في العام 2415م، وَفِي رحاب الجامعة الأردنية، قَرَّرَ رئيس الجامعة دعوة أعضاء هيئة التدريس في كلية التاريخ (كلية مستقلة في ذلِكَ الزمن)، والهدف هُوَ دراسة بحث تاريخي خَطِير، تقدم بِهِ الدكتور عقل مُحَمّد حسن، بقصدالترفيع إلى رتبة أستاذ، وَالسَّبَب ان الدكتور المذكور تقدم بشكوى لِلْجامِعَةِ، لأنَّ اللجنة كانَت قَدْ رفضت بحثه، رغم انه سلحه بكل أنْوَاع الحجج والبراهين، أمَّا عُنْوان البَحْث فَكَانَ: (دولة إسرائيل المدعى انها نشأت في منتصف القرن العِشْرين، وَحَتْى بدايات القرن الحادي وَالعِشْرين هِيَ أسطورة، وروايات مختلقة).
وقف الدكتور عقل أمام اللجنة، وبدأ مرافعته قائلاً: لَمْ تقم في التاريخ دولة لاسرائيل، أمَّا الروايات الَّتِي أمامكم فإنها ارفضها، لأنني لا اقبل الروايات التاريخية الَّتِي لا يتقبلها العقل.. هَلْ من المعقول انه كانَت هُنَاكَ دولة اسمها إسرائيل، صدقوني.. في ذلِكَ الزمن لَمْ تكن هُنَاكَ عوامل تُساعد عَلَى قيام هَذِهِ الدَّوْلَة، وإذا حَصَلَ ذلِكَ فإن استمرارها لا يُمْكِنُ ان يدوم سوى لِسَنواتٍ قليلة، أنا أتحدث بعلم، وَليْسَ بعواطف، اتركونا من هَذِهِ الرِّوايَة غَيْرالمقبولة عقلا).
تَابع الدكتور عقل كلامه، قائلاً بِثِقَة: أراهن عَلَى ان 67% من أساتذة الجامِعات العَرَبية، و99% من مَدْرَسي الجامِعات الأجنبية سيؤيدون هَذِهِ المقولة، والآن.. إليكم ادلتي العقلية الَّتِي ستسقط أمامها الروايات التاريخية المغلوطة الَّتِي تَقُول بوجود دولة إسرائيل في ذلِكَ الزمان، والَّتِي أراهن للمرة الألف عَلَى انها من تأليف أديب أطفال أردني، كانَ مَعْروفاً بخصوبة خياله الَّذِي كانَ يحلق بِهِ في الأعالي، لِذَلِكَ فإنني بعْد ان أثبت لَكُمْ انه لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيء اسمه دولة إسرائيل، أرجو تَحْوِيل ملفها وتاريخها من كلية التاريخ، إلى كلية أدب الأطْفال.
وَهَذِهِ هِيَ الأدلة:
أولاً: حسب الروايات، وَفِي ذلِكَ الزمان، كانَ عدد سكان الكيان من اليهود لا يصل إلى الملايين الخَمْسَة في المقابل كانَ هُنَاكَ ألف وأربعمائة مليون إنسان مسلم في العالم، وَلَوْ افترضنا ان من بَيْنَ كل ألف مسلم كانَ هُنَاكَ تسعمائة يتمنون الشهادة، وَمِنْهُم عشرة عَلَى استعداد للشهادة فوراً، فإن هَذَا يَعْنِي انه كانَ هُنَاكَ في العالم الإسلامي في اسوأ الظروف 14 مليون استشهادي، وَلَوْ افترضنا ان نصف هَؤلاء فشلوا في قتل أي اسرائيلي أوْ الوُصُوْل إلى الكيان المزعوم فإن هَذَا يَعْنِي ان 7 ملايين مِنْهُم سيزحفون إلى الكيان الإسرائيلي، وإذا عرفنا ان أكثر من أربعين بالمائة من جنود الاحتلال شاذين جنسيا حسب الروايات الَّتِي وصلتنا، وان الباقي يُعَانُونَ من حَالات نفسية، أقلها ضَرَراً الجبن الشَّديد، فَهذا يَعْنِي ان هَؤلاء المَساكين الاستشهاديين لَنْ يجدوا في زحفهم أي اسرائيلي ليقتلوه لأنه وقتها سيصاب سمك البحر الأبيض المتوسط بالتخمة، وَقَدْ تخرج سَمَكَة من هُنَاكَ، وتخاطب أولئك الاستشهاديين بقولها: ( اللعنة عليكم لأنكم اجبرتمونا عَلَى أكل لحم فاسد مثل هَذَا اللحم).
تَابع الدكتور عقل كلامه قائلاً بِثِقَة أكبر، وسط دهشة الحُضور:
انْظُرُوا إلى هَذِهِ الرِّوايَة أيضاً.. إذا كانَ عدد قَليل من النَّاس المحاصرين في غزة قَدْ استطاعوا صد إسرائيل، ومنعها من دُخُول القطاع الَّذِي لا يَجِد شربة مَاء ليشربها، فإذا قُلْنَا ان عدد هَؤلاء خَمْسَة آلاف مقاتل (مقيدين) استطاعوا هزيمة إسرائيل، بَينَما تَقُول المصادر التاريخية ان عدد جنود الدُّوَل العَرَبية المُحيطَة (باسرائيل) حسب الإدعاء التاريخي قَدْ يصل إلى أكثر من مليون جندي – في أقل تقدير- فَهذا يَعْنِي ان عشرة آلاف من هَؤلاء الجنود – غَيْر المحاصرين- وَالَّذِينَ يعيشون في دول تشرب الماء المفلتر، قادرون خِلال أقل من اثنين وعشرين دقيقة عَلَى محو إسرائيل من الوجود، وهَذَا دليل عَلَى ان كَلامي صَحِيح، وان روايات وجود دولة إسرائيل في القرن العِشْرين، وبدايات القرن الحادي وَالعِشْرين هِيَ مُجَرَّد روايات قصصية، من تأليف الكاتِب الأردني المذكور.
مسح الدكتور عقل عرقه، ثمَّ تابعه كلامه:
جغرافيا فِلِسْطِين مَفْتُوحَة بالكامل، وَليْسَ فِيهِا جبال عالية جداً، وَهِيَ تمتلك حُدُوداً برية وبحرية طَوِيلَة جداً بِالنَّسْبَةِ لمساحتها، وَهِيَ من البلاد النادرة في ذلِكَ إذْ تبلغ هَذِهِ الحدود 949 كم، ومِن الناحية الاستراتيجية فإن يصعب عَلَى أي جيش الدفاع عَنْ مثل هَذِهِ البلاد الا إذا كانَ هُنَاكَ عِنْدَهُ تفوق هائل عَلَى القوات المعادية، خاصة إذا عرفنااناعرض جزء من فِلِسْطِين هُوَ180 كم، بَينَما الاعراض الأخرى أقل بكثير، بمعنى آخر ان أي اندفاع بري من القوات المعادية يُمْكِنُ ان يمزق اوصالها بِسُهولَة، وَهَذِهِ نُقْطَة ضعف غَيْر عَادِيَّة في الاستراتيجية
الدفاعية، وإذا عرفنا ان الجيوش المُحيطَة باسرائيل تفوقها عدداً وعدة، فإن هَذَا يَعْنِي ان إسرائيل مهزومة في أي مَعْرَكَة، كَمَا ان أسطورة التفوق الجوي الَّتِي يُحَاول البعض تسويقها عَلينا هِيَ الأخرى ضعيفة، فبمجرد التحام القوات البرية، في قتال، يتم تحييد الطيران الَّذِي لَنْ يفرق وقتها في قصفه بَيْنَ قواته، والقوات المعادية، لِذَلِكَ فإن النظرة العقلية تجعل من قيام وَاسْتِمرار دولة إسرائيل خرافة، كَمَا ان الروايات تَقُول ان اليهود كَانُوا أذكياء جداً، فهل كَانُوا من الذَّكَاء ان يختاروا بَلَداً لا يستطيعون الدفاع عَنْه استراتيجيا؟ وان يعيشوا غرباء في وسط مليئ بالاعداء.
رابعاً: تَقُول الروايات المشكوك فِيهِا، ان سكان (إسرائيل) كَانُوا خليطا غَيْر مُتَجَانِس مِثْلَمَا كانَ يَقُول المثل الفلاحي الفلسطيني (طبيخ شحاحدة)، وَكَانُوا يتحدثون بلغات شتى، وان الجَرِيمَة كانَت منتشرة في تِلْكَ الدَّوْلَة، بَينَما في المقابل فإن المُحيط العربي مُتَجَانِس، يتحدث لغة واحدة، ولَهُ تاريخ واحد، ومصادر وحدة هائلة جداً، فَكيفَ بالعقل يُمْكِنُ ان تَقُوم دولة قوية في ظل هَذِهِ الظروف، مُقابِل دول عَرَبِيَّة موحدة؟
خامساً: حسب الدراسات النفسية المزعومة الَّتِي أمامي، وَالَّتِي تشير إلى ان طبيعة الشعب الإسرائيلي، جبان جداً، يُحِب الْحَياة، ويكره المَوْت، في المقابل وَعَلَى العكس تَمَامَاً من الشعوب العَرَبية، فهل من المعقول ان يهزم شعب جبان، شعوبا لا تخاف المَوْت، وتعرف انها إذا مَاتَ مِنْهَا شَخْص، ذَهَبَ إلى الجنة؟
سادساً:تَقُول الروايات ان دولة إسرائيل كانَت فقيرة من حَيْثُ الموارد الطبيعية، فَلا نفط، ولا كاز، ولا تمر، ولا كبسة، ولا حَتْى جميد، في المقابل، كانَت الدُّوَل العَرَبية تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وَكَذلِكَ احتياطات مالية هائلة، وَمُعْظَم ميزانية إسرائيل كانَت تأتي من المساعدات الأمريكية، لاحظوا هَذِهِ الرِّوايَة التافهة، أمريكا أكبر إمبراطورية في القرن العِشْرين، وَحَتْى منتصف القرن الحادي وَالعِشْرين، تتصرف بغباء، وتدعم دويلة مهزوزة، وتضحي استراتيجيا بمصالحها مَع العرب، الَّذِينَ يمتلكون من وسائل القوة الاستراتيجية، ما يجعل أي دولة في العالم تنحني أمامهم، وتقبل …….(اعتذر عَنْ ذكر الكَلِمَة الَّتِي قالها الدكتور عقل فَهْوَ أحياناً يتحدث بِكَلِمات لا افهمها أنا شَخْصِيَّاً). هراء.. هراء.
سابعاً: ساقتبس لَكُمْ بعضاً من الروايات المغلوطة لتقولوا لي إذا كانَت صحيحة، أو لا، والصحة تُقاس بالعقل. تَقُول دراسة منشورة في العالم 2010 أي قبل ما يقرب م أربعمائة سنة – حسب الرِّوايَة المشكوك فِيهِا طَبعاً- مجموع براءات الاختراع المسجلة في العالم العربي كله ما بَيْنَ عامي 1980-2000 هِيَ 370 براءة اختراع، بَينَما سجلت إسرائيل وحدها ما يقرب من سبعة عشر ألف اختراع. هَلْ هَذَا مَعْقُول؟ دولة مليئة بالمخدرات، والشذوذ الجنسي، وَالجَرِيمَة، تنتج ذلِكَ، بَينَما الدُّوَل العَرَبية الغارقة بالنفط، والكاز، والبنـزين من فئتي 90، و95 اوكتان، لا يَحْصل فِيهِا ذلِكَ؟.
ثمَّ انْظُرُوا إلى الكذبة التَالِيَة الَّتِي تَقُول: في العالم العربي 124000 باحث، بَينَما في إسرائيل 24000 باحث فَقَطْ، وَفِي المقابل، فإن إنتاجية الاسرائيليين تبلغ أضعافاً مضاعفة من البَحْث العلمي العربي.. هَلْ هَذَا مَعْقُول؟
ثامناً: يَقُول التاريخ، وما اكذب ما يَقُول ان الشعب الفلسطيني قام بانتفاضة شعبية في العام 1987، وَكَذلِكَ واحدة أخْرَى في العام 1996م، وَتَقُول الروايات غَيْر العقلية ان الفلسطينين كَانُوا يَسْتَخْدِمُونْ الحجارة في الدفاع عَنْ أنفسهم، لِعَدمِ امتلاكهم السلاح، وَتَقُول نفس الرِّوايَة المغرضة ان العرب كَانُوا يمنعون عَنْهم السلاح، ويحمون حدود إسرائيل ( مشكلتنا اننا نصدق روايات لا ترتقي للمنطق، فما هُوَ السَّبَب الَّذِي سيجعل العرب يحمون حدود إسرائيل، والله لولاكم لما كُنْت مضطرا لتبرير اقوالي الَّتِي لا تقف أمامها تِلْكَ الأقاويل الهذربية). تخيلوا هَذَا الكَلام غَيْر المنطقي الَّذِي سافنده الآن:
هَلْ صَحِيح ان الشعب الفلسطيني لَمْ يَكُنْ يَمْتَلِك سِلاحاً، وَهَلْ يعقل والحدود البرية والبحرية الفلسطينية تبلغ 949 كم، هَلْ سيترك العرب الفلسطينين بِلا سلاح، وَبَيْنَهُم كل تِلْكَ الحدود، لَوْ افترضنا ان إسرائيل قَامَتْ، فإن الَّذِي سَيكونُ محاصرا، وَليْسَ لَدَيْهِ سلاح هُوَ اليهود، فالعرب يحيطون بِهِم من ثَلاثَة جوانب، والجانب الرَّابِع البحر، إذا هَذِهِ الرِّوايَة تسقط عقلا أيضاً.
وَهَلْ يُمكن الا يَمْتَلِك الشعب الفلسطيني سِلاحاً، والإحصائيات تَقُول ان العرب في ذلِكَ الزمان كَانُوا أكثر دول العالم شراء للسلاح، فَقَد صدر في ذلِكَ الوَقْت كِتَاب بعنوان (تجارة السلاح) لناشط بريطاني في حقل المنظمات غَيْر الحكومية المعارضة اسمه (غيدون باروز) ، وأثبت فِيهِ ان الدُّوَل العَرَبية من أكثر دول العالم استيرادا للسلاح، والسؤال المنطقي: لِمَاذَا كَان العرب يَشْتَرُونَ السلاح؟ هَلْ لينظروا إليه، ويلتقطوا فوقه الصور التذكارية، وهم يلبسون الشورتات القَصيرَة؟ أم ليستعملوه كعلاقات لملابسهم الفاخرة؟ لدي إجابة أخْرَى أكثر منطقية تَقُول: لَوْ كانَ هُنَاكَ إسرائيل، لدمرت بِذَلِكَ السلاح المشترى بالمليارات في ذلِكَ الوَقْت؟
يَا سادتي، هَذِهِ ثماني حجج، من ضمن ألف وخمسمائة حجة مَوْجودَة في بحثي، تثبت ان إسرائيل خرافة، وانها لَمْ تكن مَوْجودَة في يَوْم من الأيام، فلنترك الروايات التافهة الَّتِي تشوه التاريخ العربي، وَالَّتِي تَقُول ان الفلسطينين كَانُوا محاصرين، بَلْ والانكى من ذلِكَ، تِلْكَ الروايات السوداء الَّتِي صاغها أعداء الأمة الَّتِي تَقُول ان العرب كَانُوا يحاصرون غزة، ويمنعون عَنْهَا الغذاء، والدواء، وحليب النيدو، كَلام غَيْر مَعْقُول، والادهى من ذلِكَ ان هُناك من يَقُول ان الدُّوَل العَرَبية لَمْ تكن تجرؤ عَلَى انتقاد إسرائيل بالعلن، بَلْ ساجعلكم الآن تضحكون، مِمَّا تسمعون، وانصح من لَدَيْهِ ضعف في عضلة القلب، أوْ مشاكل في القولون، أوْ بواسير، ان يخرج من القاعة لأنه قَدْ يصاب بالجلطة لتفاهة هَذِهِ الرِّوايَة الَّتِي تَقُول ان غزة كانَت محاصرة من قبل إسرائيل، وأكبر دولة عَرَبِيَّة، وانهم – أي أهل غزة – كَانُوا يهربون الطَّعَام من خِلال الأنفاق، وان الدَّوْلَة العَرَبية المذكورة كانَت تضخ ألْغَاز السام، لتقتل المهربين داخل تِلْكَ الأنفاق، والله شَيء مخزي، أنا اقصد الرِّوايَة الَّتِي تهدف إلى تشويه صورة اجدادنا العظام، فلَو كانَت غزة محاصرة بجدار فولاذي عربي يَا سادتي كَمَا زعم البعض، لزحف العرب، ودمروه باسنانهم، وَقَدْ كَانُوا قادرين عَلَى ذلِكَ، وبالمجمل فإن كل ما قيل هُوَ كَلام هراء، لا ينطلي الا عَلَى الجهلة.
ضجت القاعة بالتصفيق، وَالرَّائِع ان الدكتور عقل حَصَلَ عَلَى ترقيته، وَعَلَى الفَوْر بدأت جامعات العالم تعترف ببحثه، وَقَدْ تقرر نقل ما يُسمى بتاريخ إسرائيل إلى أدب الأطْفال، حَيْثُ ثبت بالوجه الشرعي ان ما يقال عَنْ تاريخ إسرائيل، ونشوؤها مُنْذُ عام 1948م وَحَتْى بدايات القرن الحادي وَالعِشْرين هُوَ مُجَرَّد أسطورة الفها كاتب أطفال أردني كانَ وَيَتَمَتَع بِخَيَال خصب – رحمه الله وغفر لَهُ-.
والسلام ختام.. نوما سعيداً يَا سادتي.
د. محمود أبوفروة الرَّجَبِيُّ