من حرقة قلبي أتساءل: لماذا يحتفل الأعراب بيوم العربيّة، فيما معاولهم تقتلع العروبة من جذورها، وتحفر لها عميقًا في باطن الغياب؟
هل العربيّة مجرّد أصواتٍ ورموزٍ يُعبّر العربُ من خلالها عن بشاعتهم؟
كيف لطفلٍ غضٍّ سلبه المرضُ القدرةَ على الحديث، وحتّى على البكاء، أن يستعير من العربيّة مفرداتٍ تصرخُ بأوجاعه الطاعنة في الحزن والكآبة؟
كيف للّغة المخنوقة على يد أصحابها، أن تستوعب كلَّ مضامين الألم، والخيبة التي تعتري طفلاً ابتلعته المنافي، وليس في جسده مضغةٌ إلا وبها دمعةٌ وخيبةٌ ووجع؟
على امتداد البسيطة، يموت العربيّ بكلّ أشكال الفصاحة والبلاغة، في يومٍ يتباكى فيه الأعراب على لغتهم، ويذرفون الدموع على ضياع الهمزات والفواصل، وفي حياة المشرَّدين كلُّ رموز الشدّة، وعلامات البؤس التي تلتصق بملامحهم كعلامات فارقة؟
كم هي ركيكةٌ مشاعر هؤلاء الذين يدّعون بالعربيّة وَصْلًا، وهم يتركون أطفالها على مشانق البؤس والحرمان، تتأرجح بأجسادهم الغضّة، وترسلهم للمقابر زرافاتٍ ووحدانا!
وكم هي بشعةٌ ضمائرهم الغائبة والعاجزة عن رؤية هذا الموت الذي يصول في ديار العروبة، ويتخطّف أبناءها بكلّ اللغات واللهجات.
وفي الوقت الذي يمضي فيه الأطفال العرب إلى حتفهم مُكرهين، ويمضي الهاربون من جحيم بلادهم إلى موتهم متألّمين، تحتفي بلاد العروبة بالضيوف الغزاة، وبالساقطين، وبالقوّادين، وبكل الفاقدين عروبتهم، ورجولتهم، وشهامتهم، وحتى إنسانيّتهم التي جعلتهم – زوراً – في عِداد البشر!
ما بين مكتظّين في بيوت كعلب السردين، ومشرّدين كالعصافير على خرائط المنافي، ثمّ قلوبٌ مذبوحةٌ بكلّ اللغات، ولا يهمّهم إن احتفل أهلُ العربيّة بلغتهم، أم بالغوا في هجرانها، إذ لا قيمة للفصاحة في أمّة باتت مشاعرها ركيكةً، وطموحاتها معتلّةً، وضمائرها غائبةً لا تبالي باليقظة أو الحضور؟ّ!
د. وائل محيي الدين