مقاربة للكاتب لحسن قراب لقصيدة (في انتظارك يا وطني) للشاعرة المقتدرة:(خديجة بوعلي)

في انتظارك يا و طني
مُقعد
على ناصية الزمن
ألوك التمني
أبتلع الإحباطات جرعات
أغزله منى
وأماني
على أرض انتظارات.
========
قراءة في العنوان

بسم الله الذي جل علاه وتعالى سناه.


من نافلة القول ان الكلام ينسب لصاحبه باعتباره أثرا يدل على مدى فطنته، فالقدرة على التعبير هي قدرة على التفكير ثم استطاعة على التدبير، والشعر أعلى درجات الكلام وفى أعلى مقام، القائل فيه يختار لكل مقام مقال ولا يكون الشعر شعرا إلا إذا استبد بشعور الآخرين وسلب لبهم وجذبهم إلى معانيه ،فهو يغوي القراء بتبني ماجاء فيه من أفكار وآراء، ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى في حق أهله(والشعراء يتبعهم الغاوون) الشعراء 224 أي اهل العقول الفاسدة وقد بين ذلك حين ميز بين الرشد والغواية في قوله (قد تبين الرشد من الغي) أي من الجهل والفساد، وذلك حين يكون الشعر غير ملتزم، ألَم يرد عن الأصمعي قوله (أعذب الشعر أكذبه) وقد استثنى الحق من ذلك الذين يعتصمون بحبل الله فقال (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا) البقرة 227.


وقصائد الشاعرة خديجة بوعلي تدخل في نمط الشعر الهادف الملتزم بقضايا الأمة الإسلامية اولا، وبقضايا الوطن ثانيا . ولعلني لا اخطئ الصواب إذا عللت رأيي من خلال إسم العلم، فهي من حيث الإنتساب، نجد إسم (بوعلي) إسم عربي يحيل اولا على أصغر امرئ اعتنق الإسلام وهو الصحابي (علي بن أبي طالب) كرم الله وجهه، اما السابق (بو) فهو لازمة من لوازم الأدب الإسلامي يميز بين الأقحاح من العرب عن طريق نسبتهم إلى آبائهم عبر سلسلة من الأسماء التي تشكل حلقة من حلقات التسلسل التاريخي للأسر العربية وهو مايسمى بتاريخ الأنساب.


ثانيا ان هذا السابق يؤشر للقيام بالمسؤولية الملقاة على عاتق المسلم وهو انه مستخلف (وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) الحديد 7 وانه مستحث على العمارة عن طريق النسل والولد ليدعو لعبادة الخالق بالتي هي أحسن (هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) هود 61. ولا يجوز إرداف الهمزة إلى (بن) إلا لخلل في مسلسل الإتباع والإلحاق السوي. ويلاحظ هذا التمايز بين المجتمعات التي تحافظ على نقاء الأصل بهذا الشكل الملفت للنظر، وبين المجتمعات الهجينة التي لا تعبأ بربط الفروع بالأصول مثل المجتمعات الغربية التي لاتفصل بين الابن والاب بفاصل دلالي (Martin Luther) دلالة على الهجنة وعدم الحزم في الحفاظ على نقاء النسل، وإذا كان المرء لايهتم بأصوله وفروعه فهو بما دونه غير مبال ولا مهتم.


وإذا رجعنا للفص الثاني من إسم العلم (خديجة) فالخديج هو الذي يولد قبل تمام الحمل، ومن هنا تتبين طبيعة الشعر كحمل لا يولد إلا خديجا أي يقتضي من القارئ ان يرعاه ويتعهد الفاظه ومعانيه ويربيه طول حياته، فالشعر وليد يستدعي إعادة اكتشافه من جديد مع كل قراءة.


وإذا وقفنا على العنوان (في انتظارك يا وطني) نجد إحالة على وطن غائب لذلك وجدنا فجوة بين (ياء النداء) والوطن، المنتهي بياء النسبة الدال على الإنتماء والإحتماء والإلتحام بين الأنا والوطن، غير ان المنادى ليس الوطن كمكان وإنما الوطن كإنسان، سيرا على قوله تعالى (واسأل القرية التي كنا فيها) يوسف 82 أي إسأل أهل القرية لعلاقة الحالية والمحلية في البلاغة العربية. وكذلك علاقة الجوار. (إياك أعني واسمعي يا جارة).


ومن عجائب الصدف ان العنوان يحيل على المكان بحرف الجر (في) ولكنه حرف يحيل على غيره في المعنى، فهو هنا حرف هجين يفيد الظرفية المكانية (عند) لان لحظة الإنتظار تدعو للمكوث بالمكان والالتصاق به ترقبا وترصدا لما يأتي. او ان (في)تفيد الإستغراق وقد جاء شبيه له في القرآن الكريم (لأصلبنكم في جذوع النخل) طه 71
ما يلاحظ على العنوان ايضا هو هندسة الحروف التي تأتي مثقلة بالنقاط سواء من أعلى او أسفل ، دلالة على هذا الإنزياح الذي تئن تحته معاني القصيدة.،دلالة على توزع هذا الوطن بين الداخل والخارج (ف-ي-ن-ت-ظ-ي-ن-ي) فهندسة الحروف على مستوئ الرؤية تشير لانشطار الحرف الي مكونين (ف-ن-ظ) او ثلاثة (ي-ت) وهي خاصية داخلية للقصيدة تحيل على رثاء وطن حي ولكنه يحتضر او ينتظر والشاعرة تختبر وتحبِّر وتكتب ما تذخر.
كذلك نجد حروف المد التي تعبر عن ألم دفين يستدعي طاقة كبيرة لإخراج ما يعتمل في صدر القارئ عند قراءته، وكلما امتد نفسه كان ذلك تعبيرا عن إحساس عميق بالمعاناة، ولذلك نجد القراء يتبارون في مد أصواتهم ليتناسب ذلك مع المعاني المراد إيصالها. (يا……… و… طني)

وليس من قبيل الصدف ان ينطلق العنوان من الداخل الذي يحيل عليه حرف الجر (في) وينتهي عند (وطني) المبعد على المستوى الكالغرافي، وينتهي به السطر دلالة على التهميش بل إن حرف المد (يا) الذي ينادي به البعيد يشكل حاجزا بين كاف الخطاب ((انتظارك)……يــــــــا…. وطنــي)وبطن الوطن كلحمة تنز عن سداها وتتهلهل.

الكاتب لحسن قراب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *