جواز عفاريت للكاتب محمد فتحي شعبان

هاربا من كل شىء يتجه إلي أقصي أرض يمكنه الوصول إليها ، حط رحاله في تلك البلدة القابعة بين البحر والجبل ، فتستطيع أن تضع قدميك في البحر و تسند ظهرك إلي الجبل ، شابا أو تستطيع أن تقول غلاما يقترب عمره من الثامنة عشر عاما ، وحيدا شريد تأخذه الأفكار ، أين يبيت ..تلفت حوله لا أحد هنا ، فقد حط رحاله ليلا …إلي جدار مسجد في أحضان البحر أسند ظهره ..أغمض عينيه ، لم يمر الليل سريعا كشأن ليالي الصيف في بلده ، يغفو لحظات ويستيقظ سنوات ، كأن الليل ألف عام ….جاء الصباح يتهادى علي استحياء ، صلي معهم الفجر كما يصلون ثم انطلق يجول في طرقات البلدة الصغيرة يسأل عن اقارب له لم يراهم من قبل ولم يروه ….


هكذا كانت بداية حكاية جد امي حينما جاء من بلده هاربا إلي المدينة التي ولدت فيها امي ، لم تكن في ذلك الوقت مدينة كانت مجرد بلد صغير علي شاطئ البحر ، المهم إنه وصل إلي أقاربه وتعرف إليهم ، ضموه إليهم لكنه اختار أن يعمل في الجبل كسار في منجم الفحم ، يصعد الجبل ليلا بعدما ينصرف الجميع ليعمل وحده ، كان يصطحب حماره وطعامه ، كان ذلك في بداية القرن العشرين عام ١٩٠٥ ، في ليلة من تلك الليالي ترك حماره يرعى في الجبل كعادته ، حينما ذهب نصف الليل أراد أن يأكل ، لكنه حينما اقترب من مكان طعامه وجد شيئا غريبا ، كان حماره جوار الطعام لكنه لم يكن حماره ، كان هناك اختلاف ثم رأي حماره قادما من اتجاه آخر …ثم اختفي الحمار الاول …


كنت أشعر بالرعب كلما سمعت تلك الحكايات التي تحكيها امي عن جدها ، كنت صغير وكان تلك الحكايا تثير خيالي ، لدرجة إني كنت اخاف دخول الحمام ليلا ، أو الذهاب في أي مشاوير ليلا بعد العشاء ، فكنت لا أخرج من البيت بعد أذان المغرب خاصة انه كان يشاع بين الناس أن البيت الذي نسكن فيه مسكون بالجن والعفاريت .


المهم كما كانت تحكي امي أن جدها كان ( قتال قتلة وقلبه ميت ) ، في الليلة التالية صعد إلي الجبل لكن لم يحدث شىء مرت الليلة عادية جدا حتي الليالي التي بعدها ، نسى هو الأمر ….نسيت أن أخبركم أن أقاربه هؤلاء زوجوه ابنتهم وأنه قد اشتري بيتا قريبا من البحر وقد رزق بأكبر أبناءه التسعة أو العشرة لا اتذكر …أعمام أمي و عماتها كثير …
كنت كلما احكي تلك القصة لأحد لا يصدقنى لكني كنت اصدق امي فهي لا تكذب ، احتفظت بالقصة في رأسي …كنت دوما اعيد حكايتها بيني وبين نفسي ، ولما تزوجت وانجبت كنت احكي لأولادي .


في ليلة ما لما صعد الجبل رأي الحمار في انتظاره ، لم يكن حمارا لكن كانت حمارة انثي ، لم تكلمه كما يحدث في الأفلام ولم أي شىء من هذا القبيل لكن ….تحولت إلي امرأة حسناء …فزع حماره وهرب ولم يبقي إلا هو وتلك الحمارة اقصد التي كانت حمارة ….


كان يشتعل خيالي و تنتبه حواسي فاتخيل كيف تحولت الحمارة إلي امرأة ، وهل كانت ترتدي ملابس أم عارية ، وإن كانت ترتدي ملابس من اي أتت بها ، كنت وقتها طفلا قليل المدارك ، لكن كنت واسع الخيال ، كانت امي تقول لي ( خيالك واسع زي ابوك ) لم أري ابي فقد ذهب وراء حكاية ما كما كانت تقول امي .
لا اعرف ما دار بينهم من حديث لكن كانت امي تقول أنه تزوجها ، وأن جدها كان له غرفة في البيت لا يدخلها أحد غيره …وأن تلك الغرفة كانت تنير ليلا رغم عدم وجود كهرباء في تلك الأيام ، وأنهم أي الجيران كانوا يسمعون صوت اطفال وامرأة في الغرفة .


يزداد خوفي و يشتعل خيالي كلما توغلت امي في الحكي ، لما كبرت قليلا كنت افكر كيف تزوج جدها من تلك الحمارة اقصد الجنية ، كنت اتخيل شكل جسدها هل يشبه أجساد النساء ، لم أكن اعرف شيئا عن أجساد النساء .
تزوج أبي بأمي عن طريق موقف الاتوبيس ، رآها وهي تنزل من الاتوبيس فصار خلفها حتي وصلت إلي بيت أبيها ، وفي المساء كان عندهم ليخطبها ، تلك حكاية امي أن ابي كان يذوب فيها عشقا وأنه ( وقع من أول نظرة ) ، كنت اسألها لم ترك البيت طالما أنه كان يذوب فيك ، كانت تنهرني ثم تعود إلي حكاية جدها الذي انجب عفاريت صغار ، وكنت اسألها أين ذهبوا أليسوا أعمامك فكانت لا تجيب .


ظل السؤال يطاردني كيف كان جسد تلك العفريتة وكيف كان يعاشرها ، لما كبرت قليلا رسمت في خيالي صورة لجسدها كان شيئا عجيبا ، لما أصبحت شابا وعرفت ما كنت اجهل عرفت أن خيالي كان نوعا من ( الهبل ) .
اخيرا بعد سنوات طوال ملت تلك الجنية منه ، أخبرتني امي أن الجنية قتلته لم تخبرني السبب فظل عقلي في حيرة ، كيف قتلته وهل أمسكت الشرطة بها ،كيف تمسكها الشرطة وهي عفريتة.
كنت احكي الحكاية لأولادي فلم يكونوا يهتمون للأمر كان شىء عادي بالنسبة لهم ، أما أنا رغم مرور كل تلك الأعوام ما زلت اتخيل كيف كان جسدها …

الكاتب محمد فتحي شعبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *