أولادي وأولاد هذا الوطن المصلوب، يا من يتكلمون الفصحى الجريحة، يا من يلفحهم هجير الصحراء، وتذاود بدمائهم العشيرة
أوصيكم… لا تتبعوا خطانا… ولا تمشوا على هدانا… لا تقرؤوا تاريخنا، لا تحفظوا أشعارنا… فالبكاء على الأطلال هزم عقولنا
لا تبكوا على عبلة… لا تبكوا على ليلى… لا تبكوا على حبيبة، فالكون يجلدنا وهاهم يغتصبون أطلالنا ويغتصبون الحبيبة
سرقوا ألوان الحياة من عيوننا، ونحن نقف على أبواب السلاطين ننتظر الغنيمة
أي ريح سممت فكرنا… أي ريح غيبت صحونا، وسرت بنا في سرداب مظلم على مدى عهود لترمينا في محرقة النفط، والغاز قرابين الهزيمة
ولترمي خبزنا وزيتوننا… أوراقنا ورؤوسنا… وثمن قوت يومنا على مذبح الشرعية الدولية بعهر سياسي وفضيحة كونية
اكسروا المزامير والأبواق …لا نريد مزامير بعد اليوم
اقلبوا الصفحات السوداء… انسوا داحس والغبراء وأبو ليلى المهلهل
لاتقرؤوا التاريخ، بل اقرؤوا الخوف في عيون الأطفال، واللوعة في محاجر الأمهات
اقرؤوا عبارات النصر على الجدران المهترئة، وعلى الأبواب الدامعة أي نصر على بقايا أحلام … أي نصر على ركام أماني
إنهم مروا من هنا… نعم مررتم من هنا فخلفتم عاراً وخلفتم خطايا
نعم مررتم من هنا … فانخسف القمر، وأشاحت السماء بوجهها
نعم مررتم من هنا… فسرقتم الضياء من عين الشمس، والكحل من عيون النساء
سرقتم رائحة الياسمين، والريحان ومقاعد الدراسة، ومرايل الصغار
نعم مررتم من هنا …فذبحتم بهجتنا، وأطفأتم قنديلنا، وزرعتم الرعب في صدورنا
نعم مررتم من هنا… فما عادت فيروز تصدح في صباحاتنا، ولا تفوح رائحة القهوة في شرفاتنا… حتى الطيور المهاجرة غابت عن أعالينا
لكل من مر من هنا ماعادت قاماتنا باسقة
فقد تعودنا أن ننحني لنجمع فتات عيشنا ، ولنرد رصاص الغدر عن رؤوسنا
سنركض عند المعابر، ونمشي قرب الجدار
سنلوي الرقاب، و نبتلع ملح دمعنا …نخلع كرامتنا، ونحن ندوس رماد بيوتنا، ونبحث وسط الأسى عن دفء سريرنا… عن سجادنا… عن صندوق ذكرياتنا
ونردد بألم… نعم لقد مروا من هنا… نعم لقد مروا من هنا……………………
د. بهية كحيل