في زنزانة مكتوب عليها رقم 420وهو نفس الرقم المطبوع على البدلة التي يلبسها ذلك السجين الذي كان يقبع داخلها جالسا في إحدى زواياها وظهره إلى الباب ووجهه إلى الحائط، يعض أصابعه ندما على ما اقترف من جرائم والتي بسببها هو في هذه الزنزانة الموحشة، وبدأ في استرجاع بعض اللحظات من حياته خارج أسوار السجن، فقد كان قتى طائش وغير مبال بالعواقب وتذكر آخر جرم هو بسببه داخل السجن بأنه اعتدى على أحدهم وسلبه ممتلكاته تحت التهديد بالسلاح الأبيض وليته هدد وفقط بل قام بطعنه عدة طعنات كادت تودي بحياته، لولا لطف الله، ومن سوء حظه وحسن حظ المعتدى عليه أن المكان الذي قام فيه بفعلته تلك كانت فيه كاميرا مراقبة، فقام رجال الأمن بالرجوع لتلك الكاميرا والتعرف عليه مما سهل القبض عليه.
وبدأ يتذكر حتى المحاكمة التي أجريت له، وكيف كان يتوسل للقاضي للعفو عنه، وبكائه عندما نطق بالحكم عليه بعدة سنوات نافذة مع الأعمال الشاقة وصورة والديه في تلك اللحظة وكيف كان شعورهما وقتها
وتوالت الأيام عليه الأيام في السجن وكان يعد الدقائق والساعات في زنزانته وكانت دقائق وساعات طوال وثقيلة كثقل الجبال، فقد بدأ يصيبه التعب والإرهاق نتيجة الأعمال الشاقة المسلطة عليه، ولم يجد في ذلك السجن أي تعاطف أو رحمة لا من الحراس ولا من المساجين، فالمساجين هم مجموعة من المجرمين فلن يلقى منهم الترحيب والمودة، بل كانوا يقومون بالإعتداء عليه في عديد المرات وكلما سنحت لهم الفرصة، أما الحراس فكانوا يرونه مجرما كباقي المساجين.
وفي تلك اللحظات تذكر رفقاء السوء كيف كانوا يشجعونه على كل الرذائل التي بسببها هو قابع في السجن
وأكثر من عانى من كل ما جرى هم والداه، فقد كانوا في كل زيارة قومان بإحضار المال له وبعض الأكل رغم بعد المسافة فكان يبكي كلما قدما لزيارته وغادرا.
ولما انقضت تلك السنوات وحان موعد خروجه من السجن، عزم على التوبة من كل ما اقترف من جرم في حياته وبالفعل بعد خروجه من السجن أول ما فعله هو قطع صلته برفقاء السوء وبحث له عن رفقاء صالحين، وبدأت حياته تنصلح شيئا فشيئا، وهذا كله بفضل دعاء والديه له بالهداية في كل صلاة، وقد استجاب الله لهما دعائهما وأصلح لهم ابنهم وعاد بارا بهما.
الكاتب مصطفى مسلم