حين يجتاحني الأرق، اتزود بحبر قلمي، ابعثر أمامي
سجائري، وبعضا من الخمر الذي رافقني منذ تلك الواقعة، اسكب قطرات الكأس بالتساوي بيني وبين الأوراق، رشفة فوق لساني ليتلذذ بالطعم المعتق، وأخرى فوق الصفحات البيضاء لتنتشي بالكلمات المخمورة.
تتمايل السطور بخصرها الرقيق، من ثم تقفز أمام عيني لتداعب شعري بأسرارها، تتساقط فوق جسدي العاري الا من الاوشام، لتدمغني بالجنون
فتجدني اهرول كالمجذوب لأرتمي بحضن حبيبتي.
حبيبتي التي تعشق الاريكة منذ انتقالنا الى هذه المدينة، كأنها ولدت من أنسجتها، بوجه أبنوسي، وشعر كشلالات نياغرا، عيناها بؤرة شغف، والنمش كذرات التراب متناثر فوق وجنتيها وانفها، فمها يتموضع بخبث من ينتظر بث سمومه في ضحاياه، فم يحمل الشهوة بين شفتيه، وسم قاتل في لعابه.
غير عابئ بما سيعتريني، أرمي نفسي أمامها بنهم متشرد وجد ضالته، أفرغ جوعي في جوفه، اداعب اناملها الجافة، وجسدها الناعس. بقربنا ثعلب رمادي، يخترق بمكر نظراته تفاصيل القبلات، ينزوي بعواء خفيف مبتعدا من حضنها.
اتمعن فيه، ينوء تحت ثقل الدفء المحروم منه، بغيضٍ مكبوت، ادفع جسدي المحموم ناحيتها، امزق فستانها الكحلي، كوحش بربري ابتلعها، أريد اغاظة ذلك المتلصص الرمادي، لعله يهجم على رأسي فينهشه، ويريحني من ثقله، لكنه جبان، يدفن رأسه تحت الوسادة، وعيناه عالقتان، في الخواء، أرمقه بإبتسامة خبيثة، من ثم أعود إلى الجسد المبتل بعرقي، لأتزود بالحب من طيفه، وانثره فوق صفحاتي
ارفع ثقلي عنها، وجسدي ما زال جائعا، افتش عن معنى لوجودي، اقترب بخطى غير متوازنة، ناحية الشرفة لأداعب نبتة الصبار الراقدة على حافتها، يرهقها الشوك العالق على ثوبها، تناديني كي أقتلعه، وازرعه في قلبي، أمسك بالنتؤات المسننة واحدة تلو الاخرى، وابتلعها دونما الم، حانقا على المرق البارد الذي لم يعجبني طعمه، جارتي العجوز لم يعد طعامها جيدا، ربما تتقصد ذلك، لتخبرني بطريقتها العمياء أنها ملت من ملء الصحون الفارغة.
اسرح قليلا خارج حدود الظلام، لا اسمع الا دندنه الجنادب تغني بصوتها المتقطع، على حفيف الأشجار وصرير الشباك المفتوح، ينقذني ذلك الصوت من أرقي، يغني لي اغنيه الوحدة، كي اغفو على خشب مكتبي منسكبا فوق أوراقي، بشلالات من شخير متقطع. في مشهد من مشاهد كوابيسي، ألمح خليلتي كيف تجتث مؤخرتها من الاريكة، ترفو الحيطان من فرو الثعلب، وتطبخ لي الافعى الصفراء التي اقتنيها، انهض مذعورا، لأجد الجدران تقهقه على دغدغات العقارب المنتشرة فوق صلابتها، مسموم منزلي يملؤه الرعب، لكنني أجد الأمان داخل تفاصيله.
لا يعنيني تربية القطط، رغم حزني على تشردها في شوارع المدينة الباردة، ولا يهمني إطعام الكلاب الجائعة، وفيٌ لتلك المخلوقات الباردة، أنقب الأرض من عقاربها، وازرع بها سجادة بيتي، وأصطاد الثعالب هدية لحضن المرأة التي تشاطرني مخاوفي وأريكتي، أما الافعى فقد وجدتها تنزف ذات يوم ماطر، فاحتضنتها، وعندما طابت، كافأتني بالزحف داخل اروقتي الخاوية، اعجبها جحري فشاطرتني غموضي.
حتى النساء المنتشرات في محطات قطار الليل، لا يغريني عريهن، ولا حتى تساقط افخاذهن أمام ناظري، مخلص لتلك المولودة من رحم ألانسجة الباهتة، لا ينسكب حليبي الا فوق صدرها الازرق، كم من مرة تساءلت عن
غرابة الريشة التي رسمت تفاصيلها، وجهها، صدرها، حتى عنقها خالي من اللحم، يملؤه الجزع، ما بين فخذيها كهف يطاردني، كل ليلة كي أرمي حممي في عتمته.
الروائية هبة قطيش