لم يكن خطاب رئيس وزارء “اسرائيل “بنيامين نتنياهو امام مجلس الكونغرس الامريكي مساء امس الاول الاربعاء والذي استمر ساعة كاملة خطاب ضيف حليف،ولا زائر فوق العادة،بل خطاب تخطى كل العادات والتقاليد الدبلوماسية السياسية المعتادة،حتى مع اقرب الحلفاء في العالم،وعلى مر التاريخ المعاصر على الاقل،فقد كانت لغة لسانه حادة وعالية النبرة،ولغة جسدة متوترة متناغمة مع تلك الحدية،وهي اقرب الى الصراخ منها الى الكلام،واقرب ما تكون للشعبوية العاطفية،والمفاهيم النمطية المعتادة التي درجت عليها كلمات وخطابات ومقابلات وتصريحات رئيس حكومة اكثر الحكومات ” الاسرائيلية ” تطرفا،وهو لم يأتي بجديد،وكل ما قاله شبه مكرر،ففي الاسطر الاولى،وصف ايران ومن يدور في فلكها حسب قوله بـ”البربرية المتوحشة”،وانه ودولته والولايات المتحدة هما الدول الحضارية،وان الصراع في الشرق الاوسط ليس صراع حضارات،بل صراع توحش وحضارة،ولكن ما لفت الانتباه اكثر في هذا الخطاب هي نفسية التعالي والعنصرية التي حملت عباراته في طياتها الكثير منها ،ليس لمن يصفهم بأعدائه فقط،بل من هو في حضنهم وفي اعينهم،وهم الامريكان،فمثلا قوله أن احداث السابع من اكتوبر لهي أعظم من احداث الحادي عشر من ايلول بعشرين مرة،فعلي أي مقياس قاس نتنياهو تلك المفاضلة في الحجم إن جاز التعبير؟هل هو عدد القتلى في الحادثتين ؟؟فحسب الاحصاءات الامريكية الرسمية بلغ عدد القتلى في هجمات الحادي عشر من أيلول 2977 قتيل،وستة الاف جريح،بينما يقر هو(نتنياهو) بأن عدد قتلى السابع من اكتوبر 1200،قسم منهم قتل على يد جيش حكومته حسب تحقيقات صحفية ومصادر رسمية،وفي هذا تميز عنصري يبخس من القتيل الامريكي في تلك الحادثة مع القتيل الاسرائيلي في الحادثة المقابلة سواء للأعداد او لمضاعفة حجم الاثر.
الامر الثاني :- هو وصفه المتظاهرين الامريكان الرافضين لاستمرار الحرب على غزة ومطالبتهم بوقفها فورا،سواء كانوا طلبة جامعات او نشطاء من الشعب الامريكي بأنهم “اغبياء”،وهذا النعت يعيب على أي رئيس في أي حكومة وصفه لمعارضية او حتى اعداءه،فكيف يليق بمن يصف نفسه رئيس حكومة حضارية ديمقراطية أن ينعت اصوات في دولة تشابهه الحضارة والديمقراطية كما يدعي بأنهم اغبياء وألعوبة في يد ايران؟؟ باعتقادي ان في ذلك اهانة واضحة لحرية التعبير في تلك الدولة الكبرى التي توفر له ولحكومته كل الدعم والمساندة،وهو تحقير شريحة من شرائح المجتمع الامريكي.
المسألة الثالثة :- عندما يقول انه سيقاتل ايران ومحورها دفاعا عن اسرائيل ودفاعا عن امريكا،وعندما يقول ان المشروع النووي الايراني الخطر الاكبر والوجودي على اسرائيل وعلى المدن الامريكية،هو يذهب لتجاوز التحالف بين ” دولته ” الصغرى،والولايات المتحدة القوى الكبرى في العالم،ويظهر لممثلي الشعب الامريكي في برلمانهم أنه سبق برؤيته وحكمته وسداد رأيه حتى رؤساء وحكام تلك الدولة العظمى في تحديد الاخطار التي تحيط بهم،وانه قادر على كف تلك الاخطار،سواء بتكليف أو دون تكليف،وفي هذا تجاوز قد يغيظ الادارة الامريكية،ومس في استقلالية اتخاذ القرارات الامريكية وتقدير أين تكمن مصالحا..
في المسألة الرابعة والأخيرة :- ما قاله في ختام خطابة أن تحالفه مع الولايات المتحدة وتحالف الولايات المتحدة معه ومع إسرائيل باق والي الابد،وإلى الابد هذه تتنافى مع ابسط ابجديات السياسة التي من أهم بديهياتها أنه لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم ،توجد مصلحة دائما،هنا نتنياهو المنتشي بثقته المفرطة قرر،وأطلق القرار في مسألة تهم طرفين،والقرار فيها لا يحق لجانب واحد في أي جانب من جوانب التحالف الابدي،وفي ذلك هدم لمرتكز سياسي اصيل في التحالفات السياسية والاستراتيجية من جانب،ومن جانب آخر تغييب للرأي الثاني من التحالف،حتى لو كان كثيرا منه أو معظمه موجود في ارض الواقع.
إن كلمات نتنياهو امام الكونغرس الامريكي والمتعلقة في مخاطبة الامريكان سواء كانوا برلمانيين او ادارة امريكية أو حتى جماهير وأحزاب ونخب فيها من مذاق الاملاءات،وحسم القرارات،ورسم الخطوط الكبرى والصغرى لما عليها وما سيكون هذا التحالف،والنابع من رغبة اسرائيل الجامحة لجر الولايات المتحدة الى مشاركتها الان في كل الحروب التي تشنها وتنوي شنها في المنطقة ضد اعدائها،سواء كان ذلك عكس مصالح الولايات المتحدة ام معها،لأن اسرائيل وحسب كلمات رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تريد أن تقول لداعمها الاكبر ومساندها الاعظم في العالم “لا اريكم الا ما ارى”،وفي ذلك إهانة كبرى لأدنى اسس التحالفات بين الدول الوازنة والعظمى،فكيف إذا كانت بين “دوليه” لازالت تصارع البقاء في محيط رافض،ودولة عظمى مثل الولايات المتحدة الامريكية؟؟
الكاتب والباحث عصري فياض