هل هناك سُلّم يُصعد عليه إذا كانت الدرجة الأخيرة منه محجوزة؟ للكاتب عبدالسلام اضريف

الجواب على هذا السؤال لا يتطلب أدنى جهد للتفكير أو التحليل، فهو سؤال متداول منذ زمن بعيد. والتاريخ يشهد على العديد من الوقائع المشابهة لما يطرحه هذا السؤال، لكنها تبقى دائمًا استثناءً للقاعدة التي تدعو إلى الحوكمة والشفافية في تولي المناصب.

هذا السؤال قديم جديد، فـ”المحاباة” أو “الواسطة” تعني تفضيل الأقارب أو الأصدقاء على غيرهم، لا بسبب الكفاءة، بل لاعتبارات شخصية. رغم وضوح التباين في الكفاءة، إلا أن هذه الممارسات تمتد إلى المناصب العامة والخاصة على حد سواء.

المحسوبية: سلوك غريزي أم عمل مُدان؟

يرى بعض علماء الأحياء أن الميل نحو المحسوبية أمر غريزي وشكل من أشكال انتقاء الأقارب، لكن هذا السلوك يُعد في القاموس الأخلاقي عملًا مُدانًا ومخالفًا لمبادئ العدالة والشفافية. وقد وصفه البعض بأنه:

“لا يوجد سُلّم يمكن الصعود عليه عندما تكون الدرجة الأخيرة محجوزة لأشخاص يحملون اسمًا معينًا.”

أصل المصطلح “Nepotism” وتاريخه

مصطلح Nepotism (المحسوبية) أصله لاتيني، مشتق من كلمة “nepos” التي تعني ابن الأخ أو الأخت. في العصور الوسطى، كان بعض البابوات والأساقفة الكاثوليك الذين قطعوا عهود الرهبنة يمنحون أبناءهم غير الشرعيين مناصب هامة، مدّعين أنهم أبناء إخوتهم أو أخواتهم.

بعض البابوات منحوا أقاربهم مناصب عليا، كما فعل البابا كاليستوس الثالث، الذي عيّن ابن أخيه رودريغو بورجيا كاردينالًا، ليصبح لاحقًا البابا إسكندر السادس، أحد أكثر البابوات فسادًا. ومارس البابا بولس الثالث المحاباة، فعين اثنين من أولاد أخته كرادلة وهما في سن 14 و16 عامًا فقط!

انتهت هذه الظاهرة رسميًا عام 1692 عندما أصدر البابا إنوسنتيوس الثاني عشر مرسومًا يمنع البابوات من منح العقارات والمناصب لأقاربهم، باستثناء حالة واحدة إذا كان القريب مؤهلًا لمنصب كاردينال.

المحسوبية في السياسة العالمية

المحسوبية تُعتبر تهمة شائعة في السياسة، حيث يتم تعيين أقارب المسؤولين في مناصب دون مؤهلات مناسبة، كما حدث عندما:

  • عيّن الحاكم الأمريكي فرانك مركوفسكي ابنته ليزا ميركوفسكي ممثلةً عن ولاية ألاسكا.
  • عيّن الرئيس جون كينيدي شقيقه روبرت كينيدي مدعيًا عامًا.
  • شهدت الهند سيطرة عائلة نهرو – غاندي على الحكم بعد الاستقلال.
  • استخدمت رومانيا مصطلح “العلاقة” للإشارة إلى المحسوبية، التي كانت السبيل الوحيد للحصول على وظيفة جيدة في العهد الشيوعي.
  • في بريطانيا، كان تعيين آرثر بلفور في منصب رفيع بفضل خاله روبرت سيسل دوق سالزبوري، سببًا في انتشار العبارة الساخرة “بوب هو عمك” التي تعني اليوم “كل شيء جاهز”.

المحاباة في العالم العربي: أزمة أخلاقية؟

رغم أن المجتمعات العربية تزخر بالقيم والمبادئ التي تحصنها من هذه الممارسات، فإن الواقع يعكس صورة مغايرة، حيث تتفشى المحسوبية والزبونية بشكل يتجاوز أحيانًا مكر حصان طروادة.

هذه الظاهرة تؤثر سلبًا على الكفاءة، والجودة، والمصلحة العامة، وتُعد خيانة للأمانة، إذ تحرم الأكفاء من حقهم في تولي المناصب، مما يؤدي إلى نكوص المجتمع وتراجعه.

أفلا نخشى محاسبة الضمير؟

  • هل مات الضمير العربي منذ زمن بعيد فلم يعد يراقب أو يستنكر؟
  • هل يضيف العالم العربي قيمًا ومبادئ إلى وقته، أم يضيف وقته إلى الزبونية والمحسوبية؟

“كَلَّا إِنَّهَا لَظَىٰ نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ” (المعارج: 15-17).

الكاتب عبدالسلام اضريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *