الكاتب: بروفسور يعقوب رافكين
(استاذ التاريخ بجامعة مونتريـال، متخصص بتاريخ العلوم والتاريخ اليهودي المعاصر)
الناشر: برديس – 307 صفحات
منذ رأى كتاب يعقوب رافكين النور أثار اهتماما كبيرا في مختلف انحاء العالم، خاصة في مراكز الأبحاث والصحافة العالمية حيث لفت الانتباه لأهميته وفرادة بحثه، تميزت معظم ردود الفعل بالإشادة والمديح للكتاب والكاتب، داخل إسرائيل وخارجها، طبعا أثار غضب اليمين العنصري واتهام رافكين (لولا الحياء) بمعاداة “السامية” – أي عداء نفسه!!
يستعرض الكتاب تاريخ الحركة الصهيونية منذ اقامتها وحتى يومنا الراهن من وجهة نظر معارضيها اليهود، هذا هو المميز الكبير لهذا البحث الجريء الذي يؤكد ان المعارضة للصهيونية شملت يهودا شرقيين ويهودا غربيين، لم تكن مجرد معارضة صامتة، بل وصل الأمر الى سفك دم يهودي معارض للصهيونية على يد نشطاء منظمة “الهاغاناة” العسكرية. والاستنتاج الأهم لما يطرحه المؤلف في بحثه: لماذا لا تختفي المعارضة للصهيونية من اليهود، رغم النجاح الكبير والمثير لدولة إسرائيل في مجالات الأمن، الاقتصاد والثقافة؟
الكتاب يطرح أسئلة عديدة يقف أمامها المجتمع اليهودي والدولي (خاصة العرب) كل يوم. من هذه الأسئلة الهامة:
ما هي العلاقة بين الصهيونية وظاهرة العداء لليهود (اللاسامية)؟
السؤال المثير الذي يطرحه الكتاب مفاجئا الجميع: لماذا هوجم وعد بلفور، خاصة من وزير بريطاني يهودي في الحكومة البريطانية، اذ وصف وعد بلفور بان منطلقاته “لاسامية”؟
المفاجأة الأخرى في الكتاب هو ان أول اتهام للصهيونية بأنها عنصرية كان من حاخامات يهود ومفكرين يهود، بوقت طويل قبل قرار الأمم المتحدة بإدانة الصهيونية كحركة عنصرية عام 1975!!
طبعا هناك أسئلة لا تهم القارئ العربي كثيرا، مثل رفض اليهود الحراديم (المتزمتين) الخدمة في الجيش، سبب رفض اليهود المتزمتين للصهيونية ورؤيتهم انها تشكل خطرا عليهم، كيف تأصل العداء للصهيونية في نهج اليهودية ومصادرها الدينية، السؤال المهم الذي يطرح: هل دولة إسرائيل تدافع عن يهود العالم او تعرضهم للمخاطر؟
الكاتب لا يوفّر توجيه أصابع الاتهام القاسية لعنصرية الصهيونية، منذ فجر إقامتها. وخاصة معاداتها لليهود الذين رفضوا السير في طريقها.
يكشف الكتاب كذب الادعاء الصهيوني ان الهدف كان إقامة وطن قومي لليهود، من أجل حمايتهم من أعمال العنف المعادية، يكشف البروفسور رافكين في بحثه حقائق لم نكن نعرفها بمثل هذا الحجم، حيث يشير الى علاقة بين النظرية العرقية (النظرية التي تطورت في ألمانيا النازية) والأيديولوجيا الصهيونية، أخطر ما يؤكده هو وجود تعاون بين قيادات صهيونية في بداية طريقها وبين قادة معادين للسامية (معادين لليهود) في اوروبا. يفسر الباحث ان وراء هذا التعاون المستهجن وقف هدف مشترك: طرد اليهود من اوروبا الى أرض إسرائيل (فلسطين).
هذا الموضوع ليس جديدا، أذكر ان مجلة “الدرب” النظرية التي كان يصدرها الحزب الشيوعي في إسرائيل، نشرت تقارير هامة عن نفس الموضوع كتبها قادة شيوعيين يهود أثارت في حينه ضجة كبيرة، للأسف لم أحتفظ بأعداد المجلة التي توقفت عن الصدور قبل اربعة عقود على الأقل… وأسجّل ذلك من الذاكرة.
يكشف الباحث حقائق أخرى مارستها الصهيوينة، منها ان الهدف لم يكن اقتلاع اليهود من أوطانهم في اوروبا، انما ايضا إعادة تربيتهم وتحويلهم ليهود “جدد” (حسب تعبيره) علمانيين، مقطوعي الصلة مع التقاليد اليهودية (القصد الدينية) وذلك عبر نشاطات تشبه ما كان متّبعا في الكتلة السوفياتية.
يطرح الكتاب ايضا اتهام حاخامات اليهود الحرديم (المتزمتين) الى وجود علاقة بين الصهيونية وبين القتل الواسع لليهود، لدرجة اتهام الصهيونية بأن الكارثة اليهودية (قتل النازيين لستة ملايين يهودي) كانت عقابا لأخطاء الصهيونية!!
الكتاب وما يطرحه من حقائق، تجعله إدانة للصهيونية ليس لجريمتها ضد الشعب الفلسطيني فقط، انما لما ارتكبته، حسب نصوص البحث ضد اليهود أنفسهم، ليس في اوروبا فقط، انما في فلسطين أيضا.
من المواضيع المثيرة التي يطرحها الكتاب (هناك خلاف حولها) موقف مؤسس دولة إسرائيل وأول رئيس لحكومتها، دافيد بن غوريون، الذي وُجّهت له انتقادات (او تهم) حول موضوع إنقاذ يهود اوروبا، بعد ان تبيّنتْ نوايا النازيين وعنفهم الدموي ضد اليهود في ألمانيا، اذا ينسبون لبن غوريون قوله التالي:” لو عرفت انه يمكن إنقاذ كل الأولاد اليهود بنقلهم الى انكلترا، أو نصفهم فقط بإحضارهم الى أرض إسرائيل (فلسطين) لكنت اخترت الإمكانية الثانية، (أي إنقاذ نصف الاطفال بإحضارهم الى فلسطين) لأن ما كان على سلم الأولوية ليس فقط مصير أولئك الأولاد، انما الهدف التاريخي للشعب اليهودي”!!
جرأة بروفسور رافكين في تسجيل الحقائق المناهضة للصهيونية، أثارت غضب الكثيرين وخاصة غضب المؤسسة اليهودية في إسرائيل، طبعا غضب اللوبي اليهودي الأمريكي، بعض المعلومات تقول انه تلقّى تهديدات بالقتل. حظي البحث كذلك بالمديح الكبير من مختلف أوساط الشعب. أشادت به وبمؤلِّفه مختلفُ صحف العالم وشخصيات هامة من إسرائيل والعالم الواسع.
من المواضيع الملحة التي يطرحها الكتاب أيضاً موضوعُ الدولة اليهودية التي يلوّح بها بيبي نتنياهو.
رافكين يؤكد ان الصهيونية استغلت اليهودية، ويفسر ان الصهيونية هي أيديولوجيا نشأت بالأساس في المناطق الريفية في اوروبا الشرقية بين جمهور يهودي لم تكن له علاقة بالفكر الليبرالي، اي اليهود الذين ظلّوا معزولين بسبب عجزهم عن الاندماج بالمدن الكبرى بسبب العداء للسامية، تبنّوا نموذجا (الصهيونية) قُدِّم لهم كبديل.
حول “الصيغة اليهودية للدولة” يقول ريفكين: “انا أفهم ماذا تعني الصبغة الإسرائيلية ولكن ليس الصبغة اليهودية”، يواصل: “يقلقني انهم يفرضون التعريف الذي هو عدم تعريف للدولة كلها، هذا يؤدي الى ان قسما كبيرا من السكان يعيشون بدون تعريف”!!
الكتاب يحتاج الى مراجعات عينية للعديد من المواضيع التي يطرحها ومنها على سبيل المثال لا الحصر الأمن في إسرائيل بصفته الأكثر قدسية.
ما زلت في القراءة التمهيدية للكتاب، لم أستطع المواصلة قبل ان أسجل انطباعاتي الأولى، وآمل ان أعود بمقال آخر او أكثر حول العديد من القضايا المحورية الهامة، بل والخطيرة التي يطرحها الكتاب بدون مواربة.
الأهم ان يجد الكتاب طريقه مترجَما للقارئ العربي!
الكاتب والباحث الإعلامي د. فضيل حلمي عبد الله