قراءة في ماسبق للكاتب والباحث محمود النادي

لو استعرضنا ما جرى منذ أسبوعين في قطاع غزة، لوجدنا ما يلي:

١- تعطل المفاوضات بين المقاومة والكيان الصهيوني، مما أدى إلى ازدياد الوضع الإنساني سوءًا نتيجة إغلاق المعابر واحتلالها من قبل الجانب الصهيوني.

٢– محاولة اغتيال ترامب، وتزايد ضربات جبهات الإسناد والرسائل الهدهد الواضحة.

٣– جبهة البحر الأحمر تصعد عملياتها ضد الكيان الصهيوني وخاصةً عملية أم الرشاش.

نبدأ من المقاومة الفلسطينية التي استطاعت أن تفهم قواعد اللعبة منذ السابع من أكتوبر. رفضت ركوب قطار (التسوية)، واستمرت في مقاومة الاحتلال بوسائل بدائية محلية الصنع، إلى أن راكمت وتطورت نتاجها الدفاعي ليرقى إلى مستوى تطلعاتها وأحلام الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

بعد عملية طوفان الأقصى البطولية، وضع نتنياهو أمام نصب عينيه هدفًا واضحًا: القضاء على حماس والمقاومة. لكن سرعان ما ارتطم رأسه بصخرة أسمها الشعب الفلسطيني. أراد أن يقتلع هذا الشعب من غزة عبر كل الوسائل والضغط والوعود، لكن كلها لم تفلح. لم يبقَّ أمام عقيدته الصهيونية المتعمقة في الإجرام سوى القتل والإجرام والتوغل في دماء الأطفال والنساء والشيوخ. جرب كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا، واستخدم أحدث التكنولوجيا للضغط على أهل غزة، لكن لم يفلح في تهجير الفلسطينيين، الذين بنوا الخيام فوق بيوتهم المدمرة وعادوا إلى بعض المناطق التي لم يتمكن جيش الاحتلال من البقاء فيها من شدة المقاومة، دون أن يجد لو صورة نصر بسيطة.

فقد عقله واخذ يبحث عن الذرائع كأنه يدور في حلقه مفرغة، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية ووصول دفعة من الصواريخ الذكية، اعتقد أنها ضوء أخضر أمريكي من جديد وقت مستقطع يحلو له الإجرام. فطالت صواريخ حقده الخيام في المواصي، خان يونس، التي استشهد على أثرها أكثر من ٩٠ شخصًا، جلهم من الأطفال والنساء بدم بارد.

ليخرج ويصرح أن المعلومات غير مؤكدة، اغتيال القيادات الفلسطينية كالضيف وقائد خان يونس، لكن الأمريكي عبر وزارة الخارجية لم تنبس ببنت شفة، كأنها على علم مسبق بالجرائم. أن صح التعبير مشاركة بشكل أو بآخر تحاول حفظ هيبة الكيان الصهيوني المتبقية بعد أن خسرت الرهان على نتنياهو، الذي يفضل المستقبل السياسي وراهن على أضاعة الفرصة على عودة الأسرى لدى حماس.

إن نتنياهو يعتقد أن المقاومة متمسكة بخيار المفاوضات، أن المقاومة أبقت على جلعاد شاليط في حوزتها مدة لا تقل عن ٥ سنوات، حتى استطاعت أن تبادل ضمن شروطها الخاصة. أي أنه لا يمكن القفز عنها في أي قرار يكون نقطة تحول استراتيجي في الصراع العربي الصهيوني.

إنها تقوم بعملية التفاوض للتخفيف من عناء العدوان والحالة الإنسانية العاجلة، ولضمان عودة النازحين إلى بيوتهم، وإخراج المعتقلين الفلسطينيين، وإدخال المساعدات، وفك الحصار عن القطاع، وإعادة الحياة لغزة وأهلها. لكن نتنياهو يعرقل المفاوضات ويستغل ويستثمر دماء الفلسطينيين لإرضاء جمهوره الداخلي المتأزم أصلاً، قبل السابع من أكتوبر، أي قبل عملية طوفان الأقصى البطولية التي أخذت تزداد هوة الخلاف بين الفرقاء السياسيين، الذين لا يجمعهم سوى قتل الأبرياء والقضاء على فكرة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد وباقي الفصائل، لأنها أصبحت كابوساً يلاحق مستقبلهم وجودهم.

إن الإنجاز الذي حققته المقاومة في صمودها أمام كل هذه الجحافل والتكنولوجيا هو بحد ذاته سياسة ردع، وتبنيها موقف واصخ،

عدم الرضوخ لشروط الكيان والإدارة الأمريكية بشقيها الجمهوري والديمقراطي، الداعمة للكيان، ما هو إلا بداية التحرير والنصر القادم بإذن الله.

إن الشعب الفلسطيني، الذي لم يتخلَّ عن أرضه وهويته، يبقى صامداً في وجه العدوان والتحديات. المقاومة الفلسطينية تمثل رمزاً للعزة والكرامة، وتجسد إرادة الحياة والحرية للشعب الفلسطيني. رغم كل المحاولات اليائسة من الكيان الصهيوني لاقتلاع هذا الشعب من جذوره، إلا أن إرادة الحياة والتشبث بالأرض والحقوق لا تزال حية في قلوب الفلسطينيين.

إن هذه المعركة ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي أيضاً صراع إرادات ومعركة وجود. المقاومة الفلسطينية تثبت كل يوم أن القوة الحقيقية ليست في الأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة، بل في الإيمان بعدالة القضية والصمود أمام الظلم.

ختاماً، علينا أن نتذكر دائماً أن الحق لا يموت مهما طال الزمن، وأن إرادة الشعوب لا يمكن قهرها. المقاومة الفلسطينية ستظل عنواناً للكرامة والصمود، وستبقى رمزاً للأمل والنضال حتى تحقيق النصر والتحرير الكامل للأرض الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف.

الكاتب والباحث محمود النادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *