الثقافة ودورها في صياغة المشروع العربي النهضوي في عالم متغير ل د. ياسين جبار الدليمي


عانت وتعاني الامة العربية جماهيراً وانظمة حكم كثيراً من حالات التمزق والانفكاك ومواجهات التحديات والمخططات الاستعمارية الهادفة الى وهن وتفكيك الامة العربية سعياً لتخلفها وعدم انبعاثها من جديد كأمة عربية شادت من الحضارة والتقدم الكثير واغنت البشرية حضارة وعلماً وتعاملاً انسانياً قلَّ نظيره . وقد اتخذت هذه التحديات اشكالاً متعددة اهمها:


1- الغزو والاستعمار العسكري


2- التفكيك والتشطير الجغرافي والبشري للارض والامة العربية كأمة واحدة من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي .


3- الغزو الثقافي بطمس معالم ثقافة الامة العربية ابتداءاً من محاربة لغة العرب الجامعة والطعن بها والتجهيل التعليمي والثقافي واحلال لغات المستعمر والسعي لتكريس اللهجات المحلية وتفعيل ودعم القطرية وتكريسها بعد ان طالت الوطن العربي اقلام التقسيم والتجزئة والتفتيت على خارطة الوطن العربي اتفاقية ((سايكس-بيكو)) وترسيخ السيادة القطرية وخلق التفاوت الهدام بين ابناء القطر الواحد او الطعن بالانساب العربية واختلاق انساباً جديدة وصولاً لتجذير اثنيات قومية وطائفية في الوطن العربي او حتى داخل الحدود المصطنعة للاقطار العربية وجعلها نائمة لحين احتياجها قنابل وازمات موقوتة لابد من تفجيرها في المكان والزمان المناسبين .
اما الغزو الفكري فقد أخذ مديات متعددة بتكريس الفكر الاستعماري الاستعلائي بايجاد مدارس فكرية تغريبية للانسان العربي عبر هذه المدارس وتبجيل حركات التنوير الاوربية وايجاد الوهج في واقع متخلف ضمن حدود البيئة العربية فنجد المدرسة العلمانية دون رفضنا للعلمانية الايجابية المتطابقة مع فكرنا العربي وعقيدتنا الاسلامية وثوابتنا الوطنية والقومية ونجد كذلك المدارس الفكرية من اقصى الشمال الى اقصى اليمين من المدارس الماركسية والماوية والاشتراكية والمدارس الاقتصادية ذات المفهوم الاشتراكي بمدارسه ومذاهبه ومدرسة الاقتصاد الحر واقتصاديات السوق فهذه المعاناة قد انعكست سلباًعلى الجماهير العربية وحركتها التاريخية وانحسار حصيلتها من حيث كون هذه الحركة بجوهرها ساعية لتحقيق الاستقلال الوطني والقومي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً من دون هيمنة او وصاية او تبعية .


وانعكست كذلك على البعض من انظمة الحكم في الوطن العربي متجسداً بحالة الوهن والضعف السابق للموت حينما تخلت عن المشروع النهضوي الوحدوي للامة العربية فنجدها في حالة من التمزق في المواقف وانعدام الاتفاق بالحد الادنى في رسم السياسات وتحديد المواقف والضعف الواضح في الدفاع عن حدودهم المصطنعة قطرياً وحتى عن مواقفهم السيادية . ان هذه التداعيات قد توالدت في الامة العربية توالداً استنساخياً ومتوارثاً فنجد :


1- التمزق في الوحدة القطرية (الوطنية) .


2- غياب المناداة بالوحدة العربية عبر دعاوي القطرية والانفصالية من خلال دعاوي الحكام .


3- مناخ اليأس وفقدان الثقة لدى الجماهير العربية بنفسها احياناً وبالانظمة القائمة احياناً كثيرة بل وقد تكون لازمة عند اجيال الامة على مدى العقود الثلاثة الاخيرة من حياة العرب .


4- الاحباط واليأس المتوارث في عدم اتفاق الحكام العرب على الحد الادنى من الثوابت والقواسم المشتركة العربية .


5- غياب الشفافية في السياسة العربية سياسياً واقتصادياً وادارياً .


6- الخلل في المجتمعات العربية وغياب العدالة الاجتماعية وتفشي الفساد .


7- القبضة الحديدية في معاملة الجماهير وظهور فلسفة الهبات السلطانية في الاعتراف بحقوق هذه الجماهير السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون اغفال فساد اجهزة الادارة والسلطة والمطلق في انتهاج سياسة الاضطهاد الاجتماعي والسياسي .


ان كل ما تقدم ما هو الانتيجة طبيعية لخروج العرب على الثوابت الوطنية والقومية العربية مع عدم اغفال اجتماع عوامل متعددة واجهت وتواجه الامة العربية عسكرياً واقتصادياً وثقافياً عبر موجات متلاحقة من الهجمات وما يهمنا في هذا المقام هو المواجهة الثقافية ودورها في صياغة المشروع النهضوي العربي في هذا العالم المتغير ولنا هنا استعراضية لواقعنا العربي الثقافي ( ولو على عجالة بلزوم ما لا يلزم).


1- يعاني مثقفوا السلطة من جهل فاضح في تاريخ الامة العربية وميراثها القومي ولهذا نجدهم يعتمدون ثقافة لا صلة لها بالتراث العربي الاسلامي .


2- شراء السلطة واجهزتها للمثقفين ورجال الدين وانصاف المثقفين دينياً وتربطهم في تلك السلطة ليتحولوا الى وعاظ ومثقفي السلطان .

3- الجهل التام باللغة العربية وآدابها فالادبيات تشكو من تدهور البناء اللغوي للعبارة السياسية ومستوى الاداء اللغوي الركيك وفداحة الخطأ اللغوي في الخطاب السياسي وهذا متأتياً من جهل كامل بقوانين الكلام وروحية اللغة العربية .


4- غياب الموروث الشعبي العربي في الادبيات ( قصة / رواية / شعر / مسرحية) وانعدام استلهامه قومياً يقرب بين ابناء العروبة بحكم الثوابت والقواسم المشتركة قومياً وهذا متأتياً من الجهل في صناعة الاعلام والاستلهام.


5- لم تتشكل في الذهن القومي العربي صورة البطل القومي الانسان الذي يستحق احتفاءاً و استحضاراً واهتماماً لعدم اشغال اصحاب المهنة لمراكز الثقافة والاعلام الرسمية وشبه الرسمية وبعدها عن اهتمامات الجماهير وموروثها الشعبي وتقاليدها وعاداتها المتوارثة .


6- تلوث البيئة العربية بالثقافة الواطئة والوافدة المستهدفة للعرب وتكوينهم وحياتهم عبر اهداف هذه الثقافة الوافدة والواطئة السلوكية والاستراتيجية في احداث متغيرات في العقل القومي العربي وللشباب اساساً وابعادهم عن قيم وتعاليم الموروث القومي العربي الاسلامي واشغالهم باهتمامات منحرفة .
ان ما يتعرض له الوطن العربي ارضاً وشعباً من تحديات ثقافية واعلامية وحضارية ساعية لتحطيم الوجود القومي العربي تبدأ بتكريس ثقافة تغريبية لاحداث انهيارات فكرية وثقافية ونفسية وتربوية ايصالاً للعرب الى حالة الضعف والخوف والتردد السائدة في بعض مجتمعاتنا سياسياً واجتماعياً والمنتجة للفكر اليائس والانهزامي المراد له تاسيساً عمودياً وافقياً .


فنحن هنا نرى بضرورة ملحة باطلاق مشروع ثقافي واعلامي نهضوي مواكباً لفعل المتغيرات والتطورات الدولية والعالمية واستحقاقات ذلك سياسياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً يرسخ هويتنا القومية والعربية الاسلامية واحداث متغيرات هادفة واعية ناضجة وتاريخية في مسار الامة العربية برؤية دقيقة شاملة تجددية مستوعبة لروح الامة العربية وموروثها الحضاري العميق باستشراف المستقبل الموعود موحداً قومياً بدولة الوحدة القومية الجامعة لابناء

العروبة من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي فاننا نوصي :
اولاً : الاطار الفكري ويشمل ما يلي :
ان حركة نهوض قومي جديد لا يمكن لها الوجود بغياب الديمقراطية وهي مهمة في تحرير الارادة والعقل العربي واعادة الاعتبار لها .


د. ياسين جبار الدليمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *