العلاقات الدولية كأحد فروع القانون العام تهتم في إطار المساحة المخصصة لها بتحليل ودراسة كل ما يتجاوز الحدود السيادية الجغرافية، ضمن أبعاد اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وعقدية، هذا فضلاً عن نوعيات أخرى ذات بُعد تنظيمي.
العالم العربي بطبيعة الحال لا يمكن استثناؤه من هذه المعادلة الدولية التي تنظمها عهود ومواثيق مصادق عليها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو من طرف بعض التكتلات الدولية.
لكن ما يُطبخ في الكواليس ودهاليز اتخاذ القرارات شيء آخر، يختلف بصورة جذرية عما تتداوله مسرحيات العلاقات الدولية التي يكتنفها الغموض، والحقد، لا السلام والمحبة. هذه المعادلة العصرية، الجميلة شكلاً والإنسانية مضموناً، تبقى صورية ليس إلا؛ إذ تحتوي في عمقها على خبث دفين ودسائس مسمومة ملفوفة في صيغة علاقات دولية، ومساعدات عينية ونقدية، وخاصة مع الدول الإسلامية.
لفهم فصول هذه المسرحية، الجيدة الإخراج والمتقنة الأدوار في مفهوم العلاقات الدولية، أدعو المتلقي إلى قراءة مقال لرئيس وزراء بريطانيا الجديد (كير ستارمر) المنشور على صفحات جريدة “الشمس البريطانية” The Sun.
يقول (كير ستارمر):
“علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا وواضحين حيال علاقتنا بالعالم العربي والإسلامي، ونقول الحقيقة لأبنائنا حتى لا نتصادم معهم يوماً، أو يشعروا بالاضطراب الفكري ومتلازمة التناقضات النفسية بين إيمانهم بالقيم الليبرالية واحتياجات أمننا القومي، والتي زادت من تناقضاتها الثورة المعرفية وتقنية المعلومات ووسائل التواصل العابرة للقارات.
نحن خلافاتنا في الحقيقة ليست مع الشعوب الإسلامية ولا الأنظمة الحاكمة، لأن الأنظمة تدور في فلكنا وتستمد بقاءها من جانبنا، وتنفذ سياساتنا التي تخدم الأمن القومي الغربي أولاً بغض النظر عن أمنهم القومي.
إذاً، فأين تكمن حقيقة الأزمة في علاقاتنا بالعالم الإسلامي ككل والعربي كونه مركز هذا العالم؟
إن مشكلتنا الحقيقية تكمن في (الإسلام ذاته ومع محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلام نفسه) لأنه دين حضاري يمتلك الإجابات التفصيلية لكل الأسئلة الوجودية والحضارية وهو منافس عنيد للحضارة الغربية التي بدأت تفقد تألقها، بينما الإسلام ومحمد يزداد تألقاً حتى داخل مجتمعاتنا الأوروبية التي أتاحت لها القيم الليبرالية حرية التفكير، وأضعفت سلطة الكنيسة، وهذا التفكير الحر المجرد قاد الكثير من النخب والشباب إلى اعتناق الإسلام، لأنهم وجدوا فيه كل الإجابات عن احتياجاتهم النفسية والروحية والوجودية والاجتماعية التي أغرقتهم فيها حضارتنا المتناقضة.
نحن مشكلتنا الحقيقية مع الإسلام نفسه وستظل كذلك، لأنه ليس لنا إلا خيار مواجهة التدفق الإسلامي والفكر الإسلامي بشتى الطرق، لأن الخيار الآخر هو أن نعترف أن الإسلام دين الله الحق ودين يسوع وكل النبيين، وهذا سيقودنا إلى اعتناقه حتى نصل إلى ملكوت الله في الدنيا وما بعد الحياة.
ليس لنا خيار سوى مقاومة الإسلام ولو أدى ذلك إلى تخلي بلداننا ومؤسساتنا عن القيم الليبرالية. علينا أن نسن القوانين التي تدفع المسلمين إلى مغادرة أوروبا، ولنا مثال في السويد التي تفرض قوانينها المثلية والشذوذ والإلحاد، وهذا أكثر ما يدعو المسلمين إلى مغادرة أوروبا أو الانصهار في حضارتها وفقدان إيمانهم بالإسلام.
كذلك علينا أن نمنع الهجرة من العالم الإسلامي إلى أوروبا وأمريكا ولو بالتعاون مع الدول الإسلامية ونفتح المجال لهجرة الشعوب غير المسلمة. ومن جهة أخرى، يجب الاستمرار في دعم إسرائيل مهما كانت إجراءاتها قاسية حتى لا تسمح بإقامة نواة لنظام إسلامي في غزة يشجع الشعوب الإسلامية على احتذاء التجربة.
في هذا المجال، يمكن الاستفادة من الدعم الكبير الذي تحظى به إسرائيل من الدول العربية، التي تخاف من قيام أي نظام إسلامي أو ديمقراطي. كما أن علينا دعم الأنظمة العربية ومؤسساتها وجيوشها وأجهزتها المختلفة التي تمنع قيام أي نظام يستمد قيمه من تعاليم محمد ومن كتابه المقدس.
نحن الآن بين خيارات متناقضة ومخيفة لأن الاستمرار في خياراتنا الليبرالية يفقدنا الحصانة من الزحف الإسلامي، والعودة إلى الكنيسة يهدم قيمنا الليبرالية ويؤثر على منجزاتنا الحضارية.
ما أخشاه أن لا نجد أمامنا في المستقبل إلا خياراً واحداً يتمثل في الدفع نحو قيام حرب كبرى تحد من الحريات، وتشعل حروباً غير منتهية في الدول الإسلامية، وتفقد الإسلام مناخات السلام التي يتمدد من خلالها.
مالم نتدارك الأمر، فستملأ المساجد والمآذن أوروبا، ويهيمن الإسلاميون في الانتخابات، ويؤثرون على الاقتصاد والرأي العام، ثم يحكمون أوروبا بتعاليم الإسلام”.
ترجمة: لورا أدوارد
هكذا تُبنى العلاقات الدولية بين الغرب والعالم الإسلامي، وشهد شاهد من أهلها.
فهل العالم الإسلامي عموماً، والعربي خصوصاً، واع بما يدور في دهاليز ونوايا أصحاب القرار في الدول المتشدقة بمبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة؟
الذئب مترصد لا ينام، وقول (حدام) ليس له مفعول، ولكن جنت على نفسها (براقش).
الكاتب عبدالسلام اضريف