أصبح واضحاً بأن الحرب الحالية على قطاع غزة، هي ليست شدة وتزول، رغم الفشل الإسرائيلي الإستراتيجي، والعجز عن تحقيق أي نصر تكتيكي مرتبط بالأهداف الرئيسية التي أعلنت منذ بداية الحرب، وهذا الفشل لا يعني عدم وجود أهداف بعيدة المدى يجري العمل عليها، وتتعلق بقضية اللاجئين وحق العودة والمخيمات.
وقد بدأ العمل لتمرير مشاريع تتعلق بهذه الأهداف عبر المس بوكالة الإنروا وولايتها ورمزيتها وحضورها داخل فلسطين وخارجها بضغط أميركي إسرائيلي مشترك، لإعادة تشكيل الإنروا وفق مهام مرتبطة بالتوطين وتحويلها إلى مؤسسة إنمائية تنموية، بأموال عربية، تصرف وفق آليات تحددها الإدارة الأمريكية، التي تطرح اليوم استقبال وتوطين لاجئين فلسطينيين من قطاع غزة في الولايات المتحدة الأمريكية، والبداية ستكون ممن لديهم أقارب في الولايات المتحدة ويحملون الجنسية الأمريكية، أو حتى الإقامة الدائمة فيها.
والأعداد ستكون كبيرة قياساً بالأرقام التي تتحدث عن استقبال الولايات المتحدة 600 لاجئ فلسطيني خلال العشرة أعوام الماضية و 56 فلسطيني خلال العام 2023 كلاجئين.
وتربط الولايات المتحدة إعادة التمويل للإنروا بتحديد عمرها الزمني، كما يتحدث الأمريكيون والفرنسيون عن إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولاحقاً إنهاء وكالة الإنروا التي تقدم الخدمات الصحية والإجتماعية والتربوية لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في 58 مخيم في الضفة الغربية وقطاع غزة وسوريا والأردن ولبنان.
ونتيجة للضغط الأمريكي الإسرائيلي، بدأت الإنروا تتحدث عن الجوع وليس عن التجويع، أو عن السبب و المسبب في وجود قضية اللاجئين وأوضاعهم المأساوية، خاصة في قطاع غزة و مخيمات الشتات ، وكان المفوض العام للإنروا فيليب لازاريني قد قال أن هناك نحو مليوني فلسطيني يتضورون جوعاً في غزة دون الحديث عن حرب الإبادة و القتل المجنون وهذا ينسجم مع رغبة الإدارة الأمريكية بالحديث عن الإحتياجات الغذائية وليس عن وقف الحرب وحقوق اللاجئين.
ويمكن ملاحظة المخاطر التي تهدد قضية اللاجئين الفلسطينيين والمخيمات، من خلال دور ومهام (فريق العمل المستقل) الذي شكلته الأمم المتحدة حول حيادية الإنروا برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة كاثرين كولونا، وتجنيد ثلاثة مراكز أبحاث ودراسات لمساعدتها، وهذا يذكرنا بدور مؤسسة (فافو) النرويجية التي أجرت الأبحاث والدراسات حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين بعد توقيع إتفاق أوسلو.
والمخاطر والتحديات المتعلقة بقضية اللاجئين الفلسطينيين وتهجير عدد منهم إلى المنافي البعيدة وتوطين العدد الأكبر منهم في الدول المضيفة، تشير إليها ممارسات المستوطنين و إعتداءتهم على مقرات الإنروا في القدس و تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين يتحدثون عن أن اليوم التالي للحرب سيكون بدون وكالة الإنروا، مع البدء بإجراءات عملية ضدها والبحث عن مؤسسات دولية بديلة عنها، وهذا ينذر بمخاطر كبرى تهدد قضية اللاجئين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية برمتها، أكثر مما هو حاصل الآن.
الكاتب والإعلامي حمزة البشتاوي