دراسة تفكيكية تحليلية لرائعة أيقونة الرواية والنقد الأدبية السورية ريم محمد (روشنا) للكاتب أحمد بيضون

🔖دراسة تفكيكية تحليلية لرائعة أيقونة الرواية والنقد الاستاذة الأدبية السورية ريم محمد، التي أتحفتنا برائعتها (روشنا) لتسطع شموس الأمل المتجدد بعدما استعارت من الخيال ما ستغير به الواقع الأليم، رواية جاءت لنعيش ولنصارع من أجل إحياء الآخرين بإذن الخالق سبحانه بمنأى عن هرمنيوطيقا الدراسات والإرهاصات في أغوار النفس والسيكولوجيا، إلا أنها صرخة للحيد عن القنوط والجزع والإذعان لعبثية اليأس… أعدها الأستاذ المصري/ أحمد بيضون – مصر


“روشنا”.. الشمس الساطعة التي نثرت علينا جميعاً أفياءً من الإنسانية والتآخي والتراحم والصبر والاتئاد واليقين – بل غاصت في أغوار النفس البشرية اللوامة في مقابل سموها الروحي للبحث عن التكفير عن ذنب لم تقترفه Theme of Regret & Expiation، هي عالمٌ مصغر من فلسفة الوجودية Existentialism كما أضاءتنا الروائية الأيقونية الاستاذة (ريم) بوجودية الجسد والروح معاً في التفاتتها لصموئيل بيكيت وليس ظلالا باهتة لعبثية الحياة ومقصلة القدر التي تفصلهما، مازال بطلنا (الذات الساردة) أو الأنا بضمير المتكلم ..(جُبران).. هو الذي يبعث الروح لأغلى شخصين في حياته التي اتشحت بشبح الموت لزوجته الراحلة المُتيم بأناهيد عشقها (هيام) التي هام ومرضَ بها وابنته الغالية (سما) التي أورثها الاسم بعدما نظر للسماء وكان قد حبس دموعه في محاجرها ألا تنفلت ليمسحها بعدما أبتسم ثغره بكلمة (بابا)؛ فهي التي انتظر قدومها للحياة بعد انتظار طالت لواعجه قرابة العشر سنوات فهطلت مع أمطار أيلول، لقد كانت عيناها كالزمردتين اللتان يغردان بدروبه وشعرها أسود كشلال هادر يندي لوعاته… لكنّه – يؤمن تماماً بإرادة الله ويستعين بها في السراء والضراء ويعيش على هذي الأرض ولا يوجد علاج لذلك.. بعدما صدح مغمغما باكياً (كيف سأعيش بعدكما؟).
استهلّت المبدعة بكلمات الشهيد الراحل (غسان كنفاني) لترتسم ملامح أبجدية الصمود في روح بطلنا Archetype Character الذي روى لنا ملامح الاستلاب والنوستالجيا، وذلك الاختناق حنقاً في بلاد الغربة الأجنبية، ليلقننا درساً في النفس العميقة وتلك الأشياء العميقة بداخلنا؛ خاصة الاتيكيت المكذوب الذي رآه من زملائه بالتعلم وممارسة طقوس الزواج من أجنبية، ولكنه على النقيض حنينه إلى الوطن ليخدم بلاده ويسبغ دراساته عن الجراحة للأطراف الصناعية كجراح ماهرProsthetic Ligament & Joint Surgeon يلتهم الدراسات العلمية بنهَم، ثم يفيض علينا بالسرّ وراء تسميته بهذه التسمية (جُبران) من والده الراحل تيمناً بأديب المهجر جبران خليل جبران وأخاه (نزار) معشوق النساء لوسامته كنزار قباني، وهو النهج الذي انتهجه في التسميات ويكأن الروائية تلقي الظلال على Incarnation تلاقي الأرواح، وكان السر الكامن وراء (صاحب الأنامل السحرية) فهو موروث من الأم الراحلة التي اشتهرت بالابداع في حياكة الملبس والجد المزارع الذي لا يشق له غبار والجدة الماهرة والأب المُحنك. الغرض التمهيدي Preface To Condolence للمأساة بعدما أطنبنا الذات الساردة البطل (جبران) يروي لنا هدوء ما قبل العاصفة، في مشهدية مثيرة لمسرحة الأحداث منذ حفلة (جورج) -أعز أصدقائه- لما التقى (هيام) وبدأ يتهرب منها بعدما نُسغت سهام كيوبيد من النجوى، لكن ( الحزن الآن لن يعيد أحداً) كما كانت تخبره تلك الطبيبة النفسية الحنون الرؤوم الراحلة(زوجته هيام) – لأرزاء القدر كلمتها الأخيرة!
جبران كان يعيش على تلك الذكريات التي لم تفارق أخيلته يركن إليها بعد كل عملية جراحية ناجحة لينقذ حياة طفل يحتاج لمفصل فيذهب لدرجه بالمكتب بالمشفى ويمسك تلك الصورة التي تضم حبيبتيه – هيام وسما ويغني (أنا سوري وأرضي عربية)، هو فارس من الجيش الأبيض ليداوي جراحات الآخرين ولكن قراحه لم تندمل، خمسيني آنذاك وهزمه الدهر فينتخبك القدر لتكون سيزيفاً آخر، مازالت (دُمية الباربي) هي باعث الأحزان وسكرات الموت The Stimulus of Melancholy and Throe of Death، في قفزة بندولية للوراء بالفلاشباك Flashback لذلك اليوم حين كان منهمكاً في الدراسات و(سما) تخبره: (بابا لا تنسى عيد ميلادي) وحدث ما حدث مع والدتها وصعدت روحهما لبارئها، ثم القفزة مستقبلاً Flashforward لما أنقذ (أمجد) الصغير، وكان في هيئته اليائسة بعينين غائرتين ولحية كثة – كما جاء في النص العبقري: ( ما أصعب أن تموت لا تُدفن؟!) كأنه dead-in-life ميتٌ حي.. فاقد ومفقود.. هي ثيمة وساوس الحب Morbidity of love Obsession ويكأن (هيام) تخبره بأنها في انتظاره فكان جوابه الصمت والراحلان فضلا الاستسلام والانصراف، كان (جبران) ينجح في تجنب مواقف قد تذكره وترهقه ومازالت (سما) تجول خاطره وتجوس بين خصلات شعره.. (الوضع الموارب للآخرة).. إيماءة من الروائية العبقرية بذاك البرزخ الاصل بين العالمين، (مرآتي هي صديقي المفضل لأنسى عندما أبكي فلا تضحك أبداً) شارلي شابلين..

هكذا كان التكتيك الملهم في سرد الرواية ..تقدّيِمات لمقتطفات مفكرين وأدباء كانوا علامة فارقة في تاريخ البشرية.. حكمة بالغة على لسان الحكماء لأدلجة الأحداث المتلاحقة تباعاً.. ويكأن الروائية تخلق مناخاً للإثارة والتشويق للأحداث وفق الزمان والمكان في كيان الذات والتفاعل مع المؤثرات الخارجية.. فالمرآة لا تكذب أبداً ولا تضحك أو تعطيك خياراً آخر ونسخة أخرى منك.. لطالما كان Loss in the loose الفقد في الأشياء التي نتخلى عنها ونتركها بلا اكتراث؛ (جبران) ينخرط في حالة التيه والعزلة بعدما انتهت حياته برحيل من تنسّم عبير الحياة والأمل لأجلهما، وها هي (أم جورج) الرؤوم التي تعاتبه وتواسيه كابنها وكذا زوجها وزوجة ابنها (نجاة) في محاولة حثيثة لاستنطاقه وانتشاله من حالة اليأس واللجوء لقمقم يعج بالذكريات المعضعضة .. فما هو إلا مشهد واحد يطوح بك منذ الطفولة إلى وعر الطريق كما أشار الراحل (غسان كنفاني)؛ لكن الصديق الصدوق وقت الضيق كما فعل (جورج) الذي يُعد سارداً آخر في الأحداث الموازية لمشاهد (جبران).. ويكأن السارد (مُحايداً وذكياً) في هذه الرواية في خطين زمنين متوازين، فهناك مساران: مسارا لجورج وعائلته ومسار لجبران بعد رحيل أمه ولم يتبق سوى أخيه.
بيتُ جورج معتق بالأزمنة وعبق الماضي مع الحاضر بنكهة الياسمين وحواري الشام العتيقة، وقد غير مسار حياته للهندسة المعمارية ويلازم زوجته الفنانة مهندسة الجماليات والموزاييك والأرابيسك، ولعبا دوراً بارزا في مهمة عصيبة لتحسين حالة جبران..(قد يتحسن الألم وقد يتغير شكله وقد يكون أقل كرثية في كل مرة، لكنه سيظل موجوداً في كل مرة لأنه جزء منا… أنه نحن) هكذا قال فرويد، نما إلى علم جُبران أمر الطفلة (نور).. أحد الأبطال الحقيقين لقصته.. إن لم تكن الأمل الوحيد لصفحة جديدة في حياته المقبلة، لا تتعدى السبعة ربيعاً وتعاني من الموت الدماغي ووالدتها ابنة أخت أم جورج، وليس هناك غير جبران الذي سيحاول انقاذها ليعتقها من معاول الموت الزؤام بعدما سيتوقف القلب آجلاً..(الحزن هو أن تعرف بأنك لن تجد الكلمات التي تعبر بها عن آلامك) لفيكتور هوجو بالبؤساء.. فهذا الزلزال المأساوي الذي ضاعف مراقد الأحزان Melancholy loves company كالمصائب لا تأتي فرادى.. من انتكاسة حروب لا يهدأ قرع طبولها إلى زلزال مدمر وتوقعات لحدوث تسونامي.. لا يكاد جبران ينكئ جراحاته، أيما قهر! فانبرت البطلة (روشنا) التي لا يُعرف اسمها بعد.. لا شيء يرو عنها إلا أنها الناجي الوحيد من عائلتها بحلب.. لقد كانت هزيلة محطمة وقاب قوسين أو أدنى من النهاية وتعاني من سوء تغذية لقضائها أكثر من ثلاثة أيام.. لكنها في الوقت ذاته تشبه (سما) كما تراءى لجُبران؛ الذي كان يداوي (نور) في آن معاً، استشار صديقيه بالمشفي (عصام طبيب الكلى – ماجد طبيب القلب) ليتضح من التحاليل بحاجة الناجية من الفاجة الإنسانية لغسيل كلوي على الأقل مرتين أسبوعياً، حتى احتدمت الحبكة بذاك الكرم الباذخ لهؤلاء (أم وأبو نور ونور) يهبون الحياة لمن يحتاجها بزرع قلب وكلية نور لتلك الفتاة في سَبر عاطفة جياشية بين الألم والأمل .. مفارقات Paradoxes بين الحياة والموت.. بين اليأس والرجاء.. بين أكون أو لا أكون؟!
السنتمنتالية Sentiments بانت ببذوغ الشمس البلجاء في تلك الأثناء..(ما أردته لنفسي ليس الذي حدث بالفعل، لكني غيرت خططي ألف مرة لأفرح وألف مرة لأتحمل والف مرة لأعيش) رسالة فرانز كافكا الرائعة التي أشحات الأيقونية الاستاذة ريم أبصارنا إليها.. هكذا تتحفنا ببيادر الضوء التي تتخلل صندوق العتمات التي يفرضها الدهر.. فلا يأس مع الحياة.. كانت تلك العملية Heart Kidney transplant Operability طوق نجاة روح لتتلبّس روح أخرى لترقد المتبرعة بسلام وتأذن للفينيق بالبعث من تحت الركام وبشارات (سمَا جديدة).. جُبران ناسك في محراب الحياة Austerity in the Altar of Life.. يحاول إحياء الأمل من جديد وينبش بين جدران الألم حتى ثلمت أظفاره حتى وجد (روشنا)..( أنت تشعر بأنك مجرد شخص في هذا العالم بينما يوجد من يشعر بأنك العالم بأسره) برنارد شو.. هكذا صارت الناجية النازحة إلى مشفاه بيد أنه يخشى مرارة الفقد مجدداً.. أيا ترى كيف يعيش بدونهما (ابنته سما وسما الجديدة)!
جنون الانتظار في ساعات تمر كسنوات عجاف حتى تنجح العملية هو أمل الأب المفجوع والأم الثكلى لأملهما في أن تكلل الجهود النجاح ولا يذهب سعيهما هباء وكذلك الناطر جبران مع صاحبه جورج؛ لتتحفنا الروائية بمشهد زيارة القبر والشاهدان لابنته وزوجته(تمثالان من الرخام يتناجيان في صمت وألم والسماء تبكي بحرقة مع صوت عويل يمتد كأنه صوت عجوز بجسد شاب، وريح تلطم خدود الطريق بلا رحمة والعاصفة المارة تنسغ سهامها لتزمجر).. ثم تتطرق إلى قولة أنطوني شيخوف الروسي (علم اليقين بأن المرء يخوض صراعا بينه وبين نفسه كل يوم مع ألف هم وألف حن ومائة ضعف ليخرج أمامك بهذا الثبات) ..

ثم مشهدية القداس بعدما نجحت العملية ليهيل الثرى على جسد نور البطلة الراحلة.
بعدما استفاقت الفتاة المناضلة من أجل ارتشاف الحياة وكما تم الاستدلال على اسمها من الرجلين اللذان اصطحباه للمشفى من الجيران..(روشنا) الشمس الساطعة.. بعينين بلون العسل تملؤهما الدموع ويكأنه خريف مرّ بالأحداق ثم بللت اوراقه أمطار تشرين الصباحية.. تندب حظها العاثر في هاته الحياة المفزعة لما رحل عنها (دايك..بابا) و(باوك.. ماما) و(بابير..جدها) و(دلشاد (قلبُ الفرح).. أخيها).. أمعن جبران النظر في تلك الفتاة الجميلة وهو يتحسس تلك الصورة التي تلازمه في جيبه ليصارح تلك الفتاة (أليست جميلة..تشبهك كثيراً) ملمحاً لها بأن ابنته الراحلة تشبهها وبأنه اختار أن يتقاسم معها أسراره لأنه ستكون المفضلة لديه ومكمن أمانها، أناملها الرقيقة توحي بأنها كانت عازفة عود ماهرة كما نوهت بأنها تلميذة بمعهد صباح فخري، وقد تفرّست في وجه مخاطبها الحنون ما حدث لأهلها وترقرقت مقلتيها لأن الحقيقة ساطعة لدرجة تبهرنا سطوعها فتعمينا كعماءٍ من فرط الضوء؛ على النقيض أن نعيش بين أسوار الوههم كشعاع الشفق يلقي الضوء على الأشياء فيمنحها وضوحاً زائفاً .. كلمات مقتبسة من الروائي الرائع ألبير كامو.
جاء السارد(جورج) الصاحب النبيل ليحكي لنا رحلته إلى حلب التي تستغرق ثلاث أيام وحان وقت الابتعاد عن صديقه بصحبة زوجته نجاة والابنين في محاولة لاستعادة الأمكنة المدمرة من جراء الزلزال وتحمل في دهاليزها القيمة الدينية والأثرية والتاريخية، سيميولوجيا الدلالة المكانية والشخصية Semiology of Place and Character Meticulous dissemination كملمح من جماليات السرد Aesthetics يضفى نوعا من التطهير Catharsis في الجو العام لسير الأحداث وكأن الطبيعة تتحدث عن نفسها، ما كانت عليها في الماضي التليد وما آلت إليه، ويكأن ذاكرة الحجر تتحدث عبر آلاف السنين وتإن من زلزال مروع قض أركانها، وسيحاول جورج وزوجته عملية الانقاذ بطاقمهم بكل ما أوتيا من قوة قدر المستطاع، على الجانب الآخر نجد (جبران) يحاور تلك التي استفاقت من عمليتين إعجازيتين وتنتظر الثالثة لزراعة المفصل عن طريقه ليكتشف بإجادتها للمقامات الحلبية الثمانية في كلمة (صُنع بسحرك) وألحان القدّ، وبأن أخاها كان بارعا في الرسم مثل الراحلة سما، حتى جاء صبيحة يوم جمعة ليجلس بين القبرين المتجاورين ويترك العنان لدمعه ويحكي للأحبة عما صارت إليه الأمور.
(مسكينة ذاكرة الوقت تنزف وتنزف من دون أن تملّ فلا جدوى من إيقافها أو تطويعها ربما لو كان ساعة رملية عادية وأسكتها بمجرد أن فرغ الرمل بأن أهمل قلبها، لكنها ساعة لا تحتاج مني إلى قلب لأنها مرت على كل خلية من خلايا جسمي.. أيقظتها ثم بعد أن استباحت منها كل ألم وانتهى الوقت…) مونولجاً عبقرياً لجبران في التفاتة منه بأن ذاكرة الوقت ليست كالساعة الرملية تسطيع من خلال ايحاءاتها الشقلبة للاحداث في القفزات الورائية للزمن لإعادة ترتيب الأوضاع، بات الأمل في نجاة (روشنا) تماماً قريباً يدنو من ذلك المشدوهُ لما علم بموعد العملية بعد أسبوع فقط، كان لزاماً عليه أن يبيع قطعة الأرض الصغيرة التي تعود مع عائلته قضاء وقت ممتع هنالك، فتواصل مع (نزار) أخيه ليحصل له على مشتري ويحضر المال اللازم لعملية تركيب المفصل.. لتتحفنا الروائية لصاحب المتاهات الروائي الراحل بورخيس (لم يكذب علي أحد مثلما كذبت أنا على فنسي ، فمنذ أن عرفتني وأن أخبرني بأنني سأتغير عندما استيقظ، استيقظت كثيراً ولم أتغير)… ويكأن جبران مازال في صراع نفسي داخلي Inner Conflict وتشظي Split Psyche بين الطامح والبائس، لينتقل المشهد إلى المثابرين جورج ونجاة بقرية (الوادعة الخضراء ) بعد الرحيل عن اللاذقية والتوجه لدمشق والبيت الدمشقي الموسوم بقارورة العطر الشذية، وتبقى الذاكرة ماثلة في ارتحال جبران لزيارة صديقه وعائلته هناك بجوار شوارع باب توما؛ لما تذكر السير راجلاً مع هيام ثم زيارة (العواد) الذي ابتاع منه عوداً لروشنا، ثم شارع القميرية، وكانت سعادته بباح منزل صديقة عارمة، كأنه يشعر بأنه كيان مكتمل بمعية هؤلاء (عائلة جورج) إبان النجاح الباهر الذي حققه الزوجان في استعادة الأماكن الآيلة، حتى ينبو مشهد الاستعداد للعملية واللقاء مع والدي (نور) الزائرين للاطمئنان على الطفلة (روشنا) ويبقى السؤال المثار..هل سيتحمل جبران صفعة أخرى؟!
حتى نجحت العملية نجاحاً باهراً أسعد الجميع، ليجد بأن (روشنا) الفتاة النبيلة الوفية قد بعثت رسالتين للراحلتين (نور – سما) لتشكر كل منهما على صنيعة وفرصة الحياة الجديدة وتعدهما بأن تحافظ على (جبران) كأبيها، ويبدأ انقشاع الظلام وتتبدد الغيوم مع بوح جبران لقبر ابنته بأن عيد ميلاد روشنا قد دنا مع تجمع الأهل والأحباب حتى أخيه، وكان حديثاً مطولاً حتى أخبر هيام بعودة اختها مع زوجها الذين استغلاهما مادياً، حتى ظهر متبرع نبيل للقيام بعملية روشنا.

النهاية السعيدة في ذاك الحفل الرائع لعيد الميلاد بعدما تجدد الأمل تارة أخرى وتواترت كرات البهجة برُوشنا التي أضفت وميضاً لا ينمحي في سرائر كل فرد من العائلة التي تآلبت في تعريشة العنب ببقعة الأرض الباقية بعدما اكتشف جبران بأن جورج هو الذي تبرع بالنقود لإنقاذ الصغيرة، وأمّله بأن تصبح تلك الرقعة الزاهرة بأريج أرواح راحلة عتقت تلك المرابض من نصيب روشنا في المستقبل.
هكذا كانت أيقونة الروائية والناقد المحنكة المبدعة الأستاذة الأديبة الأريبة ريم محمد، التي صنعت تحفتها كشمس روشنا التي سطعت في يباب الإنسانية وجددت أمل البقاء والعودة، لتهزم ذاك الجمود والصمت القابع خلف رياح اليأس، فلا نستسلم طالما أبواب الأحلام مشرَعة ومواربة لذلك الخلاص مع الأخذ بأسباب النجاة واليقين بأن الله معنا وبه نستعين في ضائقتنا لما استجاب لدعوات جبران فكان جبر الخواطر Reparation طالما كان هناك حسن النية وشحذ العزائم وائتزار الصبر والإحرام بالوئام والتآخي.
قدرة لغوية وقريحة ماتعة وسلاسة في سير الأحداث وبلورة الصراع وافتكاك العقدة بشكل يكسر الجمود ويحرك كرة الثلج في مجريات الأمور فجاء الفرج وعمّت البهجة وبدأ ميلاد جديد وظهور مأمول مآله بأن القدم أجمل.. تهانينا الحارة.

الكاتب أحمد بيضون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *