحدة ،وهو الأحداث التي مرت بآبائهم وأجدادهم بصفتهم الجماعية على هذه الأرض.


4- الجغرافيا، حيث أن من يشتركون فيها يضمهم موقع جغرافي محدد، ويلعب دوراً كبيراً في الهوية، ومن هنا نرى الكيان الصهيوني في فلسطين يعمل على تغيير أسماء المدن والقرى الفلسطينية واستبدالها بأسماء صهيونية،فلقد عمد الصهاينة إلى تغيير الأسماء العربية بأسماء عبرية، لطمس الهوية العربية ومحو الشخصية الفلسطينية في بعدها القومي،فغيروا أسماء المدن والقرى والجبال والسهول والوديان،فالقدس صارت أورشليم،ونابلس أصبحت شكيم، وطبرية غدتكنروت، وبيسان صار اسمها بيت شعان أوبيت شان، والخليل جيرون، وجبال الخليل جبال يهودا، وسهل حيفا زيلون،ونهر المقطع نهرقيتشون والقائمة تطول ،فالذين يشتركون في الموقع الجغرافي محدد يرتبطون في هوية وطنية واحدة.


5-العَلم الواحد،وهو الرمز المعنوي الذي يجمع كل أبناء الشعب الواحد والقضية الواحدة،وهو شيء مادي ملموس له رسم مدد بألوان محددة، ولكنه يرمز إلى قيمة معنوية، وهي الهوية الوطنية والانتماء للوطن.


6-الحقوق المشتركة،حيث يتمتع أبناء الهوية الوطنية الواحدة بالحقوق ذاتها،كحق التعليم،وحق التعبير عن ألرأي وحق الحياة بكرامة وعزة على أرصهم وحق الملكية،والبناء فوق أرصهم وحق العمل وغير ذلك من الحقوق التي تجسد الهوية الوطنية


7-الواجبات،وهي الواجبات الفردية والجماعية ، التي يتعين على المجموع الوطني القيام بها، إمّا بصفة الفردية، كالأفراد كل في مجال عمله وتخصصه ونشاطه، وإمّا بصفتهم الجماعية، وذلك مثل ما يتعين على المؤسسات القيام به نحو مواطنيها، وفق آليات محددة، كمؤسسات التربية والتعليم، ومؤسسات الصحة والبيئة، والاقتصاد، والبنى التحتيّة، كسلطة المياه، ووزارة العمل، والدفاع، وسلطة المواصلات، والسلطة الحاكمة بكل مؤسساتها التشريعيّة والتنفيذية، وغير ذلك من مسميات وطنية تحمل روح العمل الجماعي لخدمة الوطن والمواطن، فهذه كلها بعملها والتزامها به على خير وجه تعبر عن الهوية الوطنيّة.


8- العملة الوطنية الموحدة .


-ثانياً الليبرالية المتوحشة:


إن مشروع الليبرالية المتوحشة يقوم على قراءة زائفة بعيون أوروبية استشراقية،تعبر كل ما يُعرف بالخصوصيات والهويات وتعتمد النموذج المدني الأوروبي مرجعية تحكم بها على الماضي والحاضر والمستقبل في تفكير وسلوك أوروبي مستورد. وهذا التيار يقوم على تدميركل شيء له علاقة بالتراث فأصبح الاغتراب والانفصال عن الواقع هو السمة المميزة للفكر العربي الليبرالي وتركز البعض في مجال الفكر الخيال الرومانسي،وفي مجال الفن الاستهلاكي وتركت قضايا الجماهير وسادت ثقافة الاستهلاك فظهر التشوه والتناقض بين البنائين الثقافي والسياسي وتناقض بين شعارات الالتزام وهجرة العقول وتناقض بالإنتاج المعرفي والثقافي الاستهلاكية .

-إن الليبرالية التي فرضت نفسها بصفتها عقيدة الحرية الفردية والتسامح والحق في الملكية ومواجهة الاستبداد عملت على التحرر من النظام الأخلاقي وراحت تحرض على هدمه وإزالته ومن هنا نرى الدعوة والعمل على نشر المثلية في المجتمعات، كما أن الليبرالية المتوحشة تخلق التفاوت الطبقي الحاد ونشر الفقر في المجتمع والعالم نتيجة الليبرالية يعيش معادلة العار التي نهديها إلى دعاة حقوق الإنسان الغربيين واللاهثين خلف شعاراتهم ومعوناتهم من المستغربين ومفادها ان حيوانات الدول المتقدمة تستهلك ربع الناتج المحلي العالمي من الغلال وهو ما يساوي الاستهلاك البشري لميار و300 مليون إنسان ،وإن إنتاج الصناعة الغذائية في الولايات المتحدة المخصص للكلاب يعادل مجموع الاستهلاك الغذائي البشري في الهند وإن ثلاثة ملايين كلب وسبعة ملايين قط في فرنسا تستهلك من السعرات الحرارية ما يستهلكه سكان البرتغال وان البقايا التي يرميها الأمريكيون في النفايات خلال سنة تستطيع أ ن تغذي قارة أفريقيا لمدة شهر.


-إن تصرفات وسلوك الإدارات الغربية تجاه وطننا العربي والعالم يفضح زيف ما يسمى الحضارة الغربية،من خلال الممارسات العملية للولايات المتحدة والدول الاستعمارية التي تقود الليبرالية المتوحشة فكما نعلم ليس ثمة عمل من دون فكر يقف وراءه أليس احتلال واشنطن لأفغانستان والعراق والأراضي السورية وسرقة الثروات ودعم الحركات الانفصالية والإرهابية والحصار الاقتصادي وتجويع الشعب ودعم الكيان الصهيوني الإرهابي في فلسطين في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وفرض سياسات اقتصادية تتماشى مع مصالحها ومحاولة منع الدول من امتلاك التكنولوجيا المتقدمة والطاقة النووية للأغراض السلمية إلا تعبير عن اضمحلال أخلاقية الفكر الليبرالي الأمريكي الغربي المتوحش
-تعمل الليبرالية المتوحشة على إثارة الانقسامات والاضطرابات في المجتمعات وتقسيمها وتمزيقها والعبث بالتعليم والتربية والثقافة والتراث وتدمير الحضارات للشعوب.
-تنشر ما هو منافي للقيم الأخلاقية والإنسانية وتدمير القيم الأخلاقي والدينية في المجتمعات ونشرها مظاهر الدعارة والمثلية وغيرها


ثالثاً-مواجهة الليبرالية المتوحشة وتحصين الهوية الوطنية


لكل ذلك تبرز أهمية وعي الهوية الوطنية والالتزام بها، لأن له آثار عظيمة، تنعكس على الفرد والمجتمع والوطن بشكل عام، ولا سيّما متى قام الكل الوطني بواجباته خير قيام، فثمرات ذلك أكثر من أن تحصى، تتمثل: قوة في النسيج الاجتماعي، تعجز عن اختراقه مكائد الطامعين وأهواء الفاسدين، ونهضة في العلم والمعرفة، في شتى المجالات، وحدٍّ من الأمراض، وقوة في الاقتصاد، واستغلال جيد للعقول المبدعة، وتطوير دائم وبناء للوطن، ومواكبة التطور الحضاري للشعوب ، بل ريادة في مصاف الأمم، وهيبة للوطن والمواطن، إذا اعتز الكل بهويته الوطنية، فأحسن فهمها، وأجاد لغة التعبير عنها.وفي مقدمة تعزيز الهوية الوطنية ومواجهة الليبرالية المتوحشة هو تعميق

1-الانتماء والولاء الوطني: حيث الانتماء الوطني ليس ادعاء يدعيه المواطن، أو مقولة تقال، أو خطبة تذاع، هو التزام ومسؤولية ،و يتوج هذا الالتزام بتحمل المسؤولية الوطنية، إن الانتماء للوطن ليس بالجنسية أو الإقامة فيه،بل بالدفاع عنه،فأعلى مراتب الانتماء للوطن هو مرتبة الدفاع عن الوطن، كل بحسب ما يستطيع ،وما يملك من قدرات ويرتكز الانتماء للوطن على العناصر الثلاثة الآتية:الجماعة البشرية المتحدة بالتعاقد،والأرض التي تعيش عليها الجماعة داخل حدودها، والهُوية السياسية والقانونية التي تُعرِّف بها الجماعة عن نفسها تجاه الهويات الأخرى,وكما نعلم فإن من أبرز القيم المرتبطة بالمواطنة هي الحرية والمساواة والتضامن والمعاملة الأخلاقية والمشاركة.وفي الواقع أن الانتماء في معناه أضيق من الولاء ،لأن الولاء في مفهومه الواسع يتضمن الانتماء،فالفرد لا يحب وطنه ويضحي من أجله، ويعمل للدفاع عنه، إلا إذا كان مرتبطاً بهذا الوطن برباط مقدس،هو الولاء.ولكن الانتماء قد لا يتضمن بالضرورة الولاء،فربما ينتمي الفرد إلى وطن معين،ولكنه لا يشعر بدافع العطاء والتضحية من أجل هذا الوطن، و الانتماء حالة وطنية،لا شعورية، تتم تغذيتها وتنميتها بالتربية،لأن التربية تلعب دوراً أساسياً في تعزيز الوعي ،من خلال ما تصنعه السياسة المناسبة، والتوجهات في التربية والتعلم ،نحو الوعي الوطني والقومي. فكلما ازداد الوعي كان الانتماء الوطني أكثر وضوحاً، وتعمق الولاء، وتصبح العلاقة عضوية بين الولاء والانتماء والوعي، كل منها يؤثر بالآخر، ويتأثر به .

إن الولاء يعني المحبة والصداقة والقرابة أي عاطفة تلقائية ذاتية يتبناها الفرد قلبياً، وينتج عنها إخلاص وحب شديدان يوجهها الفرد على موضوع معين، و يضحي لصالح موضوع ولائه ،فيتجه إلى الجماعة التي ينتمي إليها، ويؤدي الانفصال بين الانتماء والولاء إلى الانفصال بين الهوية الوطنية والقومية .و أن في مقدمة ما يعزز الولاء والانتماء الوطني جملة من العوامل يمكن أن نوجزها بالآتي:-توافر الوعي الصائب ،والخُلق القويم،والإرادة القوية، ففي الوعي الصائب يدرك المنتمي حقيقة ما ينتمي إليه، وبالخُلق القويم ينحاز إلى ما ينتمي إليه، وبالإرادة الصلبة ينجز ما عليه تجاه الانتماء.


-تعزيز المواطنة فكراً وممارسة في المجتمع ، كي يشعر بها كل المواطنين بلا استثناء ،على اعتبار المواطنة منجزاً إنسانياً،يرتبط تحقيقه بتوافر أمرين:المشاركة في الحكم، من خلال العملية الديموقراطية ،والمساواة بين المواطنين في ضمان الحقوق،وأداء الواجبات ،وهذا يتطلب سيادة القانون في مؤسسات المجتمع كافة .


2-تعزيز وتنمية الفكر النقدي والعلمي وتخصيص جزء لائق من ميزانية الدول العربية للتعليم والتربية والثقافة.


3-كشف الروابط ذات الاعتماد المتبادل بين جانبي التحرر،التحرر من الهيمنة الاستعمارية والتحرر الداخلي في شمولية اجتماعية واقتصادية وسياسية.


4-تعرية وفضح الطبقات الرجعية وأسلوبها المشوه للديموقراطية وبناء تنمية تأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي ووضع الطبقات الفقيرة وتعمل على رفع المستوى المعيشي للمواطنين والتوزيع العادل للثروة ومحاربة الفساد .


5-نشر ثقافة احترام حرية التفكير والعمل على بناء المجتمع المتمدن والتصدي لمحاولات إلغاء الهوية الوطنية والقومية.


6-تعزيز ثقافة المقاومة والقيم الأخلاقية في المجتمع،لأن انعدام الأخلاق هو الذي يؤدي إلى تشويه الشرائع واحتقار الشرف وبيع الأوطان.


7-تنمية الفكر العقلاني في المجتمع ووعي التراث العربي والتعامل مع التراث بروح إبداعية من أجل الحاضر والمستقبل.


8-وعي العلاقة بين العروبة والإسلام والحداثة،وإحياء العروبة كهوية وانتماء إرادي
ووعي العلاقة بين العروبة والإسلام وفق المفهوم الحضاري والديموقراطي والعلمي ومحاربة التطرف من أي جهة كانت، والتأكيد أن العلاقة بين العروبة والإسلام علاقة تأثر وتأثير وعلاقة تلازم، وهذا لا يعني التطابق بين الأمة العربية والشعوب الإسلامية،واعتبار العروبة رسالة حضارية للإنسانية ترتكز على أمرين: أساسيين:الأول ارتباط العروبة الذي لا ينفصل بالإسلام ، والثاني هي المسيحية التي انطلقت من بيننا وانتشرت في العالم باللهجة العربية،أي العروبة هي وعي الأمة لذاتها ،وهذا الوعي يرتبط بالإسلام عبر حقيقتين أساسيتين وعي الأمة العربية ووعيها للإنسانية وهذا الربط بين العروبة والإنسانية لم يكن ربطاً تأملياً وإنما ربطاً محدداً جاء في إطار نتاج حضاري وثقافي وإنساني والإسلام هو عقيدة وثقافة وحضارة.

الكاتب والباحث نبيل نوفل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *