ما هي صفات المربي ؟
ما هي المؤهلات الخاصة والعامة للمربي
إشارة :
أعطيت كلمة مربي إطلاقاً (للمدرس … للمعلم … للأستاذ)
لأنها برأي أعم وأشمل
لان للتعليم والتدريس غاية أهم وهي التربية
1- قال كونفوشيوس :
للمعلمين مكانة ممتازة في تركيب الدولة لها نفوذها واثرها في الحياة الصينية.
2- وقال بسمارك (موحد الدويلات الألمانية وبعد انتصار حرب السبعين):
لقد غلبنا بمعلم المدرسة .
3- وقال جون ديوي :
ان تربية المعلم هي من الواجبات التي تستحق عظيم العناية
فهل أهمية المعلم تحتاج إلى أدلة وإثباتات ؟؟
صحيح إن مهنة التعليم تختلف عن طبيعة العمل الذي يقوم به المهندس والزارع والنجار او غيرها من المهن
لان المعلم يتعامل مع عقول ناشئة اولاً يكسبهم العلوم والمعارف معجونة بالسلوك المراد وفق فلسفة تربوية اجتماعية لها أهدافها وكذلك الحال بالنسبة للمدرس والاستاذ وبمختلف المراحل ومع التعامل مع العقول هناك التعامل مع الأجسام الناشئة بما يقدمه معلم ومدرس وأستاذ التربية الرياضية والبدنية من جهة اخرى .
وهنا تتحدد مهمة المربي
(المعلم – المدرس – الأستاذ ) الأساسية في بناء الجيل لتتحدد بها اشراقات المجتمع والامة ..
وعمل المربي هنا يحتاج للصبر وبنفس الوقت يحتاج من يقوم بمهنة التعليم إلى مؤهلات خاصة وقابليات وصفات معينة وثابتة كيما يؤدي رسالته على اكمل وجه
وليكن تفاعله مع النشئ وفق الفلسفة التربوية ايجابياً .
كما ان الإلمام والمعرفة بكل أساليب وطرائق التعليم والتدريس والمستجدات الحديثة
فهذه لا تفِ وحدها ليكون المربي ناجحاً على اكمل وجه
فلا بد من صفات وقابليات يجب ان تتوسم في المربي دون إغفال المؤهلات الخاصة والعامة .
صفات المربي :
ان الصفات التي أرى فيها ضرورة توافرها في كل مربٍ لكي ينجح في عمله نتيجة خبرتي واطلاعي الميداني ودراستي سواء لمدارس عديدة في استراليا-فرنسا وبعض الأقطار العربية ولعملي التعليمي الذي لازمتُ فيه لمعلمين ومدرسين ومن مختلف البلدان في أفريقيا ومن مختلف الفلسفات التربوية والتعليمية المتوارثة والمكتسبة إضافة إلى المستجدات التربوية والنفسية الحديثة التي أثبتتها الدراسات النظرية والميدانية أمكن تحديد هذه الصفات:
1- قوة الشخصية في المربي .
2- سعة الإطلاع وغزارة وغنى بالمعلومات الخاصة والحياتية.
3- التمكن من اللغة بكل مكوناتها وآدابها .
4- الرغبة الصادقة في المهنة (لان المربي لا يمكن له النجاح إذا كان بالأساس متكسباً بها) .
1-قوة الشخصية :
إن الشخصية هي قوة خفية تنبعث من ذات الإنسان فتضفي على صورته الحقيقية طابعاً خاصاً يجعله يؤثر في النفوس تأثيراً شبيهاً بالمغناطيس يختلف قوةً وضعفاً باختلاف المكان والزمان والأشخاص المتعامل معها فيتولد من تأثير هذه القوة مما يترك ويؤثر في الأشخاص ونفوسهم من انطباعات متعددة من حب وكره وهيبة ورهبة واحترام وقوة وضعف وتأرجح البساطة والغموض وعلى هذا فالانطباعات التي تتركها ما هي إلا سمات تشير إلى مكان شخصية شخص ما من الناس في مواكب الشخصيات الأخرى ومنها يقاس إلى شخصيته وفيها وما إنبعاثاتها ولهذا يمكن القول إن البحث في الشخصية وقوتها كالبحث عن الحقيقة التي لا بد منها . ان طرق التفكير والعمل الموروثة والمكتسبة لكل فرد تمنحه او تمنحها شخصية تختلف تمام الاختلاف عن شخصية أي فرد آخر ودون إن نسهب او نجافي الحقيقة فان علماء النفس والتربويون شغلتهم الشخصية وتحديدها الدقيق دون ان يجدوا التعريف الأمثل والحقيقي لها ونحن هنا في غنى عن الركوب في مركبٍ مبحرين في الاجتهادات والتعريفات والمصطلحات النفسية والتربوية في ذلك لكن الذي يهمنا هنا هو شخصية المربي ان الانطباعات المؤثرة للمربي والتي تترك أثرها كسمات لا يمكن لها الابتعاد عن إدراك وحواس التلاميذ والطلبة ومن هذه وجب ان يكون المربي ذو شخصية قوية جذابة محبوبة ومقدرة لدى تلاميذه وطلبته هذه الشخصية تفرض عليهم الطاعة بلا قسر او إجبار او كره ليتمكن من النفوذ إلى أعماق نفوسهم ومن ثم يصل إلى التفاعل والترابط الذهني مع التلاميذ والطلبة وليتمكن بالتالي من تزويدهم بما يرد من معارف وعلوم بيسر وفي هذه يمكن القول ان المربي قد بلغ الهدف من اقصر الطرق وأسهلها وأحسنها ولهذا نجد طرق التعليم الحديثة تعترف بان ( قوة شخصية المربي في التربية والتعليم أهم بكثير من خطورة موضوع الدرس الذي يقوم بتعليمه المربي ) فمتى انعدم احترام التلاميذ والطلبة للمربي وتقديرهم إياه ضاع الدرس وهدفه وفائدته فلا يجدي بعد هذا اتباع أية وسيلة من وسائل العنف والقسوة ومهما بلغت من القسوة والصرامة لا يمكن لها ان تصل إلى الغاية والهدف الأساس في عملية التربية والتعليم وهذا يعود بالأساس إلى التلاميذ والطلبة أنفسهم فهم يستجيبون بسرور ورضا لكل من يوفق إلى اجتذابهم ويتمكن من ان يقودهم إلى معطيات وحقائق وعلوم ومعارف لعقولهم وأجسامهم وعلى العكس نجدهم
ما يفقدون الثقة بالمربي اذا ما بدا منه أي ضعف في الهدف او قلة وشحة في العطف عليهم ومحاكاته لميولهم واتجاهاتهم ولنا هنا من الشواهد الكثيرة على تعلق التلاميذ والطلبة بالمربي فكم منهم ذرفوا الدموع حرقة صادقة على معلم او مدرس قد نقل إلى مدرسة أخرى او افتقدوه . إن شخصية المربي الناجح تعتمد على ثلاث ركائز إذا فقدت إحداها وتصدعت أصاب شخصيته التصدع والخلل والاضطراب وعدم السكون وعندها يصحب اقرب إلى الفشل منه إلى النجاح في عمله التربوي التعليمي ولن يبلغ مع تلاميذه او طلبته الهدف والغاية وهذه الركائز هي :
اولا-المظهر النفسي السلوكي :
إن السلوك وما يترتب عليه من حركات وتصرفات ترسم جزءاً من أجزاء الشخصية وتكشف جانباً من جوانبها ثم تتحد الأجزاء وتتجمع لتكون صورة تلك الشخصية وتوضحها مع الأيام التجربة والاحتكاك فالمربي يجب ان يكن رقيقاً عطوفاً في غير ضعف قوياً بلا قسوة متجاوزاً لحالات تستجوب التجاوز .
ثانيا-المظهر الخارجي :
للمظهر الخارجي للمربي أهمية في عمله فقد دلت التجارب والدراسات على ارتباط المظهر بقوة الشخصية ومحاكاة المتلقين للمربي مظهراً وسلوكاً سواء كان لبساً او تصرفاً وحتى هيئة التكوين الجسمي السليم هي من السمات الواجب وجودها في المربي .
ثالثا-القدرة على إدارة الصف :
ان المربي الناجح هو من يقدر على مواجهة معالجة الصغيرة والكبيرة داخل الصف وخارجه والتمكن من :
1- إيجاد الرغبة في الدرس .
2- إيجاد النظام .
3- الخالق للتشويق .
4- السيطرة الكاملة على الدرس والمتلقين .
4-القدرة على محاكاة المتلقين :
ان القدرة على محاكاة المتلقين قياساً على عمره العقلي والزمني وهذا بحد ذاته فن لا يجيده الا القلة وهنا تبرز شخصية المربي بشكل واضح وتظهر قدرته في تطبيق الأساليب التربوية الصحيحة في مدى إفادة المتلقين من علوم ومعارف وهنا يكون للاستعداد الشخصي لدى المربي اكبر الاثر في الإجادة والتبريز والتميز وصولاً إلى الربط الإيجابي بين التربية ومختلف العلوم والحياة ضمن فلسفة اجتماعية كبرى والمربي المجيد من يزيد من قوة الاتصال والترابط بينهما.
رابعا-سعة الإطلاع :
ان عمق الثقافة والإلمام ببعض من مختلف العلوم والمعارف وغزارة المادة ما هي إلا من مستلزمات نجاح المربي لان العلم والمعرفة أداة المربي فليس من مهنة في الحياة تحتاج إلى ازدياد دائم وغزير من الثقافة والمعارف بحثاً وخبرةً ونشاطاً وتجارباً مثل مهنة التعليم فسلاح المربي وادواته هو العلم فكما وصل سقراط إلى عقيدة فلسفية قوية قوامها (الفضيلة هي المعرفة) كان بوذا يعتبر الجهل من الكبائر وكوفوشيوس: ( يدعو الإنسان إلى تثقيف نفسه وتهذيبها لان المعرفة كما يقول هي وسيلة في الحياة السعيدة الهامة التي تخلق الإنسان المهذب والعائلة الصالحة والحكومة العادلة تؤدي إلى خلق عالم تسوده المحبة والعدالة والسلام ..) وبما ان مهنة التعليم هي مهنة مقدسة وذات أهمية كبرى في حياة المجتمع والامة وتقرر ما سيكون عليه مستقبل الوطن والامة لذا فان سعة اطلاع المربي ضرورة حياتية له وللنشئ وللمجتمع ككل فالمربي الناجح هو القادر على ان يزيد من قوة الاتصال والترابط بين مختلف العلوم فمعلم الجغرافية مثلاً لابد له من الاطلاع والإلمام بجغرافية العالم ككل البشرية – الطبيعية – الاقتصادية – السياسية سواء أشكال التضاريس / مصطلحات جغرافية ومسميات للبحار والمدن وللظواهر الطبيعية / رياحاً وأعاصير ومواسم سقوط الأمطار وخطوط الطول والعرض فلا بد له من الإلمام بعلم الفلك والطبيعيات والتاريخ كي ما يستطيع الربط بينهما ربطاً محكماً حيثما تدعو الحاجة ذلك. والتعليم الجيد الهادف هو هذا الربط فلا نريد إغفال الأسئلة الاحراجية الاستفزازية والاختبارية من قبل التلاميذ والطلبة للمعلمين والمدرسين ولكي يصل المربي إلى الإجادة والإتقان في عمله وصولاً إلى أهدافه ولكونه صاحب رسالة لابد له من القراءة واجادة فن القراءة المؤدية إلى اكتساب المعرفة وان يحيط بقواعد القراءة ليجني منها أطيب الثمار سواء كانت قراءة استمتاع ومعرفة او البحث او التسلية مبتعداً عن القراءة غير المفيدة وكما قال عنها (فاليري لاربو) تكون القراءة (غير مفيدة بل تصبح رذيلة لا عـقاب لها ) فحينما تكون قراءة سطحية يجهل القارئ أساليبها الصحيحة او تهرباً بها من عالم إلى عالمٍ ولنا في قول الرسول – صلى الله عليه وسلم- :
(( كونوا دعاة ولا تكونوا رواة )) .
لذا يجب على المعلم والمدرس والأستاذ ان يتعلم لا ليعلم فقط لانه باحث ودارس ليكون الأكثر فهماً للحياة والأقدر على تحقيق ما ترمي إليه التربية والتعليم من أهداف وهنا يمكن تحديد وظيفة القراءة في حياة الفرد والمجتمع .
-وظيفة القراءة في حياة الفرد :
ان القراءة في الحياة قد تعدت مرحلة التعلم والقدرة على القراءة وكذلك مرحلة كون القراءة غاية مقصودة بذاتها . بل أصبحت غاية التربية والتعليم كونها وسيلة لكسب المعلومات وزيادة الخبرات حيث تزود الفرد بالأفكار والمعلومات وتقف به أمام التراث الحضاري الإنساني .. إن الإنسان يستقي معلوماته من ثلاثٍ
أ- التجارب الشخصية
ب- الحديث مع الناس (البيئة)
ج- القراءة وهي الأوسع والأقل كلفة وابعدها عن الخطأ .
2-وظيفة القراءة في حياة المجتمع :
للقراءة مهمة كبيرة وخاصة في حياة الشعوب وأهمية متميزة في عملية النهوض الاجتماعي لخصوصية القراءة من حيث:
1-ان القراءة وسيلة مهمة جداً في نهوض المجتمع وارتباطه وتفاعله عن طريق الصحافة / المؤلفات / الكتب / الفلسفة الاجتماعية / فلسفة الدولة والأحزاب والبرامج السياسية والاقتصادية وغيرها ..
2-إن القراءة من أهم الوسائل التي تدعو للتفاهم والتقارب والترابط بين عناصر المجتمع بكل شرائحه .
3-إن للقراءة دور خطير في عملية تنظيم المجتمع تعاملاً وتبادلاً للمصالح واتصالاً بالموروث الحضاري الخاص والعام ..
4-إن للقراءة دور هام في تنظيم المجتمع ككل والمحافظة على تماسك هذا البناء ومن كل ما تقدم نجد المربي ومهنته ليست بالسهلة واليسيرة ومتأتية من أهمية دوره الريادي في عملية التربية والتعليم للنشئ والشباب وما سيكون عليه مستقبل الأمة ، ولنقل من هم الشباب ؟ ولمَ التركيز على الشباب ؟
ان جميع الأمم والمجتمعات تجعل في راس برامجها هو التركيز على الشباب وتفرد له اهتماماً كبيراً ومتميزاً وهذا يعني ان المستقبل سيكون للشباب والحاضر يبنيه الشباب فالحاضر بما فيه وما عليه هو جنيُ الماضي والمستقبل غرس الحاضر ..
ولهذا تتجلى الصورة واضحة لمهمة المربي في النشئ والشباب فكيف بنا أمام البعض ممن اتخذوا المهنة مكسب رزق فقط وتحددوا وتقيدوا بما حصلوا عليه في مراحل تعلمهم ؟ أقول هنا بلا قسوة : ان البعض قد تحول شبه متعلم ونصف امي حضاري بعد تعينهم وانصرافهم لمواجهة متطلبات الحياة فلنتصور كيف سيكون عليه حال الجيل ؟ وهنا يجوز لنا التقسيم على أساس من يقرأ ويكتب من الناس على نوعين
النوع الأول / مثقف
النوع الثاني / غير مثقف ويطلق عليه متعلم
فكل مثقف هو متعلم وليس العكس صحيحاً . لان بين المثقف والمتعلم فرقاً كبير جداً فالمثقف يتمتع ويمتاز بغزارة علمه ونضوج التفكير ورحابة الأفق ينهل من كل علمٍ يستزيد من كل فن يغترف من كل لون من ألوان المعرفة الإنسانية حتى وان لم تكن من ضمن اختصاصه انه عاشق معرفة واطلاع. يطبق ما فقههه من آراء وما استخلصه من قيم وأفكار .. وهكذا بالنسبة لحال المربي المتفاعل تفاعلاً ايجابياً مع عمله ومجتمعه أما المتعلم فهو الذي اكتفى بما تعلمه في مراحل الدراسة منقطعاً عن الدراسة والقراءة والتتبع والبحث والتقصي ظناً منه في ان ما حصل عليه من الدراسة فيه الكفاية والغنى فإذا بالأيام والسنين تمر حتى تجد المتعلم قد صار اقرب إلى الأمي منه إلى المتعلم وهذا سبب محزن يندرج ضمن الأسباب الكثيرة في تدني المستوى العلمي للمتلقين لان المربي يجب أن يكون ذو اطلاعٍ وغزير المادة التي يقوم بتعليمها او تدريسها وغني بالمعارف والعلوم …
د ياسين جبار الدليمي