لُعبة صغيرة / قصّة قصيرة للكاتب محمد المسلاتي

هذاالصَّباح، عليّ الإسراع بالخروج ، موعد الاجتماع لا تفصلني عنه سوى دقائق ، قاعة الاجتماعات بعد أمتار من فيلا استأجروها لي على حساب خزينة الدولة فور مباشرة مهامي، في عجالة التقطتُ حقيبة المستندات المزمع طرحها للنقاش ، كدتُ أتعثر مصطدمًا بابني ذي خمس سنوات وهو يمسك بجهاز التحكم ، يبدو أنَّه استيقظ مبكرًا للعب بلعبته الجديدة قبل أن يصحو أخوه الأكبر ليستحوذ عليها . وصلتُ إلى القاعة ، كان الرئيس وجميع الأعضاء جالسين على مقاعدهم الوثيرة ، اعتذرتُ عن التأخير من دون أن أهتم بالنظرات المصوّبة نحوي . افتتح الرئيس الجلسة وهو لايزال يحدّجني بنظرة موبخة :

حسنًا، يمكننا أن نبدأ اجتماعنا بمناقشة الوضع الاقتصادي المتردي ، والأمني غير المستقر ، والخدمي البائس ، البلاد تسير نحو الانهيار التام ، الشَّارع كله أصبح ضد سياساتنا . إنّه الاجتماع الوحيد مكتمل النِّصاب ، هيَّا بسرعة قدموا اقتراحاتكم ، الموقف جد متأزم .
فتحتُ حقيبتي لأخرج المستندات ، وإذ بالقرد الآلي لعبة ابني يقفز من الحقيبة طائرًا في الهواء محدثًا صوتًا قويًّا لفت انتباه الجميع ، علّقوا أبصارهم به، شرعوا يلاحقونه من مكان إلى آخر مبهوتين، الموقف لا يحتمل، شعرتُ بالإرباك ، تركتُ مقعدي، زحفت على الطاولة أحاول الإمساك به ، القرد المنفلت مصنوع تقنيًا على أحدث طراز ، اشتريته بمبلغ يعادل ثلاثة آلاف دولار ، مُهيَّأ لتسلق جذوع الأشجار، وقطف أصابع الموز، يُغنِّي ، يصفق ، يرقص ، يصفّر، لا يمكن تمييزه عن أي قرد حقيقي إلا بجهاز التحكم، ينقلب على ظهره، مجرد أن تقترب منه يقفز عاليًا، يكاد يلامس السقف، هاهو يفضحني . . يتنقل أمام الأعضاء بالدور، كلما انبطح عضو للإيقاع به يفرّ إلى آخر مصفقًا مغنيًا ، المصيبة أنه حطّ على صلعة أحدهم فأطلق صرخة عالية ، تبعثرت أوراق الاجتماع، صارت القاعة فوضى ، صرخ الرئيس بغضب موجهًا كلامه إليّ :ماذا يحدث ؟ هذه مهزلة ، امسك قردك اللعين ، اوقفه عن هذا العبث ، ماذا سيحلّ بنا إذا علمت وسائل الإعلام بما يجري ؟ اوقفه فورًا .


لم أتمكن من الرَّد، لا أستطيع التحكم في هذا القرد اللعبة، أدركتُ للتَّو كيف وصل القرد إلى حقيبتي ، استرجعت أحداث الليلة الماضية، ابني بعد أن اشتريت له القرد الآلي خَشِيَ أن يستولي عليه أخوه، خبَّأه في حقيبتي من دون علمي ، احتفظ بجهاز التحكم عنده ، لابد أنه يعبث بالجهاز حاليًا ، كان في يده عندما غادرتُ البيت مسرعًا، القرد هنا ، والجهاز هناك ، لا أحد منهم يعلم ذلك ، انطلقتُ راكضًا بجنون وسط استغراب الحاضرين ، في البيت ، ألفيتُ الصغير يضغط على أزرار الجهاز جذبته منه بقوة ، أوقفت التشغيل، أخفيته في جيبي، عدتُ إلى القاعة سابحًا في بحر من الخجل ، لم أعرف كيف أعتذر ، الأعضاء يرمقونني بذهول وهم يلملمون أوراقهم المبعثرة ، القرد يرقدعلى الأرض ساكنًا، رفعتُه ، دسسته في جيب سترتي . نهض الرئيس أولًا ، وهو يشير نحوي قائلًا :بسبب هذا ، تأخر الوقت ، اجتماعنا غدًا بإذن الله ، الموعد نفسه .


أثناء خروجه ، كأنه تعمَّد الاقتراب مني ، شعرتُ بيده تدسّ في يدي قصاصة ورق مطوية، الأعضاء عند خروجهم كل واحد منهم سلمني قصاصة ، ربما كانوا محرجين أن يطلبوا إحالتي للتحقيق، أو تقديم استقالتي علانية، لجأوا إلى هذه الطريقة حفاظًا على ماء وجهي، ما إن توارى عني آخرهم حتى فتحت ورقة الرئيس، قرأتها ، فوجئتُ بما كُتب فيها ، سارعتُ بالاطّلاع على أوراق الأعضاء الآخرين، صُعقت، يا إلهي، الطلب نفسه، العبارة ذاتها :اشتر لي قردًا مثل قردك الآلي الأرعن لتسلية الأولاد، سأدفع لك ثمنه مهما بلغ، لا تخبر أحدًا من الأعضاء، ليكن الموضوع بيننا في غاية السريّة .
انفجرتُ ضاحكًا .
في المساء قصدتُ محل الألعاب لشراء القرود الآلية حسب عدد الأعضاء .

الكاتب محمد المسلاتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *