فازت آمنة للكاتب سيد جعيتم

 

سارع الأهالي بالقفز في الماء لإنقاذ من في السيارة من الغرق.

تصارع غفوتي لحظات من الوعي، أستفيق، يطربني أنين هزيمتك، هربت من سجن متاهتك إلى للجنون.

تبرمي من قسوة الحياة وشظف العيش جعلاني فريسة سهلة لك، لو لم تسعَ إليّ لسَعيتُ أنا إليك.

أقطن واختي (آمنة) في حوش من أحواش المقابر، نقتات على ما يتفضل به زوار المقابر من قرص الرحمة وبعض الفاكهة، تعودت على رائحة المقابر وشعائر المقرئين، وإذا عزت الجنائز وضاق الحال نعمل في خدمة البيوت.
تغيظني آمنة ببلادتها ورضائها، تصبرني و اتعجب من تمتمتها:
ـ الحمد لله .
تظهر أنانيتها عندما تبادر بصلحي بعد شجارنا، من أجل أن تحصل على بيت لها في الجنة.

تزوجت من ( لحاد) يمتهن دفن الموتى، وزاد الطين بلة مرض عضال ألم به وجعله طريح الفراش.

انتهت مراسم الدفن، بدأ المشيعون في الرحيل، وتلكأ شاب حسن المظهر، سألني:
ـ هل تقيمين هنا؟
ـ نعم.
بدأ الأسف يظهر على وجهه، نظر إلي بعطف لم أعهده من قبل، وقال:
ـ حرام أن يسكن هذا الجمال بين الموتى.
نفحني ببضع جنيهات وانصرف.
ظلت صورته تراودني، في يقظتي، وفي حلمي وعدني بالزيارة.
بعد أيام، عاد حاملًا بعض الورود، اقتربت منه متهللة. لم يضع الورود على القبرة، بل أهداها لي، وقال:
ـ اشتقت إليك.
انجذبت إليه بشدة، وبدأت أعتني بمظهري؛ أتزين وأرتدي ثيابًا نظيفة عندما يحين موعد زيارته، كان يطري على جمالي، ويحدثني عن الحياة الرغيدة التي أستحقها.
مسلوبة الإرادة؛ نفذت ما طلبه مني وتطلقت من زوجي، وأصبحت جاهزة للانطلاق معه في رحابة حياة أستحقها.

لا ترضى آمنة عما أفعله، فتقوم بتعنيفي:

  • لا أرتاح لهذا الشاب، إنه التهلكة يا أختاه.
  • أنتِ تغيرين مني يا آمنة.
    يزداد غضبي فأكون كرة صغيرة تتلاعب أنت بها.

تستيقظ آمنة مذعورة، وهي تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، أخبرته بما تعانيه أختي، فقال:
ـ ما تعانيه سببه كراهيتها لي ، ولولا محبتي لك لكان عقابي لها أشد.
هجرت المقابر، أصبحت من جندك و سيفك المسلط على رقاب البشر. كلما زاد عدد ضحاياي تزداد مكافأتي، فأتمادى، وأطأ الرقاب، ونرقص سويًا فوق أجسادهم.

رغم تحذيرك من مجرد التفكير في آمنة، أتابع أخبارها، علمت أنها تزوجت وانتقلت للعيش في قرية زوجها، حسدتها لأن رحمها خصب، وقررت زيارتها.
قدت سيارتي إلى بيت آمنة، وأنا أفكر في نظرات عينيها المهزومتين عندما تراني.
أمام دارها، طفلان يلهوان،
يكسو جدران الدار طلاء حديث ورسومات لجمل ومصلين يسجدون أمام الكعبة، وجملة (حج مبرور).
تملكني شعور بالراحة كنت نسيته منذ سنين.

فجأة وجدتك أمامي تصرخ في وجهي:
ـ ألم أحذرك أيتها الفاجرة من مخالفتي؟
ـ لماذا يزعجك أن أزورها؟
هممت بدخول الدار، رأيتك تضمحل وتتلاشى وقد امتقع وجهك وتصيح:
ـ إياك أن تدخلي هذا الحصن!
خرجت آمنة تستطلع الأمر، جالت ببصرها بيني وبينك، ثم رفعت يدها وأشارت إليك.

أعوذ بالله منك ارحل.
تقهقرت ورحت تصرخ، لم أعرك أي اهتمام. خلف أمينة، كانت هناك طفلة تحمل جمال أمها. اقتربت لأحتضنها، لكنها نفرت مني ولاذت بحضن أمها.
جمعت شتاتك وصحت:
ـ سأحرق الدار وأقتل الاطفال.
خفت من غدرك هممت بالانصراف، مدت آمتة يدها إلي بمصحف كانت تحمله. صرختك العظيمة أرعبتني، جذبتني عنوة إلى داخل السيارة وقدتها تجاه أطفال آمنة لتدهسهم، صارعتك وامسكت بعجلة القيادة لأمنعك وأنا أصرخ.
ايقظتني برودة الماء، والأهالي يفتحون باب السيارة الغارقة وينتشلونني من أمام مقود القيادة.
يسحب الطبيب سن الحقنة من يدي وأنا أردد:
ـ فازت آمنة


الكاتب سيد جعيتم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *