قراءة نقدية لرواية ( اللبن المسكوب ) للروائية فاطمة مندي
عنوان الرواية
عنوان الرواية هو (اللبن المسكوب ) سكَبَ: انصبّ وسال : انسكب اللبنُ. سكَبَ يَسكُب ، سَكْبًا ، فهو ساكِب ، والمفعول مَسْكوب ، والمَقصود باللبن المَسْكوب في مجال الإبداع هو الشَيء العزيز الهام الذي نهمله ، وهو ينطبق على الأسرة التي لا يستطيع الأبوان السيطرة عليها ليصير الأبناء بمثابة لبن مَسكوب
يجدر بنا قبل أن نتناول رواية ( اللبن المسكوب) أن نقوم بتعريف الرواية بإيجاز شديد
والرواية كما يرى الدكتور طه وادي هي تعبير فني عن الحياة عن طريق الحوادث القائمة على براعة التنسيق مع القدرة على حُسْن الاختيار للحادثة أو الحوادث التي تنساق في سيولة نحو تصوير رؤية خاصة
مُلخص الرواية
في قرية من قرى محافظة الشرقية تدور أحداث رواية ” اللبن المسكوب ” ، فتحكي لنا البطلة ” ثريا ” عن يوم ميلادها وأسرتها البسيطة التي تضم أباها ” محمود ” ووالدتها ” تفيدة ” وثماني أخوات ، كان الأب قاسيا على بناته و زوجته ، فقد كان
يكره البنات ، لذا تقول المؤلفة : “
يتمنى أن يسمع خبراً طال انتظاره طويلاً ، ينتظره منذ
زمن بعيد؛ إنه قدوم الصبى”
تتفوق ثريا في دراستها لكن أباها يرفض أن تُكملَ تعليمها، ويُزوِّجها رغم إرادتها ، وبعد أن يتم الزواج ؛ يُعاملها زوجها بقسوة _ وكذلك والدته _ وفي يوم ممطر تأمرها والدته ببيع اللبن في سوق القرية ولم تقتنع بأن اللبن يُمكن أن ينسكب ، وهو ما حدث حيث تنزلق ثريا وينسكب اللبن فتغضب أم زوجها ، وعند عودة الزوج إلى المنزل تحكي له والدته ما حدث ، فيُطلقها ويُطردها، فيُغمى عليها في الطريق فيعثر عليها شاب طيب يُصر على توصيلها بسيارته الفارهة بعد رؤيته الدماء تنزف من قدمها فيوصلها إلى الوحدة الصحية ويُغمى عليها فتعثر عليها سوسن هانم وتنقلها إلى أقرب مَشْفَى .
يخبر الطبيب سوسن هانم بأن المريضة تحتاج لدم من فصيلة نادرة وعندما تذهب سوسن هانم لوالد ثريا يرفض مُساعدة ابنته ، لكن سوسن هانم تتولى علاج ثريا وتتبناها وتساعدها على استكمال التعليم فتلتحق بكلية الطب فتتفوق و يُصاب والدها ” محمود ” بمرض خطير فتتولى علاجه وهو لا يعرف أن ابنته هي التي قامت بانقاذ حياته
تقوم ثريا بمساعدة أهلها وتشترى لهم منزلا ثم تساعدهم لعمل مشاريع انتاجية وهم يجهلون الشخص الذي ساعدهم
يعود ابن سوسن هانم من الخارج ويُقابل ” ثريا ” ويتبين لها أنه هو الشاب الذي أنقذها وتذهب ثريا إلى منزل أسرتها للموافقة على زواجها من ابن سوسن هانم وسط الزغاريد احتفالا بابنتهم النابغة التي غَيَّرت حياتهم إلى الأفضل
هل ” ثريا ” مريضة نفسياً ؟
هذا سؤال ينبغي أن نُجيب عنه ونحن نتناول رواية ” اللبن المسكوب “
متلازمة ( ستوكهولم )
——–
يُلاحظ القارئ أن شخصية ” ثريا ” في رواية ” اللبن المسكوب ” هي شخصية غير سوية؛ ففي الوقت الذي يُعاملها فيه الجميع بقسوة وإهانة نراها تُقدم لهم الدعم المادي والمعنوي مما يجعلنا كقراء أمام شخصية مريضة نفسياً تُعاني من مرض ( متلازمة ستوكهلم ) حيث يتعاطف المريض مع الذين يُسببون له أضراراً جَسيمة مَعنوية ومادية؛ كما حدث في عام 1973 عندما سرق اللصوص بنكاً في العاصمة السويدية
محمود / السيد أحمد عبد الجواد
يٌلاحظ القارئ أن هناك تشابها بين شخصية ” محمود” والد {ثريا} في رواية ” اللبن المسكوب ” وبين شخصية ” السيد أحمد عبد الجواد” في رواية ” بين القصرين ” للروائي “نجيب محفوظ ” فكلاهما يقسوعلى أبنائه وزوجته فبينما “محمود” يَكره النساءَ؛ فإن “السيد أحمد عبد الجواد” يذوب فيهن عشقاً رَغم شَخصيته الحازمة في منزله
وجهة النظر في الرواية
تستخدم المؤلفة ضمير المتكلم مما يجعلها تُسيطر على الأحداث وتُقنعنا بصدق ما ترويه لنا، فلا نستخدم ضمير الغائب ونحن نحكي الرواية بضمير المتكلم ، وفي هذا الصدد تقول الناقدة ” نانسي كريس ” في كتاب ” تقنيات كتابة الرواية ” : ( مع ضميرالمتكلم أنت موجود في رأس الشخصية وترى كل شيء كما تراه هي ، وهذا يعني أن بعض أنواع الوصف لا تصلح هنا لأن الناس لا يُفكرون بتلك الطريقة “، وتُذكرنا رواية ” اللبن المسكوب ” برواية ( جين اير ) للروائية الانجليزية “شارلوت برونتي” فالراويتان تستخدمان ضمير المتكلم ، ففي رواية ” جين اير ” تعيش البطلة ” جين ” طفولتها في منزل خالها ” ريد ” ، وبعد موت خالها تعاني ” جين ” من كراهية ” سارة ريد ” زوجة خالها التي تُعاملها بعنف؛ فتضربها وتشد شعرها؛ تماما كما كان يفعل والد ثريا مع ثريا في رواية ( اللبن المسكوب ) ، التي تتشابه مع شخصية “سيدة ” في رواية ( نحن لا نزرع الشوك ) للروائي يوسف السباعي ، ف” سيدة “بعد موت أبيها؛ يكفلها صديق والدها فتتعرض للعنف من زوجته و للاستغلال من ابنها الذي يُجبرها على السرقة
زيارة السيدة العجوز
______
تتشابه رواية ” اللبن المسكوب ” مع مسرحية ” زيارة السيدة العجوز ” للكاتب الألماني فريدش دورينمات ، وتدور حول ” كلير ” الثرية، التي تزور قريتها الفقيرة بعد عشرات السنين من طردها ، فتقرر أن تغدق على قريتها أموالاً كثيرة ،لنكتشف أن الجميع يُعاملونها باحترام ، وهم نفس الأشخاص الذين كانوا يحتقرونها أثناء فقرها، فلم يعترفوا بابنها الذي أنجبته من ” ألفريد ” ، فطردوها من قريتهم
مغزى الرواية
إن مَغزى رواية ” اللبن المسكوب ” هو إن الفتاة قد تكون أفضل من الولد ، والفتاة هي هبة من الخالق فلا بُد أن نُساعدها لتخدمَ أسرتَها وتُصلحَ أحوالها كما فعلت ” ثريا ” ، لذا فإن اللبن لم ينسكب في رواية “اللبن المسكوب “لأن بطلة الرواية تحملت الكثير من العنف لكنها اجتهدت وتعلمت لتكون ” معادلاً موضوعيا ” ل (اللبن) لتثبت لأهلها أن البنت قد تكون أفضل من الولد فتحافظ على ” اللبن “
الناقد عاطف عز الدين عبد الفتاح