دراسة الكاتبة سمية الاسماعيل لرواية : روشنا للأديبة ريم محمد


“لطالما شعرتُ بالشّفاء وأنا أتمشّى في شوارعها، أشتمُّ نسيمها الممزوج برائحةِ الياسمين، حتّى في سنيّ دراستي العليا في فرنسا، كنتُ أعاني من الاختناق يوميّاً، فسّر بعضُ رفاقي الأمر على أنّهُ نوبات ربو أو حساسيّة من نوعٍ ما، وحقيقةُ الأمر – التي يجهلها الجميع – أنّها نوباتُ شوقٍ وعشق.”

روشنا، السطوع و لمعان الضوء، عنوان اختارته الأديبة ريم محمد ليكون طالعًا لروايتها، و ليكون في نفس الوقت نصًا موازيًا، يحكي قصّة الأمل الذي ينبثق من عمق الألم.

الثنائيات المتضادّة
الحب/ الحرب
العجز/ الأمل:
الهدم/ البناء
الموت / الحياة

في جمع النقائض و تضادّ الثنائيات أماطت ريم بريشتها اللثام عن لوحةٍ فسيفسائية لوطن تكالبت عليه المحن، ما بين حرب و كوارث طبيعيّة، ليسطع من بين حروف روياتها طيوف الألوان التي صبغت تلك اللوحة و شكّلت تضاريسها، و لتخبرك أن هذه اللوحة قيمتها في تكامل ألونها و اتحاد تضاريسها. تبدأها من أقرب مدارٍ في فلك الوطن، عائلة جبران ، التي أطلق فيها والده أسماء شخصيّاتٍ كان لها أثرها الإنسانيّ : “نزار ” تيّمنًا بالشاعر المعروف نزار قباني، و “جبران ” تيّمنًا بالأديب و الفيلسوف “جبران خليل جبران”

تخبرنا الكاتبة أنه عندما تتّسع دائرة الألم، من حيّزها الفردي إلى شمولها الجمعيي، يتضاءل عندها الإحساس بوجعك أنت، يتقازم، بينما ينمو و يتعاظم داخلك الإحساس بوجع وطن.
“جبران” الطبيب رجلٌ تحاصره الذكريات، يعيش وفق تراتيبها، يقتات عليها .. كيف لا و هو يصف نفسه بأنه” كائن شعوري”

“آهٍ ما أقسى أن يتظاهر المرء بالسكينة وداخله براكين تتفجّر، لا أستطيعُ الصّراخ فالصّراخ خلق للأقوياء وأنا ضعيفٌ مُتخفٍّ بسكينتي”
يعيش حالةً من الرفض و عدم التصديق، و عزلةً لشهور بل ربما لسنة بعد موت زوجته و طفلته” هيام و سما”
وحده جورج- صديقه الحميم منذ أيام الدراسة الجامعية- كان لصيقه خلال فترة عزلته. حتى أنه لا يتذكر ما عاشه ، دائمًا كان يكرر
“بقيتُ هكذا لسنة، بهيئة جنونية وذقنٍ طويلة مشعّثة وعينين غائرتين هدّهما الدهر، هذا ما أخبرني به جورج لاحقاً،”

يعيش حالة من النوستالجيا تعيده إلى ذكريات زوجته و ابنته اللتين قضيتا في حادثٍ لم يستطع ، وهو الطبيب، أن يقف أمام الموت ليمنعه من فجيعةٍ أدمت روحه، و ساقته إلى حالة عزلةٍ لم يخرجه منها إلّا “مرض والدته” من جهة و “روشنا” من جهة أخرى .. أليس هو ب ” كائن شعوري” يقول:
“” صدقتِ خالتي أم جورج، هذه الطفلة أحيتني قبل أن أحييها،”
أم جورج التي لم تدع لموت طفلتها أن يمرّ هكذا دون أن تجعل منه أيقونةً تحتذى في وطن يأبى أن يموت، فقامت بالتبرّع بأعضاء ابنتها للطفلة ” روشنا” التي كادت أن تقضي في الزلزال الذي ضرب مدن سوريا – ادلب و حلب و اللاذقية-يقول جبران:

” -الرّحمة كلّ الرّحمة لروحِ نور يا أبا نور، والحمدُ لله ما أردتموه حصل في النهاية وها هو قلبُها العزيز ينبض في جسدٍ يستحقُّ فرصةً للحياة…”

و من ثم إحساسٌ أكثر عمقًا و هو الاحساس الشغوف بالتّجذّر في وطن لا يأنس العيش خارج محيطه الجغرافي، فهو تارة يصف نفسه ” سمكة” و تارة أخرى يقول:
“نحنُ جذورنا هنا، كيف سأهجر وأترك؟!كنت رافضاً بدايةً والآن زادت أسبابي بعد كلّ هذه السنوات، لن أهجر.
كيف سأترك حبيْبَتيَّ؟
“هيام وسما” “
ارتباطٌ بوطنٍ ليس بحالةٍ شعوريّةٍ مؤقتة، و لا تفرضه المصالح، التي تقطع صلته به بعد انقطاعها، إنه الطبيب الذي اعتاد أن يكون “أكثر ” عندما يعتلّ الوطن :

“فتلكَ كانت بدايةُ عودتي للحياة كما قالوا لي لاحقاً”
“عند كل عمليةٍ تنجح أو طفلٍ يخرجُ سالماً كنتُ أحيي “سما وهيام “مرّة أخرى، نعم هذا وقودي لأستمرّ.
أولستُ رجلاً آليّاً فقد روحه كما بدأ يشاع عنّي؟
هذا الارتباط الذي زادت أوتاده ضربًا في الأرض، ما تعانيه البلاد من حربٍ جرّت معها أزماتٍ كثيرة.. منها نقص الكادر الطبّي بسبب حملات الهجرة.. لكنّ جبران، ليس كأيّ طبيب هو هنا- في وطنه- ببساطة لأنه كما يقول:
” ما زال هناك من هم بحاجتي”

*المرضى: المعادل الموضوعي للتعويض:

لقد كان انغماسه في عمله، كان تعويضًا عن فقدان زوجته و ابنته
“أمّا ردّ فعلي على هجومِ الذّكريات، فهو إجهاد نفسي بالكامل في عملي وإنقاذ المزيد من الأرواح ومساعدتهم على الحياة التي لم أستطع منحها لابنتي وطفلتي.”
هذا الانغماس الذي بدأ تعويضًا لينتهي رغبة حميمة للحياة، ليس حياته فحسب، بل حياةً يُجاهد أن يبقيها في أجساد كانت تنازع:
“كنتُ أسمعُ بعض الهمسات أثناء وجودي في المشفى وعلى الرّغم من أني لم أُعرها اهتماماً إلا أنّها أثّرت في نفسي ولاقت الإجابات عند كل عمليةٍ تنجح أو طفلٍ يخرجُ سالماً كنتُ أحيي “سما وهيام “مرّة أخرى، نعم هذا وقودي لأستمرّ.”

*روشنا / المعادل الموضوعي للحياة:

” روشنا” الفتاة الكرديّة التي نجت من تحت البناء المتهدّم في حلب، تشبه ابنته”سما” أحد الأسباب التي دفعته لتجاوز محنته، و القفز فوق ألمه، ليحتضن آلام الآخرين و يربت على جروحهم، فيكون لهم بلسم الشفاء، ربما تشفى روحه، فعند أول نظرةٍ يُلقيها على روشنا الفتاة الوحيدة الناجية من أهلها في حلب إثر الزلزال الذي ضرب مدن سوريا يقول:
“وبتُّ لا أقدر على التركيز، هل أنا واهم أم انها هي فعلاً؟، كم تشبهها، لا يهم المهم أن أنقذها،”
” روشنا” ومعناه” الشمس الساطعة “أحببتها وأحببت الشبه بينهما حتى الاسم يشابه اسمها ابنتي سما، وهي روشنا الشمس الساطعة وكلاهما لا نستطيع الحياة مِنْ دونِهما.”
كانت هيام الغائبة الحاضرة في كل فعلٍ أو ردةِ فعل يقوم بها ، فها هي تحثّه على إنقاذ ” روشنا” من وراء زجاج ذكرى فيجيبها بحماس:
“سأنقذها يا هيام، سأنقذها…”

*”و تأتيك النار من أضعف الشرر”
تبادل العزاء بين روشنا و جبران، أثبت له أن بعض من ظننا أنهم يحتاجون لمواساتنا، هم من يعلمونا معنى الصبر و معنى القوة
بعد زيارته لروشنا ، يقول جبران:
“- ما أروعكِ أيتها الصغيرة، وما أعظم مواساتكِ، أتيتكِ ضعيفاً لأخرج من عندكِ أكثر قوّة وصلابة.”

*الحرب و الزلزال يتواطئان على بلدٍ طيبٍ فينهكانه..
تتحدّث الكاتبة عن الزلزال الذي ضرب مدنًا سورية شملت حلب و ادلب و اللاذقية
“، الزلزال كارثيّ والدّمار كبير وممتدٌّ من تركيا إلى إدلب فحلب فاللاذقية وجبلة، كارثة بالمعنى الحرفيّ للكلمة…”

في بلدٍ لم يكد يتعافى بعد من تبعات حربٍ غاشمة، أتت على كثيرٍ من مقوّماته، لكنها لم تستطع أن تزعزع ثبات شعبه بكل أطيافه، تعرج الكاتبة على ذلك عندما تسلّط خيطًا من خيوط الضوء على لوحتها التي رسمتها عن بلدها، و هنا نسمع صوت الكاتبة التي لم تستطع إلّا أن تكون طرفًا و لو من زاويةٍ خفيّة، تقول:

” أُعلنت حالة نفيرٍ عام، وبدأت المؤسسات الانسانية والأهلية والجهات الرسمية والجهود الفرديّة بالعمل بكل طاقاتها، فالبلدُ منكوبٌ أساساً أرهقته سنيّ الحرب ثم جاء ما يكمل ألمه ويكلُمهُ وينكأ جراحه التي لم تشف بعد، فأي ألمٍ؟! وأي قهرٍ هذا؟!”

*عن الحصار تتحدّث، بصوت “جبران ” الذي نسمع فيه أيضًا صوت الكاتبة:

“لكنّ الوضع يسوء والأدوية تقلّ فالحصار خانق وهذا أكثر ماكان يرهقني في ساعات الأرق الطّويلة”

“هذا الحصارُ الاقتصاديّ اللعين أثّر كثيراً على القطاع الطبّي، ضاعف من صعوبةِ الحصول على المفاصل والأطراف، حتى أدوية السرطان بات تأمينها صعباً ومكلفاً جداً، لكنّ أهل أحمد باعوا منزلهم ليتكفّلوا بسعرِ المفصل، كم كنت حزيناً -أنا الذي لَمْ أتقاضَ أي أجر على جراحتي -لأنني لم أستطع مساعدتهم في سعر المفصل”

*عن اللحمة تتحدّث، اللحمة التي جمعت هذا البلد في لوحة فسيفسائية، يظهر تلاحمها عند المحن، و كأنها تقول أننا لا ننكسر، فنحن أسّ و أساس حضارةٍ يعرّفها التاريخ بأنها سلسلة قيامات، و كل محاولات التفرقة التي حاولت المؤمرات تكريسها، قد أثبتت فشلها، تقول:
” -على الرّغم من سوء الوضع – التّلاحم الكبير بين الجميع، حتّى الأطفال تبرّعوا بألعابهم وملابسهم، مجتمعنا الغنيّ بثقافته وتنوّعهِ يظهرُ عندَ المحن.”

و ينتصر الحب، تنتصر الإنسانية، و ينتصر الوطن و يبدأ رحلة شفاءٍ و تعافٍ و إن طالت لكنها قد بدأت، عندما تُشفى “روشنا” و يؤجل “نزار و عائلته” سفرهم، و تقرر ” هدى، شقيقة هيام و زوجها” العودة إلى سورية. و تبقى الأرض دون بيع، ينتصر الوطن.
الشخصيّات:
لعبت كل الشخصيّات في رواية “روشنا” أدوارًا رئيسية، لقد كانوا جميعهم أبطالها. حتى “هيام و سما ” حين كانت ذكراهم حافزًا، و دافعًا لاسترجاع جبران لذاته، لمرضاه و لوطنه.
نزار: شقيق جبران، و الذي سماه والده تيمنًا بالشاعر نزار قباني فحمل من صفاته الكثير،
” وهو فعلا أخذ بعضاً من روح نزار الحقيقيّة وسحره، ألا ترى أن الإناث يقعن في حبّه عندما ينظرن إليه”
شخصيّة لم تكن إيجابيّة بالمطلق، بل كانت تعاني من بعض السلبية التي ظهرت في استسلامه و محاولة هروبه من واقع بلده
لكنّه في مواقف أخرى برز كداعمٍ ل “جبران” فهو لم يقف مكتوف الأيدي في محاولاته الحثيثة لإخراج ” جبران” من محنته، و اتفاقه مع جورج على توفير المبلغ المالي الذي سيشتري به جبران المفصل ل روشنا.

جورج: صديق جبران منذ سنوات الدراسة الجامعية، اسمه يعبر عن طائفته، مهندس نشط، كان له دورًا قويًا هو و زوجته في المساهمة بعملية إعادة ترميم و إعمار ما تعرّضت له المباني – خاصةً ذات الصفة الدينية و التاريخية و الثقافية- البطل الآخر في تطوّر أحداث الرواية، و دفعها قدمًا كمعامل إيجابي عمل على تغيير سلوك “جبران” و بالتالي تغيير مسار الأحداث.

“جورج الحبيب، كالعادة عرف كيف يكشف على الجرح الملتهب، يعقّمه بقسوة طبيب مقتدر ثم يخيطه برأفة وهذا المخدر كان عائلته التي أحببتها بصدق.”
يقول جبران عن صداقته ب “جورج” الذي عاش معه أحلامه و قاسمه غرفته في السكن الجامعي ليكون المخلّص له من عذاباته و يخرجه من عزلته:
“لطالما افتخرتُ به وبصحبته وصحبة أهله أمام كل من يعرفني، صدق حدسي وكذبوا، هم من ادّعوا أننا مُختلفانِ في زمنِ الكره والبغض والاختلاف الوهميّ الذي كلّفني حياة من أحبّ قرباناً لكراهيتهم،”
“وأنت يا جورج لطالما كنتَ وعائلتك ملجئي وملاذي في أوقات ضعفي وانكساري.”

نجاة: زوجة جورج ، فنّانة تشكيلية و نحاتة مبدعة، لها سيرتها و صيتها الذائع. تقف بكل ثباتٍ إلى جانب جبران، تعزّز محاولات زوجها الدؤوبة لإعادة “جبران” لعهده، و تسهم و زوجها بكل تفانٍ في عملية ترميم ما سببه الزلزال من أضرار، قلبّ احتضن روشنا فسعت بكل طاقتها للحصول على موافقة من بقي من أقارب روشنا للحصول على كفالتها.
والد و والدة نور: تجلّت بطولتهم، في قرارهم التبرّع بأعضاء ابنتهم” نور” التي توفيت بالسرطان، فكان سلوكهم أحد العوامل التي أعادت الأمل من قلب الألم.

أم جورج: الشخصيّة التي كانت تبث روح المحبّة في قلوب الجميع، ترفع من طاقاتهم الإيجابية، امرأة سوريّة بامتياز، طيبةً و خلقًا، و محبّةً و كرمًا. يقول
“خالتي أم جورج امرأة عجوز بشخصيةٍ محبّبة مرحة أورثت جورج خِفّة دمها، بيضاء متوسّطة الطول، ممتلئة الجسد، لكنّها نشيطة نشاط الشباب، محبّة حنون، مبتسمة دائماً وأنا أحبها كثيراً وأرى فيها أمّي التي أفتقدها بشدّة منذ وفاتها”

عصام و ماجد :الطبيبان اللذان أجريا عمليات زرع القلب و الكلى ل ” روشنا” بطلان حقيقيان، في زمن كان نسبة نزوح الأطباء في سوريا تُعدّ بعشرات الألوف. لكنّهما حملا مسؤولية وطن على عاتقهما، و قد آل كل منهما على نفسه ألا يهدئ حتى يتعافى الوطن

بينما تؤثث بقيّة الشخصيّات للأحداث: نور / الممرضات/ بائع الأعواد…

*اللغة: تراوحت لغة الكاتبة بين اللغة السرديّة البليغة و اللغة الشاعريّة، فرضتها مقتضيات الأحداث حينًا و روح الكاتبة الشاعريّة حينًا آخر، و تظهر اللغة الشاعريّة عندما تتحدّث عن الألم، عن الوطن، عن الحب:

“فجانبي الأيسر كان يابساً ومشاعره متبلّدة وطافية، كنتُ ميّتاً ورائحةُ جُثّتي تصلُ إلى أنفاسي، هي تهزّني وأنا أختنقُ أكثر..”
“، داخلي ضجيجٌ كبير لكنّه لم يرتقِ ليُصبحَ حروفاً تُقال،”

“الأمكنة لابدّ تحتفظُ بنجواها، برائحةِ دفء الأنفاس وعندما تقرّر الانفجار، تقطعُ جدارَ الصّمت كمدٍّ بحريٍّ مرتابٍ ومرتعش، يقذفُ في وجهك كنوزهُ وأسرارهُ التي احتفظ بها طويلاً إلى غلافِ ذاكرتك”

” أما الريح فقد كانت تلطم خدود الطريق بلا رحمة ثم تهوي بهراواتها على الجدران والنوافذ،”

“أشعر بأنَّ قلبي يتناوبُ على النَّبض في كلِّ أرجاءِ جسدي حتى ظننتُ لوهلة أنه كاد يخرج من أطراف أناملي …”

“أنت ترسمين الزينة على جدران وجودي وأنا أستمتع بعطر ألوانك في مرسمِ قلبي فمرةً يغرقني العطر وأخرى أنجو طالباً المزيد،”

*تقنيات السرد:
سيقت الرواية بتراتيبية سرديّة أفقيّة. تعدّد الرواة ما بين ساردٍ عليم، ” جبران” في معظم فصول الرواية
ساردٍ بطل هو ” جورج ” في الجزء الخامس المقطع الأول و الجزء السادس المقطع الأول ، يصف في جزئية منه الشعور المتبادل بينه و بين جبران

“طالما أُعجبَ جبران بطبيعة قريتنا أحبّها وأحبّهُ أهلي كما أحببتُ رفقتهُ واتّخذتهُ منذُ أعوامٍ صديقاً وأخاً، رافقني في جلّ أيامي بأفراحها وأتراحها فكيف أتركه ولمن سأعير كتفي؟!”

و السارد المحايد : الفصل السابع
المقطع الأول

و قد اعتمدت الكاتبة في عمليّة السرد على
تيار الوعي السردي، الذي تضمّن المونولوج الداخلي و الاسترجاع

“لن أنسى أبداً يوم أتيتَ إليّ طالِباً مشورتي- طبعاً بعد أن غيّرتَ فرعك- للانتقال إلى الهندسة، يومها قلت:
يا أخي لا أحبّ الطّب، هل هذا منظرُ دكتور، هذه الوسامة خلقت لمهندس يبني ويبني ويجمّل الأبنية فقط، لكن برأيك هل سيسامحني أهلي؟”

النهاية:
أتت النهاية سعيدة، أرادت من خلالها الكاتبة، و هذا رأي الشخصيّ، أن تبعث برسالة مفادها أن الوطن يعيش بمحبيه، و تتعافى جروحه بلحمة أبنائه، و أن لا قوّة مهما عظُمت يمكن أن تكسر إرادة شعب يعشق الحياة، و يمتهن ممارستها حتى في أحلك الظروف. تقول الكاتبة

“طيلة حياتي وأنا أسأل نفسي، ترى ما الشيء الذي يجعلني متعلقاً هكذا ببلدي؟، لمَ لم أرحل مع الرّاحلين أو أغضب مع الغاضبين؟ لمَ لمْ أترك كل شيء عندما فقدت كل شيء؟
والآن وجدت الإجابة التي أستطيع بها تبرير موقفي أمام الجميع، ببساطة ابتسامة من هنا ودمعة من هناك وتعاطف صادق يجعلني لا أطيق هواء غير هذا الهواء ولا أحبّ شمساً تشرق فوق ترابٍ غير ترابي.”

أننا رغم كل الجراح، ما زلنا نجتمع تحت عريشة العنب، في حقل من حقولنا الخضراء التي ما زالت تعطي غلالًا بقدر ما تعطيها نفوسنا حبًا، نعم ما زلنا هنا و ما زلنا نغني..
“سمائي وأرضي ومائي
أبيّة… أبيّة …أبيّة…
أنا سوري وأرضي عربية…”

الكاتبة سمية الاسماعيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *