النص
_
مُشتَرَك / قصّة قصيرة جدًا
شدّه الصوت :
أميّ؛ وجدتُ شيكولاتتنا المفضلة .
فلنتأكد أنها الأصليّة .
حين التفت رأى امرأة أنيقة، خلفها ولد وبنت . عاد يفاضل بين المعروضات.
فجأةً؛ صدمته السيّدة بعربة السلع الثقيلة، لم تعتذر ؛ أشارت إلى علبة جبن المثلثات التي بيده :
رخيصة . . .
شعر بالخجل لملابسه المهترئة، لكنه اغتبط لاهتمامها بما اختاره لأطفاله، ردّ متلعثمًا :
الأقل سعرًا، صلاحيتها ستنتهي، لم يتبَقَّ منها الكثير . .
ليس مهمًا؛ سأشتري كلّ الكمية، أُريدها لإطعام القطط .
محمد المسلاتي/ ليبيا في ٣١ أغسطس ٢٠٢٤
القراءة
__
- قيل عن القصة القصيرة جدًا أن عنوانها جزء لا يتجزأ من متنها، و” مشترك ” هو عنوان قصتنا، وكما نرى هو عنوانٌ نكرة تتعدد معانيه الدلالية وفق المراد من توظيفه، لذا سننحيه جانبًا الآن ونخوض بأذهاننا ومخيلتنا في غمار كلمات وجمل وأسطر المتن، محاولين الوقوف على مفاتيحها ومن ثم إماطة الستر التي تحجب عن العيون مغزاها الحقيقي المتخفي تحت زخرفة الحروف وطلاوة الكلمات ونعومة الجمل وسلاسة تدفقها.
- المشهد
محل لبيع الأغذية ( شيكولاتة، جبن،.. )، شخوصه الحقيقية / امرأة وطفلاها، ورجل غريب
شخوصه الاعتبارية / ثلاثة أطفال للرجل، مرتادو المحل وبائعوه، و…ثلاثة قطط أو أكثر.
الحدث / تصادم عفوي بين عربة تدفعهاالمرأة، والرجل.
- ديناميكية السرد
أولًا : حوار بين الأم وطفلها
ثانيًا : التفاتة الرجل
ثالثًا : حركة الرجل لتفحص المعروضات
رابعًا : حوار بين المرأة والرجل.
- التقنية السردية تقنية المتناقضات المعنوية والمادية ( شيكولاتة/ جبن، يتوالد منها ” سكر وملح”،، رجل / امرأة، يتوالد منها عنصري الحياة،،، أطفال/ قطط، يتوالد منها مفارقة جوهرية،،، أنيقة / مهترئة، يتوالد منها تباين طبقي، هذا عن التناقض المادي، أما المعنوي نجده في ( وجدتُ شيكولاتتنا المفضلة؛ قلة المعروض منها لغلو ثمنها/ جبن المثلثات؛ قلة المعروض منها؛ الإقبال الشديد على شرائها لرخص ثمنها” رخيصة”)، ونجده أيضًا في ( لم تعتذر، وأشارت/ شعر بالخجل واغتبط)، ونجده أيضًا في ( اختار الجبن لأطفاله/ اختارت الجبن لقططها).
- المعالجة السردية مكان محدود مغلق/ حادثة تصادم عفوي/ البناء الهرمي للمفارقة عن طريق تأسيس قاعدة مشهدية عريضة ( رجل وامرأة وأطفال وزبائن وبائعين وأرفف ومعروضات) ثم يعلوها حادثة تصادم ( عربة/ امرأة / رجل / علبة جبن) لنصل لقمة الهرم لمتغيبين ( أطفال الرجل، وقطط المرأة).
- الحوار
اشتمل المتن على حوارين اثنين تباينا بشدة في دلالتهما المعنوية، وقوة تفجيرهما للدهشة ( المفارقة).
الحوار الأول ينجلى مضمونه بوضوح عن ترف وطبقة مجتمعية عالية المستوى( وجدتُ/ لنتأكد)
الحوار الثاني يكشف لنا عن النظرة الفوقية للمرأة(رخيصة/ ليس مهما/ كل الكمية لإطعام القطط) يقابلها الدونية لدى الرجل( متلعثما/ الأقل سعرا).
- العنوان
والآن نعود للعنوان ” مشترك ” – المجهل تعريفه عن عمد وسبق إصرار وترصد من الكاتب- لنضمنه مع مجريات السرد، ونرى مدى تماهيه أو تباينه مع المغزى المراد ( المفارقة والتباين الطبقي)، وللوهلة الأولى نجد أن لا توجد عناصر اشتراك بين المتبارين نصًا، وإنما كلها دوال تباعد كما سبق وأبنا، ولكن لنتأمل ونتمعن بروية في المشهد الكلي المادي ألا وهو محل الأغذية، لنجد – بلا أدنى شك – أنه وطن ما؛ يضم بين جدرانه طبقة مترفة تطعم الجبن ( كل الكمية) لقططها، وطبقة فقيرة تطعم أطفالها علبة جبن واحدة، وطنٌ ظالم مجحف يكشف عوراته ولا يخجل منها؛ عناصره ( أغنياء وفقراء وصامتون ” الزبائن والبائعون “)، إذُا ” مشترك ” هنا هو مكانٌ جامع؛ تشارك الكل في ترابه وهوائه، وتباينا في توزيع مقدراته.
- ولا يسعني هنا إلا أن أشيد بالمبدع لجمعه بين حسنيين في نصٍ واحد؛ إذ جمع بين الدهشة الكلية للنص، وهى العنصر الأهم للقصة القصيرة جدًا، وبين دهشة الخاتمة ( المفارقة ) والتي هى من محسنات القصة القصيرة جدًا.
الأديب محمد البنا