كان حائط البيت قابضًا على رجلي أمّ قسّام بشدّة لا يريد لها أن تتركه ردّا لجميلها، إذ لم تتركه حين مزّقت الشظايا ظهره وظلّ واقفا. لم يقو على الوقوف أكثر فسقط، إلّا أنّه اتّخذ له متّكأ على كتف أخيه تاركًا لقسّام وأمّه، التي كانت زرعته الحياة وسط “عامود سحاب” وأرته النور بعد انقشاعه، فجوة وكوّة.
نام قسّام ملء عينيه ربّما للظلام الدامس الذي كان يلفّه، وللمرة الأولى دون أن تستطيع أمّه أن “توسّده” ذراعها، وإذ تمطّى على راحته حين عفا عن عينيه طول النوم، تناول ثدي أمّه البقي مدلّى على صدرها النائم يدرّ رغم رطوبة جسدها الحمراء الساخنة.
ترك الثدي واللبَان يسيل على ذقنه، وحين أدار عنقه الغض تلقائيا أو راحة له في الاتّجاه المعاكس، وداعب عينيه الصغيرتين النورُ الآتي من الكوّة التي تركها الحائط، حينها راح يحبو متسلقًا الرمال نحو النور وربّما نحو أصوات آتية عبر الكوّة، دون أن تقوى مناداة أمّه إيّاه بعد عجز ذراعيها، على صدّه.
وقف المُسعف المغبّر الوجه والثياب فاقد النطق والحركة وقسّام يحبو خارجا عبر الكوة هادئا يشق طريقه حبوا نحو النور متخطيّا وعورة المكان.
الأديب سعيد نفّاع