إن للثواني قيمتها أيها الشباب، بهذه العبارة بدأ “المستر” – الأستاذ سابقًا – حديثه إلى طلابه داخل السنتر – قاعة الدرس – وقبل أن تنبهر لعظمة العبارة ومدى ما تحمله من احترام لقيمة الوقت، وقبل أن تحملك الكلمة إلى آفاق من السمو العلمي لمعلم قد تظن من كلمته أنه يغرس قيمة في نفوس طلابه.. قبل كل ذلك انظر إلى سياق الكلمة، إنه يحدثهم عن سرعة دفع نقود الحصة الذي قد يستغرق جزءًا كبيرًا من وقتها.. السكرتيرة لا تقصر في أداء واجبها، ولكن الأعداد الكثيرة تحمل قدرًا ولو قليلًا من الفوضى، ولكن عما قليل سيهدأ الجميع ويبدأ الدرس.
المستر شاب أنيق، ومع تكراره لشرح الموضوع ذاته عبر بضع سنوات صار مؤهلًا ليكون أحد المعلمين الذين يشار إليهم بالبنان.. ينهي حصته ويخرج العشرات من البنين والبنات لتصوير الأوراق وشراء الحلوى والإندومي.. وأصبح الحي الهادئ يعج بالصخب عقب خروج الطلاب أو دخولهم للسنتر.
ولا بد من معركة حامية يشهدها المارة بسبب تشاجر الطلاب، وينتهي الأمر بحسم سبب المعركة، وكم من مرة شوهد السلاح الأبيض مع الطلاب.. لا أحد ينكر مهارة المستر، ولكن هل صارت العملية التعليمية علاقة بين معلم ـ افترضنا مهارته وطلاب أصبح بينهم وبين الأخلاق سنوات ضوئية، إن الحاضنة التعليمية الحقيقية هي المدرسة، وحين يغيب دورها بعد أن غاب من قبلها دور المسجد فإننا بذلك نلقي بفلذات أكبادنا نحو هاوية لا قرار لها.
ركبت إحدى الطالبات التوكتوك، وطلبت من السائق أن يتجه نحو سنتر المستر المشهور، أطلت منها نظرة نحو مرآة التوكتوك فإذا بها ترى السائق.. سالت من عينيها دمعة، مسحتها بسرعة وعندما وصلت أنقدت السائق أجرته دون أن تنظر في عينيه، وقد تحاشى هو الآخر النظر إليها، إن السائق هو مدرسها في الفصل المدرسي.!
المعلم الحقيقي قاد التوكتوك حتى يستطيع فتح بيته، والشباب الصغار صاروا يحملون لقب المستر.. وبين هذا وذاك ضاعت هيبة المعلم، في ظل حراك كلامي بأهمية التعليم ودور المعلم، وواقع يسير بسرعة السلحفاة أو أبطأ في تغيير واقع المعلم المادي في ظل أسعار لا تتوقف عن الارتفاع الجنوني.. كانت مفاجأة للطالبة، ولكنها لم تكن مفاجأة سعيدة.. ولكنها في النهاية مفاجأة.
القاص محمود حامد شلبي