“إن هذا المطر لن ينتهي الليلة. هذا يعني أنه لن ينام، بل سيظل منكبا على رقبته. يحفر طريقًا تجر المياه الموحلة بعيدًا عن أوتاد الخيمة. لقد أوشك ظهره أن يعتاد ضرب المطر البارد، بل إن هذا البرد يعطيه شعورًا لذيذًا بالخدر.
إنه يشم رائحة الدخان. لقد أشغلت زوجه النار لتخبز الطحين. كم يود لو أنه ينتهي من هذا الخندق، فيدخل الخيمة ويدس كفيه الباردتين في النار حتى الاحتراق. لا شك أنه يستطيع أن يقبض على الشعلة بأصابعه، وأن ينقلها من يد إلى أخرى حتى يذهب هذا الجليد عنهما… ولكنه يخاف أن يدخل هذه الخيمة. إن في محاجر زوجه سؤالًا رهيبًا ما زال يقرع فيهما منذ زمن بعيد.
لا. إن البرد أقل قسوة من السؤال الرهيب. ستقول له إذا ما دخل وهي تغرس كفيها في العجين، وتغرس عينيها في عيونه:
- هل وجدت عملا؟ ماذا سنأكل إذن؟ كيف استطاع (أبو فلان) أن يشتغل هنا وكيف استطاع (أبو علتان) أن يشتغل هناك؟
ثم ستشير إلى عبد الرحمن المكور في زاوية الخيمة كالقط المبلول، وستهز رأسها بصمت أبلغ من ألف ألف عتاب…
ماذا عنده الليلة ليقول لها سوى ما يقوله في كل ليلة: - هل تريدينني أن أسرق لأحل مشاكل عبد الرحمن؟”
كتب كنفاني هذه القصة في الكويت عام ١٩٥٨، ويومها كنت في الرابعة وأسكن في خيمة.
هل اختلفت يومها عن عبد الرحمن؟ كم من طفل غزاوي في الرابعة من عمره يقيم الآن في خيمة؟
في العام ١٩٥٨ سلمت وكالة غوث اللاجئين للاجئين الفلسطينيين غرفًا، مساحة الغرفة منها حوالي ١٢ مترًا مربعًا، وبقيت أقيم فيها أنا (مواليد الخيمة) حتى العام ١٩٧٨ حيث رحلنا من المخيم وصار لنا بيت مستقل.
كان الله في عون أهل قطاع غزة.
أيمن المصري المتنبئ الجوي في مدينة نابلس يشم رائحة ثلجة قادمة.
في العام ١٩٥٠/١٩٥١ أثلجت هنا ونعت الناس ذلك العام بـ “عام الثلجة.” كان عمر أخي البكر عامًا
أ. د. عادل الأسطة