التاريخ يتحدث عن نفسه قراءة للأديب محمد البنا لنص * ولادة *للأديبة معاني سليمان


ولادة

استيقظت من سباتي الطويل عندما لامست قطرات الماء وجهي؛ ارتعد جسدي من البرد، فتحت عيناي لا شيء حولي سوى الظلام.
بدات اشعر بالألم، وكأن جسدي الضئيل يتشقق رحت أصرخ : ماذايحدث لي ؟!
لكن جسدي راح يتمزق أكثر وأكثر، وتغمرني قطرات المطر، أغمضت عيني من شدة الألم والأغصان تخرج من جوفي وتتفرع أكثر وأكثر، حتى خرجتُ من تحت التربة..فتحت عيني قليلًا، رأيت الشمس والسماءوالعصافير، ووجدت نفسي قد أصبحت شجرة !
تحلقوا من حولي و هللوا وكبروا وزغردوا

  • أهلا بكِ؛ أيا مولودة كانت في رحم الغيب، طويلًا كان انتظارنا، وها نحن نرى انتصارنا
    ، بدمنا سقيناكِ، بالحب رعيناكِ، بأغانينا هدهدناكِ
    قال الطائر الذي حط على غصني
  • ألم أخبركم؟! لايهم إن أحرقوا الأرض، لكن البذور ما تزال في التربة، وستنمو من جديد…
    ️أحلق في الاعالي في وسط الغيوم العائمة،
    أرى الكوابيس والأشباح وهي تزحف هاربة كالافاعي المذعورة، والظلام يولي ظهره هارباً امام النور الذي يغمر الكون بضيائه.
    الهواء يضرب جناحي، صدري مليء بالأكسجين ، ما أجمل هذا الشعور ! أنا الآن طائر أعانق السماء ، ومن حولي أسراب الطيور وهي عائدة الى أعشاشها، تملأ السماء بأصوات غنائها وزقزقتها، والارض تبدو كأنها لوحة بديعة الألوان؛ بساط اخضر على مدى البصر ، أشجار زاهية وارفة الاغصان، أزهار ملونة، بحر أزرق صافٍ يتلألأ تحت أشعة الشمس
    ها أنا الآن أطوف فوق هذا البيت القديم؛
    صورهم معلقة على جدرانه، لا تزال ذاكرتي تحتفظ بأصوات ضحكاتهم ومسامراتهم
    يا الله! لماذا أوشك على البكاء؟! ، يده المشتاقة تطرقني بقوة، تفتح العجوز الباب، يلقي الشاب المتعب بندقيته على الأرض، وتضمه إلى صدرها بعد طول غياب ..
    رن الجرس وأغلق التلاميذ صفحاتي، ابتسم أحدهم وهو يقول لصديقه : هيا لنسرع الى المباراة، لقد انتهينا أخيراً من درس التاريخ، لنبدأ صفحتنا تحت أشعة شمسنا المشرقة.
    معاني سليمان / سورية في ٢ يناير ٢٠٢٥

القراءة


  • من المعتاد والمعروف أن النصوص الرمزية خاصة تحتاج إلى خبرة سردية معتبرة، علاوة على تدقيق شديد في صياغة المتن لطرح الفكرة، ووضع مفاتيح حل رموزها بعناية، أما وأن تجد نصًا سرديًا رمزيًا بامتياز يطرح بهكذا بساطة وعفوية وتلقائية؛ هنا يجب أن نتوقف ونتأمل ونسأل كيف تم هذا ؟
    قالوا وقولهم حقيقة ” الأنظمة تتغير وتموت أما الشعوب فباقية “
    حول هذا القول تدور قصتنا ” ولادة ” فعن أي ولادةٍ تتحدث رموزها؟
  • التاريخ عادة يكتبه المنتصرون، والمنتصر غالبًا ما يكون جبارًا عتيا، يمحو ما قبله، بل أحيانا ينسبه لعصره كقيمة مضافة لتاريخه، هكذا فعل ملوك مصر القديمة وأحسب أن معظم ملوك الأرض فعلوها ويفعلوها، أما الشعوب المسكينة المستضعفة تعرف وتؤمن دائمًا أن الغد لها شاء ملوكهم أم أبوا، فبعد خنوع ثورة، والثورة لها عدتها ولها أيضًا مشقتها، والتاريخ هنا – في القصة- هو السارد الذي يحكي عن نفسه صدقًا لا زيف فيه، فهو الشعب متمثلاً في البذرة التي صبرت على كره وتحملت وتشققت لتنمو شجرة، حينما توافرت الظروف المهيأة لها، ليحط عليها طائر – قائد – يغني معهم وبهم فرحًا وابتهاجًا بحرية مستحقة دفعوا جميعا ثمنها، ومنهم الأجداد والأباء الراحلين، ومن ثم يطوف محلقًا بحرية فوق بيوتها القديمة، معبأً بالذكريات، يتنسم أريج فضاءها، ويتشمم رائحة جدرانها، وهي الأم الصابرة الحزينة المحتسبة الآملة في عودة ابنها، بعد أن غيبته الحروب لسنوات، ها هو يعود ويلقي سلاحه، كناية عن انتهاء زمن الحروب الضروس، ويلقي بنفسه بين أحضانها، فتتلقفه بروحها قبل صدرها….هذا كان درس التاريخ الحقيقي في مدرسة الحياة وسننها التي لا تتبدل، ومن ثم ينطلق صغارها وشبابها ليمارسوا بحرية تامة حريتهم، فأمامهم المباراة الكبرى، والمباراة هى استعدادهم للدفاع عن حريتهم المكتسبة، والتصدي لفلول النظام السابق، ومعاونيه والمتآمرين على ثورتهم، ليكتبوا تاريخهم المستقبلي بأنفسهم وسواعدهم تحت شمس الحرية التي أشرقت على ربوع وطنهم، فقد استوعبوا الدرس ووعوه.
  • بعيدًا عن الاسقاط على حالة آنية تحدث الآن بين ظهرانينا، فإن النص عام وشامل يصلح لكل زمان ومكان، فهكذا هى الشعوب وهذه سنة الحياة، وهكذا يعلمنا التاريخ الحقيقي لا المزيف.
  • الخطاب السردي
    اصنعوا مستقبلكم بأنفسكم وسواعدكم فلن يصنعه أحد لكم، واكتسبوا حريتكم بدمائكم وصبركم فلن يمنحها أحد لكم.
  • نص رمزي بلغة بسيطة وعفوية تميزت بها قاصتنا المجتهدة، عفوية محببة للقارئ العادي وبرمزية يعشقها القارئ المتأمل.

الأديب محمد البنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *