شاعرية فياضة في حاجة الى من يبرزها الى الوجود.{ سنية صالح نموذجا } للكاتب عبد السلام اضريف

القصائد الشعرية مختلف الوانها ، و متنوع مذاقها ، فهي اِما وصف لواقع داخلي ، او رصد لمحيط خارجي ، فهي ثارة تبحر في يم الغرام والحب ، واحيانا اخرى تتجه الى مِزلاج صَدِءٍِ لبوابة مهجورة ، شرارة الشعر مبهمة ، فلا مكان يحددها ، ولا زمان يُوقتها ،فهي حاضرة غايبة اِن قفلت عليها الباب دخلت من النافدة .

فهناك في هذا الوجود مشاعر مُتدفقة ، استطاعت بفضل اِلهامها ان تتميز وببراعة مشهودة في صناعة القصائد الشعرية ما لم يتوفر للعديد من امثالها ، ومع ذلك فان احاطات ظرفية متعددة ، ومعقدة احيانا قد تكون السبب الرييس ذون ان تنال حظا مما كان يجب ان تناله من شهرة ومن ظهور على مسرح من خلدتهم كلماتهم وقافياتهم .

فمثلا حينما نقرا البيت الثالي :
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
مباشرة البيت ل ( عنترة ابن شداد )

وحينما نقرا :
هام الفؤاد بأعرابية سكنت
بيتاً من القلب لم تمـــدد لــه طنبـــا
مظلومة القد في تشبيهه غصناً
مظلومة الريق في تشبيهه ضربا
مباشرة نعرف بان البيت ل ( ابي الطيب المتنبي )

لكن حينما نقرا الابيات الثالية اسفله ،فاِن الكاتب مُقيد في سجل سرديات ادبيات الشعر تحت اسم
” مجهول “

“من الحروب
أم من دموع امرأة حقيقية
يتكون هذا النهر العظيم الذي يسمونه الحياة؟”.

وحينما نقرا :

شدي جذعك إلى جذعي
يا ابنتي
ثم اسحبي ما تبقى من جسدك في جسدي واعبري
ستكون أمامك ممرات طويلة وضيقة
والحقيقة تكمن في أشدها ضيقاً
حذارِ أن تنسي
أنك ذاهبة لتصرخي وترفضي
لا لتنحني”.

وحينما نقرا ايضا :

“قبل أن يدركني اليأس
أقفلي يا صغيرتي ذراعيك الخائفتين حولي
وارمي مفتاحهما في البحر أيتها اللؤلؤة
نمت في جوفي عصوراً
استمعت إلى ضجيج الأحشاء
وهدير الدماء
حجبتك طويلاً
ريثما ينهي التاريخ حزنه
والمحاربون حروبهم
والجلادون جلد ضحاياهم
ريثما يأتي عصر آخر
فيخرج واحدنا
من جوف الآخر”.

وحينما نقرا :

“الليالي المظلمة
خلقت للألم والذكرى
بين الثياب والعطور
تبكي حمامة مذعورة
حمامة يُقال لها
أمي”.

وحينما نقرا ايضا:

عاجزة أن أعيدك إلى مخيلتي أيتها الغابة
فأية عبارة حكيت للأشياء المنسية لحظة الغروب
وأية ورقة صمّمت لحظة البرودة
وبأي حوار فاجأتك الفصول”.

وحينما نقرا ايضا:

لكن الغابة بيضاء
والعصافير ثلج
شخص ما سيطلق الرصاص على ذاكرتي المعلقة في الهواء”.

وحينما نقرا ايضا:

جئناك أيها الزائر الإستوائي‏
نعشق رائحة أرضك‏
ونلبسك‏
وننام‏

وحينما نقرا ايضا:

ألف حصان يصهل في دمي‏
أتدرع بموتي‏
أرضع جوع الذئاب، أمتطي شعر الريح، ألبس الليل‏

وحينما نقرا ايضا:

نعيش فصل الحب كالحشائش‏
نبحث عن أرض صغيرة‏
وحين يأتي المساء‏
ننهض كالضباب فوق الأعشاب‏ .

سؤال اطرحه على نفسي قبل المتلقي ، هل الإذلال للاخر سلوك به من الرشد ، يشفع لصاحبه ممارسته وباستمرار ضدا في الآخر، كيفما يكون مركزه ، صفته او جنسه ؟

هل من العدل في جميع الشرايع المنزلة ، هامشا يُسمح فيه للرجل بتكسير خواطر الآخر، وخاصة الانثى ؟

هل المنطق ، وقواعد الجمال تمنحك الولاية والوصاية ، لكونك انت … !!! ان تمارس شططا لِذكوريتك على انثاك ؟

هل تهميش الاخر ، في نظرك الثاقب رمز للقوة ، والرجولة حتى في سرديات القافية ؟

هذا التعسف في حق الاخر، ليس له معنى اخر سوى دلالة واحدة ليس الا ، بحيت لا يمكن تاويله ،او اِعطاؤه تفسيرا ثانيا غير الفشل الدريع، في مواضيع لها علاقة بمكوانتك الذاتية ، بحيت ليس لذيك الجرأة على مواجهتها مباشرة ، وان ضعفك امامها تُكرسه في اِذلال وتهميش الاخر ، اِنتقاما منك اياه لكونه يحضى بامتيازات فنية وجمالية قد تفوق ما وصلت اليه انت من شهرة .

هنا يتوقف الجليد عن الدوبان ، وتنكسر حروف القصايد الشعرية من سيقانها ، فتغيب بذلك نعومة ملمسها ، وتموت بذلك الاوراق الخضراء ، هذا ما الت اليه حياة الشاعرة الصقر ( سنية صالح) زوج ( محمد الماغوط ) الشاعرة التي نحتت الصخر بحثا عن جمال الحرف ، في مجتمع ذكوري بامتياز ، جعلها سحابة مضمرة وسط خريف قاهر ، علما انها غيمة ماطرة ، فتحولت بذلك الى نورس تلجي بارد ، ينتظر رصاصة الخلاص من حياة ذاكرة معلقة على هواء القطب الشمالي .

فمن هي الشاعرة ( سنية صالح ) ؟

الشاعرة السورية (سنية صالح ) المزدادة بالشام وبالضبط في بلدة ” مصياف” بسورية سنة 1935 ، وهي زوجة الأديب السوري ( محمد الماغوط ) الذي تعرفت عليه في خمسينيات القرن الماضي في بيت الشاعر السوري( أدونيس ) ببيروت ، تزوجها ، ولها منه ابنتين ، توفيت ( سنية صالح ) من مرض عضال بباريز سنة 1985 .

وللشاعرة ( سنية صالح ) دواوين شعرية منها: “الزمان الضيق” و”حبر الإعدام ” و”قصائد” كما كتبت كتاب “ذكر الورد” و”الغبار”

الشاعرة ( سنية صالح ) نمودج للانثى الضحية ، الشاعرة التي عشقت الصمت واتخدته كمنسك طقوسي تصلي به ، الشاعرة المسحوقة التي بحثث عن الدفىء ، فلم تجده ، وبذلك كانت صدمتها نوعا ما قاسية عليها ، من أجله طلبت اللجوء والهجرة رفقة دموعها الى مِحراب قصايدها ، ناسكة متعبدة في صمت مع حروف ابيات شعرها التي ذكرناها في مقدمة هذه الخاطرة .

الشاعرة ( سنية صالح ) وعلى الرغم من مرور عقود على معانقتها الثرى ،الذي احتضنها بحرارة افتقدتها حينما كانت فوق الارض ، تسعى روحها الى مؤلف يبرزها الى الوجود ، او كما تقول السيدة ( ملك عبدالعزيز ) في مقدمة كتاب ” نماذج بشرية ” ل ( محمد منذور )

“…ولكم من شخصية ما تزال مبعثرة ، غامضة ، حايرة حتى يتاح لها مؤلف يجمع اشتاتها ، ويوضح معالمها ، ويدعم حياتها ،فاذا هي ابقى على الزمن من البشر ،واذا بها تجتاز الاجيال مستقلة الوجود في مأمن من الفناء ، لانها اعمق في الحياة من كل حي ، واصدق دلالة من كل واقع .”

الكاتب عبدالسلام اضريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *