بين أمسيات نادي أدب المدينة المنورة وأمسيات نوادي أدبنا!!! (قراءة في المشهد الأدبي) ل د. أحمد مصطفى

قضيت عدة سنوات بالمدينة المنورة، وكنت دائم الحضور في ناديها الأدبي، أسعد بلقاء الشعراء والأدباء وأساتذة جامعتي طيبة والجامعة الإسلامية، وقد أهداني بعضهم دواوينه، ومازلت أحتفظ بها في مكتبتي، كما تربطني بهم علاقة قوية.

ونادي المدينة المنورة حاضر فيه كبار النقاد والأساتذة الأكاديميين في مصر والعالم العربي، كما استضاف كثيرًا من شعراء الفصحى، وأقام لهم أمسيات شعرية وندوات علمية .

في هذه الندوات والأمسيات كل شيء معد إعدادًا جيدًا، الموضوع، والضيوف والحضور والمكان والزمان، والترويج الإعلامي، أما الموضوع، فيكون –أحيانا – اختيار شاعرين مميزين مختلفين شكلًا ومضمونًا أو متفقين في اتجاه واحد، لهما تدفق في الشاعرية، وقد يكون المختار شاعرًا واحدًا وهذا قليل جدًا، وكأن القائمين على إعداد الندوة يريدون إثراء الأمسية، وتنوع الخطاب الشعري.

يجلس الشاعران على المنصة متجاورين عن شمالهما مقدم الأمسية، وكبار الضيوف والنقاد يجلسون في أماكنهم مستمعين محللين منتبهين، محايدين، فإذا أحسن أحد الشاعرين القول تساوت عندهم مظاهر الرضى، والسعادة دون تلميح أوتجريج..

ما كان أجمل مقدمات الأستاذ (يوسف الرحيلي) الأديب المدني الجميل، وما كان أجمل إدارته للأمسيات، يظهر في ثوب أنيق، لا يبتسم لشاعر دون أخر ولا ينتصر لشاعر دون أخر، ولا يميل لزيادة شاعر في شعره عن الأخر، كل شيء بدقة وعدل وميزان.

وبعد اشباع الحضور بالشعر وانتهاء وقته المحدد، يفتح باب المداخلات للرجال على(استاند) كبير معلق به (مايك) والنساء في أماكنهم المخصصة فقط تسمع أصواتهن، لكل مداخلة وقت محدد، فإذا انتهى الوقت انتهت المداخلات، ثم يعلن أحد القائمين على الندوة أو الأمسية عن بدء وقت العشاء في مكان واسع بالقرب من قاعة المناقشات الكبرى بالنادي…

وفي أمسياتنا تتشابه الأحداث، كل شيء قد يكون معدًا إعدادًا جيدًا، الموضوع، والضيوف والحضور والمكان والزمان، والترويج الإعلامي، فربما يشبه الشاعر (محمد الحناطي) الأستاذ (يوسف الرحيلي) وربما يفوق شعراؤنا شعراء المدينة المنورة، كما أن أمسياتنا قد لا تجمع بين شاعرين، وندواتنا قد تقام على شرف شاعر واحد، لدراسة شعره، والغوص في معانيه، والاستعانة بأستاذين من أساتذة النقد، لكل منهجه وأدواته، وهذا – في حد ذاته يعد أمرًا جيدًا.

الندوات في نادي المدينة المنورة مكثفة قد تكون أسبوعية، يحاضر فيها ناقد كبير أو أستاذ جامعي يأخذ وقته كاملًا، فتعم الفائدة، فإذا تعددت المحاور صارت الندوة حلقة نقاش سلمية، يطلب كل واحد من الجالسين الكلمة دون إطناب أو تذييل أو تجويد، فالقضية تأخذ حقها مع انتهاء الوقت المحدد.

لكن المتحدث الأول –دائما – يقدم الفائدة والخلاصة بإيجاز واختزال، وكأنه يخشى مداهمة الوقت، فيقول دون إعادة أو زيادة، ويستشهد بالبيت أو البيتين أو الثلاثة، ظنًا منه أن صاحبه سيكون أكثرا منه إيجازا، لكن الأمر مختلف جدًا، حتى في المناقشات العلمية، الأول يتحدث نصف ساعة أو أقل والثاني يستطرد ويزيد فوق الساعة وأكثر.

في الحديث متعة وشجون، وربما أنسانا الأخير شهد الأول، لكن الوقت في أمسياتنا بحاجة ملحة للضبط والإعداد الجيد، فما ذنب الحضور ممن جهزوا أنفسهم وأعدوا أوراقًا بحثية على أمل المشاركة والمداخلة دون جدوى ودون عذر سوى ضيق الوقت وانتهائه ؟!، نحن نسعد بهذه الندوات، ونتوق للمشاركة فيها، لكن تباعد الأيام، والتوقيت قد لا يجعل البعض يذهب لها، فيحضرها قليل من المتخصصين، قليل من شباب النقد الأدبي …أختم بهذه المداخلة الراقية للشاعر الكبير الأستاذ صلاح اللقاني :” …وكم حلمت بيوم أن يكون لنا مكان للشعر وللثقافة، كنا نصنع ثقافة على الأرصفة، حتى إن هناك جماعة تسمى (جماعة الرصيف) وعندما أصبح لنا قصر منيع بحثت عن الشعر وبحثت عن الثقافة، وجدت الشمعة خافتة فد أوشكت على الانطفاء، ولتكن هذه الليلة بداية جديدة نؤسس لمبنى ومعنى جديد .. ما زلت أحلم بندوة كل شهر، تعد إعدادًا جيدًا ويختار لها الذين يحاضرون فيها وتختار لها المواضيع والنصوص. “

د. أحمد مصطفى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *