الخدعة الكبرى( عاصمة الأنوار باريس نموذجاً) للكاتب عبدالسلام اضريف

اِن كتب ادب الرحلات تعد من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية، حيت ان الكاتب يستقي المعلومات والمشاهد الحية والتصوير المباشر، مما يجعل قراءتها غنية، ممتعة ومسلية. فالعديد من الروايات والقصص يمكن اِدراجه ضمن مسمى أدب الرحلات، كما هو الامر عند ( ابن بطوطة ) و ( ماركو بولو ) و من،( أندريه جيد ) و ( نجيب محفوظ ) وبطبيعة الحال ، مع وجود فارق بين كل واحد ، لكن المشترك بينهم يتمركز حول الرحلة الزمانية أو المكانية أو النفسية.

يقول الرحالة ( فرانسيس بن فتح الله مراش ) الحلبي الكاتوليكي في مقدمة كتابه (( رحلة الى باريس)) ؛

.
” …رايت القوي يدوس الضعيف ويأكل لحمه ويشرب دمه ، ويكاد لا يشبع ولا يروى . رايت أقواماً يرضعون الذل والخوف من أثداء امهاتهم ووجوههم مايلة نحو الشفق لطلب صدقة…وفي أيديهم حقاقاً فولاذية مطبوعة على افكارهم وحريتهم حتى لا تتحرك “

وقبل الخوض في تفاصيل الرحالة ( فرانسيس مراش ،) ،لابد وان افتح قوسا له ارتباط وثيق بالموضوع ، اشير فيه الى ما تعرضت له الكاتبة والناشطة الفرنسية من اصول مغربية ( زينب الغزوي ) هذه الايام ، حيت اقدم وزير الداخلية الفرنسي على تقدبم تقرير الى المدعي العام الفرنسي بباريز ضد الناشطة ( زينب) لكونها اعتبرت في تصريح لها لمجلة ” الفجر الجديد ” التركية بان حركة حماس ،هي حركة مقاومة ، وان اسراييل دولة ارهابية .

وحسب تصريح للناشطة، كونها ادلت بهذا التصريح على ضوء ما املاه عليها ضميرها بخصوص الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ، وان هذا العمل الشنيع لا ينم سوى على الانهيار الاخلاقي الكبير لهذا الكيان ،والخطير في الامر ان دولة فرنسا التي تدعي كونها قِبلة للحرية ، نجدها من المساندين لهذه الاعمال الشنيعة ، والمِحرقة البشعة ضد الفلسطينيين .

كما اشارت الناشطة بان الافكار التي كانت تتمضمض بها فرنسا ،تم التنكر لها بشكل صريح ، وخاصة حينما سحبت من الكاتبة جائزة

” سيمون فايل” بسبب موقفها الأخير المندد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

واضافت ( زينب الغزوي ) انه اذا كانت الجايزة ،هي عبارة عن تواطؤ مه الكيان الصهيوني في جرايمه ، وحرب ابادته، فستكون سعيدة جدا بإرجاع هذه الجايزة في كيس قمامة .

وصرحت ايضا في نفس السياق ،بانها حتى واِن حكم عليها بالسجن ، فستكون سعيدة جدا بأداء هذا الثمن تضامنا مع قضية الشعب الفلسطيني .

فتحية تقدير للاستاذة ( زينب الغزوي ) وللمراة المغربية والعربية على هذه الروح التي تسري في عروق الحرائر اينما وُجِدن ، وحيثما وجِدن .

بالرجوع الى موضوع ( رحلة الى باريس ) والاحداث ارّخ لها الرّحالة( فرانسيس مراش ) سنة 1866، اي بعد قرن من الثورة الفرنسية التي وقعت بتاريخ 14 يوليوز 1789 حيت ساهمت عدة عوامل في اندلاعها منها ما هو ؛
* اجتماعي :
اِذ ان المجتمع الفرنسي كان على شكل هرم يوجد في قمته طبقة النبلاء والإكليروسن المستفيدين من عدة امتيازات، ثم الهيئة الثالثة المشكلة من البورجوازية الناشئة المحرومة من المشاركة السياسية، وفي أسفل الهرم تواجد الفلاحون الذين كانوا يعانون من ثقل الضرائب وأعمال السخرة.
* اقتصادي:
اعتمدت فرنسا على النشاط الفلاحي، وقد أدى توالي المحاصيل السيئة إلى تأزم البوادي وارتفاع المجاعة وتفشي البطالة بالمدن. مما أدى إلى توالي الانتفاضات انطلاقا من البوادي التي توجت بثورة باريس يوم 14 يوليوز 1789م.-
* سياسي:
تميز نظام الحكم في فرنسا قبل الثورة باستحواذ الملك والنبلاء والإكليروس على الحكم في إطار ملكية مطلقة تستند إلى التفويض الإلهي مع عدم وجود دستور يحدد اختصاصات السلط.

ولقد ترتب عن هذه الأوضاع انتقادات تزعمها ثلة من المفكرين عبر انتشار أفكار هم الثورية التي اِعتبرها العديد من المحللين بانها كانت وليدة عصر الأنوار، اِذ دعى ( مونتسكيو ) بضرورة فصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيدية، في حين طالب (فولتير )بالمساواة الاجتماعية وإلغاء امتيازات الطبقة الحاكمة (الملك والنبلاء والإكليروس)، هذا فضلا عن مناداة ( جان جاك روسو ) بإقرار النظام الديموقراطي.

لكن الواقع كان شيئا آخر ، وعلى الرُّغم من مرور أزيد من قرن من الزمن على الثورة الفرنسية فان النظام السياسي لم يستطع تنزيل افكار الثورة على ارض الواقع ، وخير مثال على ذلك ما اشار اليه الرّحالة ( مراش) من كون القوي يدوس ويطغى على الفقير المُعتَر ، بحيت يستبيح اَكل لحمه ويشرب من دمه ، ويكاد لا يشبع ولا يروى.

هل هذه هي انعكاسات افكار الثورة على المجتمع في بلد يدعي انه بلد عصر الأنوار ، وقِبلة مبادىء الحرية .

للاشارة فان ادب الرِّحلات ، كما هو كتاب ” رحلة الى باريس” للكاتب ( فرانسيس مراش) هو نوع من الأدب حيت استطاع الكاتب تصوير ما جرى له من أحداث وما صادفه من أمور أثناء رحلتة التي قام بها الى فرنسا .

قد يقال بان الرحالة ( فرنسيس بن فتح الله مراش ) قد يكون وصفه به بعض من التحامل الشرقي على الغرب ، ولم يكن صادقا في ذلك، وللاشارة فان (مراش) كان يدين بالنصرانية ولم يك قط مسلما ً، بحيت لم تسمح له مبادئه المسيحية التشهير ببلد يدين هو بدينه، لكن الأمانة العلمية للرحالة هي التي كانت نبراس وصفه ونقله لوقائع عاينها وتعايش معها خلال فترة تواجده بباريس .

وللاشارةً فان التوجه الفكري للعالم اليوم يتمحور نحو مرتكز يمكن وصفه بالمتعطش للمال وللدماء ، فالعالم ومنذ انتصار الثورة الفرنسية بدا يسوده نظام عالمي جديد قواعد مِحراب عقيدته تتمثل في المال والسلطة والإعلام ، عالم على حد قول الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية ( ترامب)

” لا مكان فيه لله ولا للقيم الانسانية”.
يقول ( دان باركر)

” يمكنك الاستشهاد بمئات المراجع لإثبات أن إله التوراة والإنجيل هو طاغية متعطش للدماء ، ولكن إذا تمكنوا من حفر آيتين أو ثلاث آيات تقول إن الله محبة ، فسوف يزعمون أنك * أنت * تخرج الأشياء من سياقها!”

و(دان باركر ) هذا هو ناشط وموسيقي أمريكي ملحد خدم كواعظ وملحن مسيحي اِنجيلي لمدة 19 عامًا لكنه ترك المسيحية في عام 1989, وقد كتب العديد من المقالات في صحيفة الفكر الحر الأمريكي فضلا عن ذلك فهو مؤلف للعديد من الكتب بما في ذلك ” فقدان الإيمان، من واعظ إلى ملحد” .

هذه نمادج من الفكر الغربي ، وهذا المصطلح لا تعني فقط المجال الجغرافي المحدد في غرب اوربا ، بل تشمل كلا من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان …هو فكر نشاَ على عبودية المال والقوة حيت لا يتوانى في سفك الدماء ، بل واكل لحوم الآخر ، يقول الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية ،

” انا لا يهمني موت المصارع ، ما يهمني هو ان يكسب المصارع الذي راهنت عليه “
ويسترسل
” انها ولادة جديدة،ولادة ستكلف الكثير من الدماء .. فنحن اليوم لم نعد نملك المشاعر والاحاسيس “

هذه شهادات ممن حكموا أقوى اقتصاد عالمي ، وهي في نفس السياق الفكرة نفسها عند الغرب . ومن امثلة الفكر الغربي المتوحش ما قامت به فرنسا من تجارب نووية على مستوى الصحراء الشرقية ، أواخر الخمسينات وبالضبط سنة 1959 من القرن الماضي ، وعلى اِترها عارضت المملكة المغربية وبشدة عليها أي قبل التفجیرات بنحو عام كامل حیث وجهت رسائل إلى فرنسا، لكن دون مفعول یذكر، مما أدى بالمملكة إلى توجیه استدعاء للأمم المتحدة، في دورتها 14، للجمعیة العامة.

و عند تفجیر القنبلة، ألغى المغرب الاتفاقیة الدبلوماسیة مع فرنسا، المبرمة في 28 ماي 1956 كما استدعى سفیر المغرب بباريس .وسارعت الصحافة الى حث الحكومة المغربیة للإسراع برد الفعل تجاه التفجیر النووي ، وكتبت صحیفة التحریر تحت عنوان “الصفعة لنا كلنا ” ،حیث ركزت على ضرورة اتحاد الرأي العام في المغرب العربي ضد فرنسا والسوق الأوربية المشتركة .

وللإحاطة فان التوجه الفكري الفرنسي مبني اساسا على الحقد لكل من هو عربي او أفريقي ، حيت ما زالت هذه النظرةالاستعلاءية معششة في لا شعور الفرنسيين والى حدود تاريخه ويتجلى ذلك من خلال الإجراءات التعسفية الجديدة الممزوجة بالحقد والكُره ضد الآخر ، وتحت غطاء مفهوم الحرية وحقوق الانسان ،فما نراه حاليا في علاقتها سواء مع الدول الافريقية وخاصة في ( مالي) وغيرها من الدول الافريقية المستضعفة، وما نلمسه جليا في تعاملها الحالي مع المملكة المغربية بخصوص التعسف حول إجراءات التاشرة بالنسبة للراغبين في التوجه الى الديار الفرنسية من رجال اِعمال تربطهم علاقات تجارية او صفقات عمومية او حتى لحضور مؤتمرات علمية ، حيت تم رفض كل طلبات التاشرة ، وما هذا السلوك الا انعكاس واضح لما كانت تقوم به هذه الدولة في الماضي من خلال تاييد ظلم الأقوياء للضعفاء ، وقهر للحقوق كما جاء في شهادة الرّحالة ( فرنسيس بن فتح الله مراش) في مقدمة كتابه ( رحلة الى باريس)، كل ما في الاَمر ان السيناريوا الذي يجسد القهر والظلم من داخل المجتمع الفرنسي قد انتقل الى خارج التراب الفرنسي والعمل على تنزيل ممارسته على مجموعة من الدول والشعوب التي قدر الزمن ان تعيش مرحلة الضعف والقهر والهوان .

هذه الدولة يطلق على عاصمتها لقب عاصمة الأنوار،
فاين الأنوار مما يقع على مستوى القارة الافريقية من نهب لخيراتها ، وظلم لاهلها .!!!!

للكاتب عبدالسلام اضريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *