صيحات النداء تتردد في محطة سيدي جابر، السادة الركاب القطار القادم المتجه للقاهرة يقف في محطات دمنهور –طنطا- بنها- القاهرة، الاضطراب يعم أرجاء المحطة، والزحام يجتاح المكان، الناس يستعدون للمغادرة، وآخرون يجتازون الحواجز، والباقي كالسيل المنهمر ينتظرون قطار المراكز العادي كالموج تحملهم أرصفة المحطة.
وجد رجلا ربعة نحيفا طيبا مجهدا متعبا، يبدو عليه وعثاء السفر، ألقى عليه السلام ووضع متاعه وجلس إلى جواره وقد أجهده التعب والسهر، ينتظر مثله قطار الدرجة الثانية العادي، الذي تسمع فيه أصوات الباعة الجائلين، وصراخ الأطفال، واستغاثة المتسولين، تهز أركان القطار في جميع عرباته.لم تمر دقيقة على وقوفه بجانبه، سمع صوتا يأتيه من بعيد؛ فإذا بأمين شرطة وكمسري وملاحظ المحطة، يقفون أمامه، ودون إلقاء السلام، لقد وقعت في مخالفة، ولابد أن يُدرأ هذا الخطأ بغرامة مالية قدرها خمسون جنيها مصريا …
-ما السبب؟ فقيل له: لأنك عبرت الرصيف بطريقة غير شرعية وتركت مسار المرور المخصص لذلك، لقد تجاوزت فلم تعبر من النفق، وتعجلت؛ فنزلت في ممرات القطار وتسلقت الرصيف في غير محله دون نفق أو كوبري.
– المسافة طويلة ومعي أمتعة، المعذرة.
-إن الكاميرات صورتك، ولا يمكن التنازل الدفع أو إلى شرطة المحطة!
– أنا جمال.. شرطي زميلك….
-هل أدفع لك من جيبي؟؟؟وهل ترضى لي الخصم والأذية؟؟؟
-لا طبعا، تفضل.
وأعطاه المبلغ، وأخذ الإيصال، لم تمنعه شفاعة الزمالة، ولا التوسل، ولكن ما أن وطأت قدماه أرضية القطار، حتى أحس بالعرق يتصبب فوق جبينه، خلع الجاكيت، من شدة الزحام، ثم جلس إلى جواري مرة أخرى، وأخذ يضحك ويضرب كفا بكف.
-يا عم جمال غرامة وانبساط؟! كأنك لم تروعك الخسارة !- يا أستاذ، والله الخمسين جنيها هذه أعطاها لي مأمور القسم بعد انتهاء العمل وقال: يا عم جمال هات حاجة حلوة للعيال وأنت مروح. .فالحمد لله الذي كفاني شرها وصرف عني خيرها، الحمد لله إنها ليست من مالي الخاص، وإلا كنت طلبت المدد من ركاب القطار!-عارف يا عم جمال أنا لسه قبل منك بدقيقتين عابر الرصيف بنفس الطريقة التي عبرت بها، لكن يبدو أن عيون الكاميرات التي رأتك، أبت أن تراني، وانظر يا عم جمال هؤلاء الشباب كيف يعبرون بسرعة ولم يصبهم ما أصابك…لكن الله -على كل حال-أراد بك خيرا.. وليتك تصلح ما بينك وبين الكاميرا.
د. أحمد مصطفى