كتاب الجمر” جلسة تحليل نفسي للكاتب جعفر ضيا

ما يخطر في البال عند الاطلاع على كتاب الجمر هو نفسه ما خطر ببالي عندما اطلعت لأول مرة على كتاب هكذا تكلم زرادشت لنيتشه، فزرادشت هو نبي نيتشه والكتاب اشبه بانجيل نيتشه لذا أعتقد ان التشبيه المثالي او الوصف المثالي لكتاب الجمر هو أنه انجيل عبد الحليم حمود.

من نيشته بدأت الكتابة الشذرية فكانت مقولته الشهيرة “أحلم أن أقول في عشر جمل ما يقوله اخرون في كتاب كامل” ومن هنا كتاب الجمر يحاول محاولة جريئة في ان يرص الكلمات رصا فلسفيا عميقا بحيث تحمل كل كلمة منه طبقات مختلفة من المعنى وعلى القارئ ان يسقط على كل شذرة من الشذرات فكره الخاص وشخصه الخاص ولذا هو كتاب للجميع وليس لاحد في نفس الوقت.

من اتجاه اخر يمكننا ان نقول عن الكتاب انه أيضا كتاب التداعي الحر فنحن كقراء نتداعى نفسيا ونسقط أنفسنا على ما نراه من شذرات فهو كتاب اشبه بجلسة تحليل نفسي-ذاتي

لماذا اسم الجمر بكل بساطة لأنه كما اننا لا نستطيع امساك الجمر فإننا لا نستطيع امساك المعنى من هذا الكتاب، ببساطة لانه لا يخدم معنى ما بل يخدم جموع المعاني الفردية والجمعية فهو كتاب لا يقرأ بشكل نسقي بس بشكل عشوائي، فأنت كقارئ تحدد من أين يبدأ الكتاب، قد يبدأ من النهاية هذا هو جوهر الكتابة الشذرية.

شذرات مختارة من الكتاب:

عليك بدسّ الحطب تحت تنّور أمنياتك، مثل صلاة صوفيّ تحت قُبّة المسجد.السُّبحة بين أصابع العجوز. طقطقة جمرات وبَسْملات. لي حصّة من أيّام سجنك، من أرقكَ الأزليّ، من ارتجاف أوتار حُنجرتك، من النّار المُضرَمة فيك منذ ولادتك. يسمّونها روحًا، لا ضير. يليق بموقدك هذا الّلقب المحفور في كتب السّماء.حين تُفتح ستارة المسرح، لا أرى المُمثّلين على الخشبة. لا أُشاهد سِوى النّار النّابحة بالضّوء، المُتلاعبة بظلالنا، نحن المُتفرّجون الّذين نقتبس بعض شذرات اشتعالها، لنتجمّر على مقاعدنا، حال مَن سبقونا على ذات المقاعد.فرقعات الحطب، شتائم النّار.نحتشد ككُرات البرَد على صراط الجمر المُستقيم.أُغمض دهشتي لأرى حطب الدّاخل، لأشعل جسور الذّاكرة ، وأندم، فالهواء غير الفضاء، والجسم غير الجسد .

بينما يحمل الحكيم مصباحه لينير الزّقاق، ثمّة شاعر يرشق الشّمس بقلبه ليطفئها. ظلام كهذا، هو نور معكوس، إضاءة جوّانيّة، غير مرئيّة، لناحية القلب.

موقد وسط المعبَد، الله وقد تكثّف في جمرة.

بين النّبضة والنّبضة، مساحة نبضة مُعطّلة، فراغ ساكن، شبح شهقة موت. روحكِ تقطن هذه الهُنيهة بين ثورتين، مُمتدّة كبرزخ بين جمرتين.

كأسان وزجاجة مولوتوف. بداية مُبشّرة لحريق هَذي البلاد..

كلّ يوم هو بمثابة ضربة فأس في جذعك. أنتَ حطب موقد الغد.

الحنين غدّةً سرطانيّة تنتشر في الرّأس، وتتمدّد نحو القلب، فتفتك بالأعصاب، وتُردي مساحات من الرّوح. الحنين أسيد حارق.

(كتاب الجمر. 200 صفحة . صادر عن دار زمكان ـ بيروت)

الكاتب جعفر ضيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *