وحدها روسيا من دول العالم في مجلس الأمن التي رفضت لعبة الإستحمار التي مارستها الولايات المتحدة على اعضاء مجلس الامن فجاء الموقف الروسي ليقول بوضوح ان القرار مبهم وغير واضح ولا احد يعرفه الا الوسطاء في احسن الاحوال وان روسيا تفهم ما تقوم به الولايات المتحدة وحتى لا يسجل أحد اننا وحدنا من رفض وقف اطلاق النار او الدعوة اليه امتنعت عن التصويت تسجيلا للتاريخ الذي تعرف الى اين سيصل وقال المندوب الروسي بالحرف “نحن على اقتناع بأنه ليس من المناسب أن يوقع مجلس الأمن على اتفاقات بدون ضمانات ليس فقط بتنفيذها على الأرض، بل وأيضا بدون فهم واضح على الأقل لموقف الأطراف أنفسها منها “علما بأن دولا عديدة أشارت في كلماتها الى ضعف القرار والى حاجته للكثير إلا أنها بررت تصويتها بانها تعطي امل للشعب الفلسطيني دون ان تسعى لقول الحقيقة في ان الولايات المتحدة من تستطيع وقف هذه المقتلة وأنها وحدها المسؤولة عن مواصلتها وحمايتها بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة الدبلوماسية والمالية والعسكرية.
ووحدها حماس والمقاومة من خارج مجلس الأمن ومنظومة الإستحمار التي عرفت كيف تتصرف وترد على قرار الإستحمار هذا بان رحبت ثم قدمت تصورها كما ينبغي ان له ان يكون وحددت ما تريد وما لا تريد حسب مصالح شعبها الآنية والمستقبلية وهي أرادت ان تقول للولايات المتحدة ان لا للإستحمار وإننا وحدنا من يقرر ما نراه حقا لشعبنا وبلادنا.
ومن يقرأ نص القرار يفهم جيدا ان العالم الا من رحم ربي ويبدو ان رحم ربي هذا لا يشمل الا قوى محور المقاومة وروسيا التي تقاتل الولايات المتحدة عنوة وترفض الرضوخ لإرادتها ولا باي حال من الأحوال ولذا فهي وحدها من تقف على ارضية اللاعب المواجه لإرادة المستحمِر للعالم وقد وجدت معها فقط قوى محور المقاومة الذي بات اليوم يقاتل أيضا المستحمِر وقاتله المأجور.
القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2537 بشأن غزة جاء على النحو التالي
- يشير البند الاول الى انه ” يرحب بوقف إطلاق النار الذي قبلته ” اسرائيل ” في 31 ايار 2024 ويدعو حماس لقبوله وهذا كذب علني ويعلم كل من صوت على القرار أنه لا صحة ابدا ولا يوجد هناك ما يثبت او يشير حتى الى ان اسرائيل وافقت عليه وهو بهذا اعفى اسرائيل مسبقا من الرد على القرار وترك لها حرية الحركة دون ان يطالبها بشيء واعفائها من ذلك علنا وعلى رؤوس الاشهاد وقد قالت مندوبة دولة الاحتلال في الجلسة وعلى رؤوس الاشهاد ” إسرائيل لن تشارك في مفاوضات لا نهائية ولا معنى لها يمكن أن تستغلها حماس لكسب الوقت ” ولا يوجد اكثر من هذا القول إثبات أنها لا تلتزم بالقرار ولا بأي حال من الأحوال.
- القرار يتحدث عن تبادل اسرى في المرحلة الاولى لكنه في المرحلة الثانية يطالب حماس بإطلاق سراح ما تبقى من ” رهائن ” مقابل الانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من قطاع غزة وهذا يعني انه بدون تبادل اسرى على الاطلاق وهو ما يعني دفع لحماس لرفض القرار ثم اتهامها بأنها السبب في تعطيل تنفيذ القرار
- القرار ايضا كرس دور الولايات المتحدة بأنها وسيط وساواها مع كل من قطر ومصر رغم علم جميع أعضاء المجلس انها سيدة المقتلة وصانعتها.
- القرار تحدث عن مفاوضات دون ان يحدد اطرافها بشكل واضح وترك الباب مفتوحا للعودة للمقتلة واشترط عدم العودة باتفاق الطرفين او استمرار المفاوضات رغم ان مندوبة دولة الاحتلال قررت سلفا انها لن تذهب اصلا الى هذه المفاوضات وانها مستمرة في تحقيق أهدافها والقضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية بل إن مضمون كلمتها كان يتهم المدنيين الفلسطينيين بأنهم مشاركين وضربت مثلا بمذبحة الافراج عن الاسرى في النصيرات وهي بذلك قالت وإن قتل المدنيين الفلسطينيين واجب وحق.
حصلت الولايات المتحدة على كل ما أرادت ومنحت قاتلها المأجور قرارا أمميا بمواصل المقتلة الى ما لانهاية وجاءت بقرار مجلس الأمن لتلغي بذلك مكانة قرار محكمة العدل الدولية ولتوقف النتائج المحتملة لقرار الجنايات الدولية بعد ان حصلت دولة الاحتلال على تفويض أممي بان تكون هي من ينفذ القرار بان جاء في القرار ان مجلس الامن يدعو الدول الأعضاء العمل على تنفيذ القرار وطبعا بالنسبة للمجلس فان اسرائيل كاملة العضوية في الأمم المتحدة وهي ايضا يصبح من ” واجبها ” تنفيذه وكما تشاء.
حالة الإستحمار هذه ظلت متواصلة منذ انهار الاتحاد السوفياتي الى ان قرر الاتحاد الروسي استعادة مكانته وأخذ دوره ومواجهة حالة الإستحمار هذه وهو لم يجد حليفا له الا ايران الى ان جاء السابع من أكتوبر ليجد العالم ام القطب الواحد قد انتهى وكشف امره وان العالم اليوم عليه الاصطفاف مع اقطاب عدة تتحالف على الارض وفي المقدمة منها دول الاتحاد السوفياتي ومن معها في شرق أوروبا والصين في شرق آسيا وإيران ومحور المقاومة في الشرق الاوسط وهو ما يعني ان الأبواب مفتوحة لتشكيل اقطاب
اخرى وهي مفتوحة أيضا لبناء حلف عالمي جديد قائم على العدل والمساواة في مواجهة عصابة الإستحمار التي تقودها الولايات المتحدة.
فيما عدا روسيا وإيران وقوى محور المقاومة التي تواجه المشروع الامبريالي الامريكي بكل ما أوتيت من قوة وإمكانيات وعديد الدول التي ترفض الانصياع لهذا المشروع وتقف في الجهة المقابلة كالصين وكوريا الشمالية وبعض الدول التي تتمنع عن القيام بدور الخادم للمشروع فإن ما تبقى من العالم يقبل بالإستحمار الأمريكي لهم بكل بساطة ويغمضون عيونهم عن واقع الحال وكان شيئا من هذا لا يحدث وما يحدث في الشرق الاوسط اليوم وتحديدا على أرض غزة والجبهات المساندة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان الولايات المتحدة لا زالت قادرة على لعب الدورين معا دون ان تفقد استعداد المستحمَرين على القيام بدورهم كما تريد.
ان الاوضاع العالمية اليوم تؤكد ان هناك حاجة وامكانية لإقامة حلف عالمي يواجه مشروع الإستحمار هذا ويضع حدا للعنجهية الإمبريالية الأمريكية وقدرتها على استخدام عصر امبريالية المعرفة ” الامبريانولوجي ” ضد الشعوب ومقدراتها وحرياتها وهو بالتالي بات ضرورة ملحة بعد ان كشف العالم كل عورات الولايات المتحدة ضد روسيا وضد الشعب الفلسطيني وشعوب الشرق الاوسط وادارة ظهرها علنا و بالمطلق لمصالح الشعوب وحقوقها لصالح مشاريعها للسطو والنهب والسيطرة بشعارات كاذبة وفي العلن وبالتالي فان مواصلة الصمت عن ذلك يعني باختصار مواصلة القبول بانتقال الولايات المتحدة من دور المستعمِر الى دور المستحمِر الآخرين أيا كانوا
الأديب عدنان الصباح