لعنة القرب الجغرافي من الغرب للكاتب عبد السلام اضريف

هل القرب الجغرافي للعالم العربي من الدول الغربية ،يمكن اعتباره عاملا اساس محفزا للتنافسية الاقتصادية ، والعملية الديمقراطية ، وخدمة للصراع التنموي ، وانتعاشا للوعي السياسي ؟


حينما نتحدث عن الوعي السياسي ،نستحضر الاخر ، وكأن الاخر هو الذي بيده مفاتيح الغيب في تدبير الشأن العام ترابيا كان ام محليا ، وعي لا يعلم كُنهَ ابجدياته إلا هو ، وكاَن هذا الآخر هو النمودج الموازي للوحي في كونه نزل من السماء كطيف نبي ، في حين انه في الحقيقة لا يغدو ان يكون سوى اجتهاد بشري وُفق في صياغة محتواه رجال ياكلون الطعام ،ويمشون في الأسواق ، وما ذلك اجتهادات سياسية قياسية للبرهنة على ان تغيير الواقع السياسي من خلال مجموعة من التنازلات أمر ليس عسير الاستنباط ، كما انه ليس صعب التنزيل ، وذلك من خلال اهداف تسعى إلى الإحاطة وكذا دمج الواقع في مراحل متغيرة من أجل بناء وضع اقتصادي وتنموي مريح للمواطن .

حينما نتحدث عن قرب العالم العربي جغرافيا من أوربا ، تبدأ اللعنات تتناثر من طرف السياسيين قبل المواطنين ، فلعنات السياسيين العرب مختلفة تماما عن لعنات المواطنين ، فالشريحة الاولى تعتبر التموقع الجغرافي للغرب تموقع كله نِقمة ، وهو وبال عليهم اعتبارا لكون المجتمعات الغربية يسودها وعي سياسي ، كما انها تشهد تطورا اقتصاديا مشهودا ، هذا فضلا عن كون قواعد مناهجها الديمقراطية في تدبير شؤونها العامة مميزة ، بها سلطات هادية، لا تعيش تَغَولا في السلطات الممارسة من قبل حكامها من دون وازع ،ولا رادع ، بل الشفافية والحَوكمة هي عنوان تدبير الشؤون العامة الترابية او المحلية عندهم ، مواطنوها ينعمون بالحرية ،ودساتيرها تضمن الرفاهية لهم ، بها استقرار سياسي وامني ، كل هذه العناصر تنغص على السياسي أمر شؤونه ، حيت لا يستطيع مضاهات أوربا فيما وصلت إليه، كما انه عاجز تماما عن تنزيل أو بلوغ ذلك المستوى ، وهو بذلك يلعن القرب الجغرافي الذي يتجرعه ولا يكاد يسيغه اِذ انه يود لو ان هذا القرب بينه وبين المواطن العربي امدا بعيدا .

في حين ان لعنة المواطن العربي فهي تتمركز حول لعنتين ، اللعنة الاولى -وهي ايجابية – وتتمحور في كون ان القرب الجغرافي من اوربا ، هو مصدر الاطلاع على تاريخ الثقافة الاوربية، وعلى مفكريها، ومنظريها الاجتماعيين من أمثال:

” جان جاك روسو ” ،و” هوبز ” و ” مونتيسكيو ” وخاصة اسفارهم الفكرية التي حددت وبصورة دقيقة قواعد الحكم السياسي، فضلا عن قواعد تحديد المسؤوليات والحقوق والواجبات ، وذلك عبر عقود اجتماعية ارسي اشرِعتها المفكرون الانفي الذكر .
واللعنة الثانية – وهي لعنة سلبية – تتصدر كون القرب الجغرافي مع أوربا ،ابان عن تباين ، وشرخ باين بينونة كبرى بين مجتمعات العقود والمواثيق الاجتماعية الاوربية ، وبين هندسة المنوغرافيا السياسية الهشة في العالم العربي ( البيت خربان ،والحارس شديد ) كما في تحليل ” سامر سليمان” عن مصر . ومن تم تنطلق كل لعنات الأرض مصوبة سهامها نحو السياسيين ، والاحزاب ،وكل من له صلة بموضوع تدبير الشأن العام الترابي أو المحلي في العالم العربي .

فإلى متى سيتم هذا التوقف الاضطراري للعجلة المطاطية ، أو الاستعمال اللامتناهي للوقود الاُحفوري ، بدلا من الطاقات المتجددة في ترسيخ علاقة قوية ومتينة لجميع الميكانيزمات التي تحكم العملية الديمقراطية، حيت المواطن يكون فاعلا ، وحيت المجتمع المدني قويا ،والنسيج الجمعوي مؤثرا .

وإلى متى سيبقى هذا المواطن العربي مجرد سطر كتب بقلم الرصاص في ذاكرة صفحات التاريخ ، قابل للمحو في أي لحظة من لحظات الزمان ، أو أن هذا السطر الهش مؤهل للتاكل من طرف الاَرَدَة .

وجود الإنسان بصفة عامة ، لا يعدو كونه ليس سوى ومضة ، في ذاكرة الحاضر ، فكيف سنحافظ على هذه الومضة ( المواطن العربي ) ؟

وعل كل حال فطالما في الزمن بقية فلنحاول التغيير ،ولنحاول الاعتبار ، وليس هناك زمن بأفضل من زمان ،ولا مكان بأفضل من مكان، كما أشار إلى ذلك ابي حيان التوحيدي في مقابسته الخامسة .

وعليه فلا جدوى من اللعنات ، لكونها لا تذهب الضما ، ولا تبتل منها عروق .

ختاما أقول ما قاله ابن عطاء الله الاسكندري

” لا يَكُنْ تأَخُّرُ أَمَدِ العَطاءِ مَعَ الإلْحاحِ في الدُّعاءِ مُوْجِباً لِيأْسِكَ. فَهُوَ ضَمِنَ لَكَ الإِجابةَ فيما يَخْتارُهُ لَكَ لا فيما تَخْتارُهُ لِنَفْسِكَ. وَفي الوَقْتِ الَّذي يُريدُ لا فِي الوَقْتِ الَّذي تُريدُ” .

الكاتب عبدالسلام اضريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *