زمن الحب والآلام: نوستالجيا الثلاثية الشامية

نعم، إنه زمن مضى، ولكنه زمن يشبه زمننا، إن لم نقل إنه مهَّد لما جاء بعده من أحداث. وفي هذه المقدمة التي أتناول فيها الثلاثية الشامية بعين الناقد لا بعين الكاتب أجتزئ الإشارة السريعة إلى البطل الزماني، على أن أستكمل الجوانب الأخرى فيما بعد.

تستغرق أحداث الثلاثية الشامية عقودًا من القرن التاسع عشر كانت في غاية الأهمية والخطر، ثم تدخل القرن العشرين فتتخذ من ربعه الأول البطل الزماني للرواية الثالثة من الثلاثية. ليس من منطلق ما يحلو لكثير من الناس التعبير عنه بعبارة (الزمن الجميل) بل من منطلق الأهمية والإرهاص لما بعدها كانت الثلاثية الشامية المكونة -كما هو بادٍ لكل قارئ- من ثلاث روايات طوال يأخذ بعضها برقاب بعض كأخوات شقيقات متشابهات في الدم ومختلفات في التفاصيل.

في الرواية الأولى وهي (حبتان من القمح: ثنائية الحب والحياة في مدينة الأنبياء) بداية تصلنا ببدايات أخرى أقدم تشير إليها الرواية مرارًا، وتتشبث بذاكرتها، وفيها الحاضر الذي يراوح بين الآلام والتعافي منها، كما يراوح بين الحب والحياة، وفيها ما يرهص بعذابات قادمة تشي بها صفحات الرواية بين معاناة وأخرى.

أما الرواية الثانية وهي (الشفق الأبيض: من سيرة حكيم عاشق) فهي المساحة الطويلة لجملة لا تنتهي من المعاناة والكفاح والسعي والبذل والعطاء، فيها الإخلاص والوفاء وفيها كذلك الشك والغدر، يلخص ذلك الجملة المتصدرة وهي “العاشق الذي في قلبه مدينة”.

أما الرواية الثالثة وهي (اسمي هاجر: من أجل دمشق من أجل أبي) فهي الفضاء الذي يلف بسماواته آلام أجيال ثلاثة ويفتح الأفق لأمل لم يأت بعد. في هذه تأخذ المرأة حصتها من حمل الأمانة وصفات النبل والفداء والتضحية من أجل البلد والناس، من أجل هؤلاء الفقراء والمساكين والنساء والأطفال الضائعين خلف ذاكرة التاريخ.

ولأن الزمن يشبه الزمن فإن كل جرح من الزمن الماضي الذي تعيد الثلاثية إحياءه هو جرح نازف في زمان القارئ الذي سيجد كلمات الثلاثية في نفسه وتخترق حكمها وفلسفتها ضميره، إنها نوستالجيا من نوع كامن في نفوسنا ونحتاج إلى هذه الروايات لتحكيه نيابة عنا. وفيها تتبدى للقارئ المشاعر التي يعيش القارئ متنقلًا ما بين الحزن والسعادة مع كل سطر من سطورها التي تأخذ بمخيلة القارئ وتحتجزه مع تلك الشخصيات الفاضلة وتُشركه في صراعها مع شرور تلك الحقبة.

“من قال إن فتح الدفاتر العتيقة سيئ دائمًا؟ قد تكون أجمل ذكرياتنا وصورنا في دفاترنا العتيقة جدًا” هذا مما جاء على لسان الشخصية الرئيسة التي حضرت بقوة في الروايتين الأول والثانية، وحضرت عن طريق الذكرى في الرواية الثالثة.

الأديب محمود عمر خيتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *