تأثير الأدب العربي على تشكيل القيم والمبادئ في المجتمع ل د. لطيفة حسيب القاضي

تعتبر الكتابة الإبداعية، المرتبطة بالمخيلة، والتي تشمل الشعر والمقالات والنقد الأدبي وأدب الواقع والخيال، نوعاً من الأدب. ومن هنا، يجسد الأدب الواقع بكل تجاربه ومشاعره واللحظات الحياتية المؤثرة. أحياناً يكون التوجه سلبياً أو إيجابياً، حسب توجهات الكاتب، وهنا تأتي أهمية دور الأدب في التأثير على حياتنا.

فالقارئ يعيش اللحظة عندما يقرأ عملاً أدبياً، مما يسهم في تشكيل رؤى وقناعات لدى الكثير من القراء، لأنه يصف الواقع. ظهرت أهمية الأدب من خلال تقديم نماذج متباينة في آليات التفكير الحر، مما يتيح للفرد الفرصة لمعرفة العالم خارج إطار ذاته، فيتنوّر فكره ويتمكن من فهم الحياة.

أثبتت العديد من الدراسات تأثير قراءة الأدب على الأفراد، حيث تُحلل الأعمال الأدبية من ناحية النظرة العميقة لكتّابها وما يتبعون من أفكار. كما أثبتت هذه الدراسات أن الأعمال الأدبية ليست فقط للتسلية، بل لتعزيز القناعات الفكرية والهيمنة الفكرية. فالأدب يقوم على قوة التحريك ويستند إلى الإقناع، وهنا تأتي أهمية ثقافة السؤال كأداة مفتاح للمعرفة.

لا جرم أن الأدب يعيدنا إلى قصص التاريخ والأعمال الكلاسيكية القديمة والحديثة، من خلال التشكيل الأدبي الذي يتضمن اللغة وثقافة مرحلة الحدث. ومن هنا، يرتقي أدب الأيديولوجية بمفاهيم وثقافة المجتمع عبر سيرهم الذاتية في الأدب الواقعي، الذي يلقي الضوء على تجاربهم المتميزة، ويصف تجربة الإنسان وثقافته. فالأدب هو مرآة لكل زمان ومكان.

عند قراءة كتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد، تستشعر وتدرك أثر الأدب في حياة الأفراد وتشكيل قناعاتهم، والتأثير الخفي على مشاعر الناس. وهكذا، يؤدي الأدب دوره على أكمل وجه لتشكيل قناعة أو تنفير، فهو أداة وسلاح في يد من يملكه، ويعتبر الأساس الذي يغني الحياة. الكتاب الجيد يجعلك تفكر خارج حدود عقلك، ويدفعك للتعاطف مع الناس الذين خاضوا التجربة، لتتعلم أشياء لم تدرك وجودها أو التعرف عليها بمفردك. فالأدب يتيح لك معرفة وجه آخر لا تعرفه عن الحياة.

هناك أعمال خلدها التاريخ، مثل أعمال الكاتب الروسي “ليون تولستوي”، التي كانت بمثابة المرشد للمثل والقيم الإنسانية. في العالم العربي، لم نعي بعد دور الأدب في تشكيل الوعي الجمعي للأمة. لذا، يجب علينا معرفة أهمية دور الأدب لنستفيد من ثماره ونتجنب تأثيره الهدام على أمتنا ومجتمعنا.
وهناك الأعمال الأدبية التي تعكس تأثير الأدب على الوعي الجمعي، ومن أبرزها:”الأخوة كارامازوف” لفيودور دوستويفسكي، وتعتبر هذه الرواية دراسة عميقة للطبيعة الإنسانية، حيث تتناول قضايا الأخلاق والدين والحرية، مما يؤثر على قيم المجتمع.ورواية”موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح التي تعكس تجربة التفاعل بين الشرق والغرب، وتأثير الاستعمار على الهوية والثقافة العربية. ورواية”الحب في زمن الكوليرا” لغابرييل غارثيا ماركيز حيث تستعرض موضوع الحب والصبر في سياق اجتماعي وسياسي، مما يعكس التغيرات في الوعي الجمعي للثقافات. ورواية”مدن الملح” لعبد الرحمن منيف والتي تتناول التحولات الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي، وتأثير النفط على الهوية والثقافة. وكتاب “عندما التقيت بيكاسو” لإدوارد سعيد الذي
يستعرض تأثير الفن والأدب على تشكيل الهوية الثقافية، ويعكس كيف يؤثر الفن على الوعي الجمعي.

ورواية”ألف شمس ساطعة” لخالد حسيني والتي تعكس قضايا المرأة في أفغانستان وتأثير الحروب على المجتمع، مما يسهم في تشكيل الوعي الجمعي حول حقوق الإنسان.

جميع الأعمال السابقة تمثل تجارب إنسانية عميقة وتسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على الوعي الجمعي للأفراد والمجتمعات.

د. لطيفة حسيب القاضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *