رؤية في مفهوم التناصّ الأدبي: للكاتب عبد المجيد أحمد المحمود


إن مصطلح( التناصّ) هو مصطلح شاع استخدامه كثيرا في الدراسات النقدية، في شتى الأجناس الأدبية، و قد اختلطت و اختلفت الرؤى حوله.
و أحببنا أن ندلي بدلونا ها هنا، محاولا التركيز دون استفاضة:

حقيقة أرى أن مفهوم التناص كمفهوم نقدي يمكن التعبير عنه بشكل جيد، من خلال المعنى اللغوي لكلمة تناصّ في اللغة العربية، إذ نقول تناصّ القوم أي ازدحموا، و تناصت الأشياء أي اتصلت…يقال هبّت الريح فتناصّت الأغصان، و بذلك أجد أن
أدق تعريف للتناص:
هو( الازدحام حول المعنى)، و هذا الازدحام قد يكون عفويا، تتطلبه ضرورة الموضوع أو الفكرة التي يريد الكاتب أو الشاعر طرحها، و قد تكون مقصودة لعدة غايات منها:

✓ ترصيع النص بفكرة أو معنى أو كلمات تعيش في الذاكرة الجمعية للقرّاء.
✓ تنوير الفكرة التي يطرحها الكاتب من خلال الفهم السابق للقارئ للفكرة الأصلية الموجودة في النص المتناص معه.
✓ محاولة إظهار المقدرة الشخصية للكاتب، من خلال مقارعة النص الأصلي و منافسته في تحصيل الإعجاب لدى القارئ.

و لكن ما يحصل أن هذه الآلية( التناص)، تحتاج إمكانيات و قدرات إبداعية، لا تتوفر لكل من أمسك القلم، فعدم استخدامها بحنكة و بشكل جيد قد يفضي إلى نتائج لا تحمد عقباها بالنسبة للكاتب و نصه، و من تلك النتائج:
✓ أن يأتي النص قصصيا كان أم شعريا على هيئة مسخ عن النص الأصلي، و هنا يعيد الكاتب اجترار ذلك النص فقط، دون توظيفه بشكل صحيح في إيصال المعنى المراد.
✓ أن يضع الكاتب النص المتناص معه كاقتباس في نصه الجديد، ليشعر القارئ بهذا الاقتباس كأنه حجر غريب في البناء النصي، فيستشعر ضعفه و تشكيله لبؤرة خطر قد تتسبب في هدم النص بالكامل.
✓ أن يخطئ الكاتب فلا يستطيع الانفكاك من النص المتناص معه، ربما لشدة تأثره و إعجابه به، و ربما لعدم امتلاكه القدرة الكتابية الإبداعية الكافية ليتخلص من هيمنة ذلك النص، فيقع الكاتب هنا عمدا أو عفويا في سرقة أدبية ظاهرة.

التناص مفهوم ينبغي أن يرتقي بكتاباتنا، بشرط التخلص من عباءة النص الأصلي، و المحافظة على:
احترامنا لخصوصيته، و الاستفادة من عموميته…
بحيث نقوم بترتيب نصوصنا في ظل النص الأصلي، دون أن نخدش الجسد الحقيقي لذلك الظل، و لعلني هنا أشبه التناص، بقدرتنا على الاستفادة من ظل شجرة مثمرة، دون أن نلجأ لقطف ثمار تلك الشجرة و دسها خلسة في سلالنا.


الكاتب عبد المجيد أحمد المحمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *