الشارع يمتد طويلا، تجوبه عيون مرتادي المقاهي في خلسة مفضوحة، تسقط على الأشياء في فضول زائد، مؤخرات مكتنزة وسيقان مملوءة ومكشوفة، وخصلات تموج متهادلة في كل اتجاه حيث هبوب رياح خفيفة يكون، الكل يمضي في صمت ووفق نظام دقيق، صراخ الباعة المتجولين يشوش على هذا الصمت ويشوه النظام المطرد أحيانا، تمر كعادتها، وفي نفس موعدها، نفس تسريحة شعرها ونفس المساحيق التي تستعملها، اندفاعة صدرها تجعل نهديها النافرين يبرزان بشكل يثير احساسا غريبا، نظراتها تمنحها ثقة في النفس أكثر وتغلفها بهالة من العظمة والجلال، تمر غير آبهة بعيون المتلصصين الذين يتطلعون إلى جسدها البض في شهوة زائدة، تدرك ذلك وتزداد زوهوا به فتحاول على نحو ما أن تغير من وقع خطواتها وتصطنع في مشيها ليصبح متناغما متناسقا وأكثر منه مثيرا، كان يطيب لها أن تفعل ذلك وتؤكد أنها سيدة نفسها .
في الجهة الأخرى المعاكسة لوجهتها كان هناك شاب يقبل متحاملا على المشي، يتمطى ويتثاءب وكأنه قام على التو من نوم عميق عميق جدا، تطلع إليها ثم تسمر في مكانه، كادت نظراته أن تفترس كل جزء منها، أذهلته حركة ردفيها وعجيزتها، لم تشعر بوجوده ولم تعره اهتماما، تقدم نحوها بأدب وأراد أن يكلمها، خذلته الكلمات وفرت منه العبارات، تلعثم وانعقد لسانه ولم يعد يعي وجوده بالشكل الأنسب، كل ما استطاعه أن بادر إلى إلقاء التحية، ردت عليه في تكثم شديد وواصلت سيرها، بينما ظل متسمرا في مكانه يرقبها، تمتم ببضع كلمات وكأنه يوجه اللوم إلى نفسه ويتساءل عن سر هذا العجز أمام امرأة، هل هو مركب نقص؟ أم واجب احترام وتقدير؟ أم أنه شيء أكثر مما يتصور…..؟
حاول عبثا أن يقنع نفسه، أن يعطي تفسيرا لما حدث، استأسد وثار في وجه نفسه، خلص إلى أن ما حصل هو جبن ليس إلا، أن يعسر على المرء استمالة فتاة للتحدث إليها هو خسة ونقص، هرول مقتفيا أثرها، لاحت له من بعيد وقد بلغت ناصية الشارع، لوح لها بيده وكاد يصرخ ويناديها بأي اسم يدل على أنثى، أخد يركض ويركض، وقف يسترد أنفاسه وهو يلهث ككلب أجرب، كانت كل مسامات جلده المعطلة تنضح عرقا، بينما استقلت الفتاة سيارة أجرة وغابت عن المدينة .
الكاتب رشيد رديف